تعرف الثورة Revolution بأنها عملية سياسية تحدث تحولاً جذرياً في النظام السياسي والاجتماعي القديم وتستبدله بنظام سياسي واجتماعي جديد، وبهذا التعريف المستخلص والمتفق عليه من التجارب الثورية العديدة علي امتداد القرن الماضي ربما نحتاج إلي التدقيق في هذا التعريف مرة اخري في ضوء مخرجات الثورتين المصرية والتونسية. ومن ناحية اخري لم تعكس الثورة في أي من البلدين أي تغيير في المشهد الخاص بالمؤسسات المصرية أو التونسية واللتين لعبتا الدور الاكبر في انهيار هذه النظم وفسادها فلقد احتفظت تلك المؤسسات بركام الانظمة القديمة في تناقض غير مسبوق من حيث بقاء قيادات هذه المؤسسات في مواقعها وتبنيها مواقف داعمة للثورة في تحول مخجل ومخز وبدا الامر وكأنه نوع من حرية الرأي والتعبير علينا جميعا احترامه فقبل ذلك دأبت هذه العناصر علي دعم الديكتاتوريات والفساد المصاحب لها في البلدين والآن تدين وتشجب ما كان يحدث في عهد النظام القديم ويمكن في هذا السياق فهم طبيعة ما يحدث من فوضي تشريعية وتنظيمية وادارية وارتباك علي ساحة الوطن في تحديد الاولويات والاحتياجات وبالتخصيص علي الحالة المصرية تدفعنا هذه الميوعة الموقفية لموالاة النظام القديم إلي التساؤل حول شعار الثورة الرئيسي »الشعب يريد اسقاط النظام« الذي حكم مصر طوال ثلاثين عاماً بما يعنيه ذلك من قمع للحريات وحرق للاحزاب وتجميد النقابات المهنية والعمالية وتقييد حركة الجمعيات الاهلية وتوريث البلاد والعباد والنهب والسرقة والفساد والفوضي الادارية والتفريط في المسئولية الاقليمية لبلدان تمثل حجما احد احياء القاهرة عبر آليات وشبكات من الفساد والفاسدين في كافة اجهزة الدولة والذين ظلوا يشكلون مفصلاً هاماً لدعم الفساد والاستبداد طوال المرحلة السابقة بعقليات متكلسة وغير مبدعة ومنتفعة ومحكومة بسقف التبعية للسلطة السياسية القديمة ومن هنا يمكن اجمالا حصر نوعين من اللاعبين المناوئين لتيار الثورة المصرية، النوع اللاعب الاول وهو يمارس دوره في الخفاء كدعامة رئيسية للثورة المضادة عبد تحريك الغوغاء والبلطجية واحداث الفتنة الطائفية والتخريب والترويع وهؤلاء لا يستحقون الحديث عنهم اما اللاعب الثاني وهم الاخطر حقيقة اولئك اصحاب هذا التحول المخزي الذي اشرنا إليه سلفاً فلا يستطيع عاقل أن يتصور علي سبيل المثال ما حدث في وسائل الاعلام المصرية بمعظم قنواته وصحفه بين يومي 25 يناير و11 فبراير من تحول مائة وثمانين درجة في المواقف واللغة والخطاب الاعلامي الموجه فهو بكل المقاييس تحول كارثي بما يمثله من انهيار شامل في منظومة اخلاقية حكمت تلك المؤسسة طوال 30 عاما في تأكيد واضح علي أن الاعلام المصري ليست لديه منهجية عمل أو نسق قيمي او اخلاقي إلي جانب غياب مؤكد للمعرفة والوطنية والمبدئية ومواثيق الشرف والدفاع عن ابسط المبادئ الانسانية وانه قابل للتحول والتحول والتحول من جديد وحتي الآن دون مبادئ مهنية أو اخلاقية تحكمه لاسيما استمراره بنفس الادوات والاشخاص والقيادات والبرامج والاحاديث والكتابات والمقالات التي كانت تمجد في شخص الرئيس الراحل وتتهم الثورة بالقلة المندسة والخونة فعلينا ان نتخيل كلا الموقفين المؤيد والمناهض للثورة من نفس القائمين علي الاعلام وفي زمن لا يتجاوز اسبوعين والكارثة ان هذا التحول وبهذا الشكل سيؤثر وبلا شك علي اداء الاعلام المصري بكافة وسائله في حال استمراره بنفس العقلية والقيادة ولن يشهد هذا الاعلام مناخا جديدا ومبدعا وطاقات خلاقة وشرفاء الا بالتخلص من جميع القيادات المتنفذة فيه ومن ثم فحل هذا التناقض بين منطق الثورة في الاطاحة بالنظام القديم بكافة اركانه وبين استمرار مداحي رأس النظام السابق تكمن في ضرورة فهم خصوصية الثورة المصرية علي نحو منحرف قليلا عن المسار التقليدي للثورات الاخري في التاريخ وذلك لعدد من الاسباب ابرزها ان شباب الثورة المصرية دمجوا رأس النظام في جسده وتبنوا شعار اسقاط النظام مجسدين معني الشعار ومغزاه في رئيس الجمهورية السابق اكتفوا بشعار الرحيل لرأس النظام مفترضين انهيار جسد النظام مع رأسه وهذا كان افتراضا خاطئاً حيث اكدت الحقائق والشواهد ان جسد النظام في العقد الاخير تغول علي رأسه وتمكن من شل هذا الرأس وتجاوزه إلي مدي غير محدود في حكم البلاد والعباد والامساك بزمام الامور تماماً ثانياً: سلمية الثورة والتي لم تؤسس لمواجهة خصوم لها في اجهزة الدولة علي اسس من الثأر والانتقام مما ساعد علي بقاء اركان النظام الراحل في مواقعهم دون خشية الانتقام الشعبي او العدالة الشعبية، ثالثاً: التحول السريع والميوعة الموقفية لموالاة النظام القديم واصطفافهم إلي جانب الثورة عندما تيقنوا من نجاحها بما تضمنه ذلك من رموز للنظام السابق نفسه ويتضح هذا جليا قبل التعديل الوزاري الاخير. وعود علي بدء فكل الثورات التي حدثت في التاريخ اعقبتها تلك الفوضي والتخبط وبخسائر اضعاف اضعاف ما حدث في مصر وتونس لكن سيظل ان ما صاحب ثورتي مصر وتونس وفي ضوء الملابسات الخاصة والاحداث المتواترة المحيطة وغياب الطليعة الثورية المؤدلجة لم تتخلصا تماما من بقايا عناصر النظام السياسي والاجتماعي القديم برغم تحول المواقف والاشادة بالثورة وهذا تحديدا ما نطلق عليه: ليس كل ما يلمع ذهباً. *ناشط حقوقي