يضطرب الوضع الراهن في الكويت وتتوالى الأحداث المطالبة بإصلاحات سياسية، وهو أمر اعتادت عليه الكويت والكويتيون بل واعتدنا عليه نحن كذلك في بقية دول الخليج العربي لا "الفارسي طبعاً" كما يزعم الإيرانيون، حيث اعتدنا متابعة هذا التفاعل الحكومي والبرلماني والشعبي في الكويت الذي نراه نحن الخليجيين خطوة متقدمة على كل دول الخليج الأخرى التي لا توجد فيها برلمانات ولا تجمّعات ديمقراطية كمجلس الأمة كما عند الكويتيين ليتابعوا فيها حركة النهضة أو الفساد في بلادهم أولاً بأول، ليشجّعوا على الأولى "أي النهضة" وليقضوا على الثانية "أي الفساد" وما أدراك ما الفساد في الدول العربية بشكل عام والخليجية بلا استثناء. وكم كنّا نود أن تتكرر التجربة الكويتية بل وأن تنجح في كل خطواتها السابقة والقادمة بإذن الله تعالى والطامحة إلى تعديل الكثير من الأخطاء أو العيوب أو الممارسات الخاطئة لكل من يسيء إلى الوطن من خلال إساءته لدين البلاد "الإسلام" أو إساءته لتطبيق شريعة الله من حدود وقصاص وأمر بالمعروف ونهي عن المنكر ونحوه أو الإساءة لرموز ومقدسات هذا الدين من أنبياء ورسل وأمهات مؤمنين وصحابة وتابعين وغيرهم من علماء ودعاة أو الإفساد في البلاد والعباد في مختلف النواحي وشتى المجالات. غير أن الأوضاع الأخيرة في الكويت قد أشعرتنا بالقلق نحن المراقبين والمتابعين عن بعد "في المكان" وعن قرب "في القلوب والمشاعر" خاصة ونحن نطالع الأخبار ونستحضر صورة الثورات العربية مؤخراً وما حدث فيها من أحداث دموية نتجت بسبب تمسّك الحكام الطغاة بكراسيهم ومقاومتهم لأي مطالب شعبية تدعو إلى العدالة والحرية والإصلاح، فكانت النتيجة أن أريقت الدماء وأزهقت الأرواح واغتصبت النساء وهُتكت الأعراض لا بسبب قيام الناس بالمطالبة بحقوقهم "كما يزعم أنصار الظلمة من الذين يستشهدون بالآيات والأحاديث من أجل ترسيخ حكم الطغاة" وإنما بسبب طغيان أولئك الحكّام في البلاد وإكثارهم فيها بالفساد، الوضع في الكويت مختلف تماماً هذه المرّة عنه في دول الثورات العربية السابقة كما في تونس ومصر وليبيا واليمن وفي الشام التي لا يزال يدنّسها أعداء الله ورسوله من أتباع بشار الأسد والإيرانيين القتلة والمجرمين وأوليائهم من حزب الشيطان "اللبناني الإيراني" أو من جيش المهدي "العراقي الإيراني" وغيرهم. الوضع في الكويت والحمد لله يختلف كثيراً، فمعدل الحرية مرتفع جداً عن غيره من الدول المحيطة وكذلك العدالة الاجتماعية والمستوى الاقتصادي للناس بشكل عام، ولا نزعم بذلك أن الحرية مثالية هناك ولا العدالة كذلك بل الوضع في النهاية يؤول إلى ما تؤول إليه جميع الدول الخليجية في نظام الحكم المرتبط بالأسرة الحاكمة وهو كذلك يتناغم مع بقية دول الخليج التي تسري فيها المحسوبية والمصالح الشخصية لبعض الناس على المصلحة العامة لعموم الناس أو مصلحة الوطن، كما تجري فيها الطبقية بين المقرّبين من الحاكم أو الرئيس أو الأمير من أبنائه وأسرته وأفراد قبيلته وبين عموم الشعب الذي قد يتقاسم الحصة الأخرى من الثروات مما تبقى من حاصل طرح نصيب الحاكم