احترمت كثيرا موقف شباب الثورة الذين رفضوا المشاركة في ما يسمي بالحوار الوطني، وأغلب الظن أنهم اتخذوا قرارهم بعدم المشاركة، ليتجنبوا تحويلهم إلي قطعة ديكور تجمل هذا الحوار وتضفي عليه شرعية ثورية. ولكنهم لم يسقطوا في الفخ خاصة أن خبراتهم الفتية لن تمكنهم من فرض رؤيتهم في وجود غابة من »الكلامنجية« ومحترفي الفضائيات والندوات و»الشو الإعلامي«. إلي جانب أن رؤية الشباب لإصلاح أوضاع الوطن تتسم بالحسم ووضوح المعالم ولا تحتاج لساعات طويلة من الثرثرة والتبارز بالكلمات. ويبدو أيضا أن قطاعًا عريضًا من هؤلاء الشباب- استنادا إلي مواقع الفيس بوك- يعتقد أن الهدف من الحوار هو الالتفاف حول مطالب الثورة وأهدافها أو تقليم أظافرها علي الأقل، والدخول في متاهات من المماطلة والتأجيل ضمن محاولات مستمرة لتهدئة الحماسة وامتصاص الغضب المنصب علي الفساد والفاسدين. وبدا جليا في الجلسة الأولي التي تضمنت حوارا من أجل الإعداد للحوار الكبير، أنه لا أحد يعلم الأسس التي قام عليها هذا الحوار، ولا حتي الذين خططوا ودبروا للحوار، ودعوا إليه. فلا أحد يعلم علي أي أساس تم اختيار المتحاورين وما هي الشروط الواجب توافرها فيهم، فهل هو علي سبيل المثال حوار بين ممثلي الأحزاب والتيارات السياسية والنقابات والجمعيات الحكومية ورموز المجتمع الحضري والريفي والقري والنجوع، لا أعتقد ذلك، كما لا أعتقد أنه تم مراعاة التمثيل الجغرافي والديموجرافي للمصريين في أنحاء البلاد فعلي سبيل المثال لم نجد من يمثل الفلاحين ويتحدث باسمهم رغم كم المشاكل الرهيبة في الأقاليم ناهيك عن استبعاد أهل النوبة والبدو وأبناء سيناء وغيرهم من المهمشين من أبناء الوطن وأعتقد أن هناك نشطاء عديدين افنوا عمرهم من أجل مواطنيهم ويحفظون مطالبهم عن ظهر قلب، ولم يتجاهلهم أمن الدولة يوما ما فكانوا ضيوفا دائمين في معتقلاته الرهيبة، ولكن للأسف تجاهلهم الحوار الوطني، الذي لم نجد بين صفوفه المناضل كمال أبوعيطة النقابي المعروف، ولا مسعد أبوالفجر مدون سيناء الشهير وهذا علي سبيل المثال وليس الحصر لأن هناك عشرات المناضلين الذين قد لا تسعفني المساحة والذاكرة باسمائهم. وهنا يطرح السؤال نفسه: هل هو مجرد حوار بين شلة من الشخصيات العامة تأتنس ببعضها، أنا شخصيا أعتقد أنه مجرد معسكر تنسيقي لمجموعة من الشخصيات التي ترتاح لبعضها البعض، والتي لدي أغلبها هدف مشترك، وهو التمهيد لإحلال شلة محل أخري والاستعداد للانقضاض علي ميراث شلة »الوطني« التي رحلت إلي غير رجعة مع تغيير الوجوه فقط دون الجوهر، فالحوار في حد ذاته يناقض نفسه، فهو شكل من أشكال هدر الوقت والجهد والمال العام وتشتيت الناس وإلهائهم.. وبالتالي فإن شيئا لم يتغير.. وهل كانت مؤتمرات الوطني تفعل غير ذلك، ودعونا نسأل من ينفق علي المؤتمر والقاعات والوجبات التي وعد بها الدكتور يحيي الجمل المحظوظين من أهل الحوار.. طبعا كله علي حساب صاحب المحل وصاحب المحل هو بيت المال.. يعني فلوسي وفلوسك وفلوس كل مطحون.. والكتاب ظهر من عنوانه في الجلسة الأولي من الحوار التي أذاعها التليفزيون المصري علي مدي 3 ساعات متواصلة، ولم تأت بجديد أو حتي يتم خلالها الإجابة عن الأسئلة المطروحة بشكل يحترم العقل، ومن بينها سؤال الدكتور عصام العريان الذي تساءل عن أسس اختيار المتحاورين ولم يحظ طبعا بالجواب. وأضيف من عندي سؤالا هل يشكو وزراء حكومة الدكتور شرف من »الفراغ« حتي يضيعوا الوقت الثمين في جلسة »تضبيط الحوار« وهل يعانون من قلة المشاغل والمسئوليات ليجلسوا بدون أي داع 3 ساعات صامتين وهل سيتكرر ذلك خلال جلسات الحوار الوطني أم سيتفرغون- بإذن الله- لحل مشاكل الوطن والمواطنين. ومرة أخري أشيد بشباب الثورة، لأن الوطن بالنسبة لهم قضية حياة أو موت أما بالنسبة لمحترفي الحوارات فإنه مجرد سبوبة رئيسية ينبثق منها مجموعة من السبابيب الفرعية التي يجب تسليط الضوء عليها في إطار المؤتمر القومي للكلام والتلميع والورنيش.