والمقربين منه وحاصل طرح نصيب مشاريع التنمية التي تسير بخطى "سلحفائية" أو "حلزونية" أو متخبطة والتي لا تتوافق مع ما يحتويه جوف أرض الخليج من ثروات طبيعية كالبترول والغاز، فما تبقى من طرح ذلك الحاصل قد يصل جزء منه أو بعضه أو "رذاذ منه" أو "بُخار" إلى باقي شعوب المنطقة، فكل تلك المظاهر والعلامات تتشارك فيها دول الخليج بنسبة متفاوتة ولا تُنكرها واحدة منها مهما ادّعت أو أظهرت من الشفافية والصراحة إلا إذا أثبتت لشعوبها أنها عكس ذلك بالقول والعمل. أعود لأقول بأن الذي أقلقنا في الوضع الكويتي هو مقاربته لتلك الصورة المؤلمة والموجعة التي شاهدناها في دول الثورات من اعتقال للمعارضين أو دهس وضرب للمتجمهرين من الناس أو المطالبين بالإصلاح، فبعض تلك المظاهر قد ظهر في أحداث الكويت ولكننا نتمنى ألا يتطور الأمر إلى أسوأ من ذلك، بل وندعو الله تعالى ألا تسال قطرة دم مسلم واحد في الكويت أو في غيرها من دول العالم العربي والإسلامي، فالمشكلة أكرر ليست في تلك المطالب أو المظاهرات أو المطالبات بالإصلاحات أو بالحريات أو العدالة وإنما في طريقة التعامل معها من أولئك الذين حكموا تلك البلاد وحملوا أمانة العدل فيها والحكم بما أنزله الله ونطق به رسوله صلى الله عليه وسلم. وليس من نافلة القول أن نذكّر إخوتنا وأشقاءنا في الكويت ونذكّر أنفسنا جميعاً بالخطر الإيراني الذي نشكك كثيراً في نواياه وخبث مخططاته ومؤامراته وتحركاته في الخليج العربي، فليس بمستبعدٍ أبداً أن تسعى إيران إلى فرقة الصف الخليجي بين الدول الخليجية مجتمعة أو في الدول الخليجية منفردة، وليس بمستبعدٍ أبداً أن تحرّض بين الشعب الكويتي نفسه وغيره من شعوب الخليج حتى تقوم الفتنة بين الحكّام والعلماء والدعاة أو البدو والحضر أو بين قوات الأمن والإسلاميين أو الإسلاميين والليبراليين أو بين الأغنياء والفقراء، من أجل أن يصلوا لمبتغاهم فيتفرّق الناس لقتال بعضهم البعض حتى يتمكنوا شيئاً فشيئاً من الاستيلاء على الجزيرة العربية بأكملها كما صرّحوا بذلك في كثير من المناسبات، ومن المؤسف أن ننخدع بتلك الفتن التي قد تزرعها إيران أو أمريكا أو إسرائيل "لا فرق أبداً بينهم في المخططات" ومن المؤسف جداً أن ينخدع الحكّام بذلك فيظلموا شعوبهم أو يسلّطوا قوات الأمن على أبناء وطنهم أو على الدعاة والعلماء والمصلحين بالاعتقال أو السجن، فهؤلاء هم أبناء مخلصون لأوطانهم يريدون الخير والصلاح لها، لا كما يفعل المفسدون فيها من أهل الفن والفجور ممن يعينون أعداء الأمة على تخديرها كي لا تصحو من غفلتها لكي يتمكن الخونة من الوصول لغاياتهم وأهدافهم الخبيثة. نسأل الله تعالى أن يديم نعمة الأمن والإيمان في قلوب أهل الخليج وفوق أراضيهم حتى ينعموا بالعدل والحرية والرخاء وأن يقيموا شرع الله كما أمر الله ورسوله، وأن يخذل أعداء الأمة والإسلام وأن يوحّد كلمتهم على الهدى والتقى وأن يوحّد صفوفهم في مواجهة كل من يريد سوءاً بالإسلام والمسلمين، وأن يسخّر شعوب الخليج لخدمة هذا الدين ونصرة هذا الدين مع غيرهم من أبناء المسلمين، والله خير الحافظين.