ذكرنى فيلم المخرج الأمريكي الشهير وودي ألن «إلى روما مع الحب» بفيلم وكتاب «أكل وصلاة وحب» فكلاهما يقدم روما التى لاتعرف القوانين والتى تعيش فيها باحاسيسك بعيدا عن كل ما هو معتاد، مدينة تجعلك لاتصبغ ذاتك بمساحيق إرضاء الناس والعزف على أوتار مايريده البعض فتبدو حياتك سيمفونية نشاز بعيدة عنك تماما. وفى أحدث أعمال ألن ينقلك برؤيته الخاصة لترى مدينة أوروبية جديدة بعد لندن وباريس مع فريق الفيلم المكون من ألن نفسه وأليك بالدوين وبنيلوبي كروز وروبرت بنينيي وجودي ديفيس وإيلين بيج وغيرهم، وعندما تشرع فى مشاهدة الفيلم عليك تحضير نفسك لمتابعة لوحة بها عمق ابداعات هنرى ماتيس وجنون وانطلاق ريشة بيكاسو. أما عند الكتابة فافعل كما فعل السيناريست العبقرى محسن زايد عندما كتب سيناريو حديث الصباح والمساء عن رواية نجيب محفوظ وضع خريطة للشخصيات المتشابكة وحاول ايجاد خط رابط بين أربع قصصة متوازية، الرابط الاساسى فيها هو نظرة كل شخص للحب والحياة وكل واحد فيهم مستمتع بتلك الحياة. فإحدى القصص عن مدير دار الأوبرا جيري (وودي ألين) القادم الى روما مع زوجته (اجودي ديفيس) للتعرف على خطيب ابنتهما (أليسون بيل) وهو مايكل أنجيلو (الممثل فلافيو بارينتي) والأب لايراه مناسبا فهو يسارى وهو يرغب فى زواج ابنته من رأس مالى ولكن موقف الأب يتغير عندما يسمع صوت والد خطيب ابنته (مغني الأوبرا فابيو أرميلياتو) ولكونه لا يستطيع الغناء إلا فى الحمام ويقدمه فى أحد الأوبرات المشهورة داخل حمام متحرك على المسرح. أما القصة الثانية فمن خلال الممثل جيسي أيزنبيرج ويؤدى دور مهندس معماري مقيم في روما مع صديقته (جريتا جيرويج) التي تحضر صديقتها (إيلين بيج) التي تزور روما، للإقامة معهما، والطريف أن تفاصيل الشخصية للصديقة تجعل اى امرأة تفكر الف مرة قبل إحضارها، ويؤدي هذا لنشوء علاقة حميمة بين جاك ومونيكا.الجميل أن هناك شخصية افتراضية قدمها المخرج لمعمارى مشهور يقابل جاك وكان يسكن فى نفس المكان الذى يعيش فيه الشاب فى شبابه ويكون بمثابة المعلق النفسى على تصرفات الثلاثة وتحسه كصوت خيالي في رأس جاك، محذرا إياه من أن هذه المرأة الصديقة التى يرى أنها شخصية غير حقيقية تمثل فى كل أحاديثها ومدعية ثقافة تحفظ من كل شاعر بيت شعر. وهى دائما فى حالة تلميع لتصرفاتها ووضعها فى إطار الفتاة المنطلقة المبهرة كوسيلة لحصولها على ما تريد. ويقوم الممثلان أليساندرو تابيريان وأليساندرا ماستروناردي بدوري عريسين يزورا روما, وتتوه العروس فتقابل نجمها السينمائي المفضل (انطونيو ألبانيسي)، ويقابل العريس (بينيلوبي كروز). عاهرة شهوانية تدعى آنا وهنا نرى منظور كل واحد فيهما تجاه الجنس الآخر وحالة الانجذاب الجسدى وخاصة أن كليهما من الطبقة المتوسطة الملتزمة فى ايطاليا. أما الاقصوصة الأخيرة للممثل روبرتو بينيني مؤديا شخصية ليوبولدو الذي يصبح مشهورا بين ليلة وضحاها فيلاحقه المصورون في كل مكان، ولا ينعم بالراحة أو الاطمئنان، يتابعه الصحفيون والاعلاميون يسألونه فى كل شىء تافه فى حياته ثم يفقد تلك الشهرة فجأة ويصبح شخصا مغمورا ورغم أنه عانى من اختراق حريته إلا أنه يصاب بحالة نفسية تجعله يصرخ فى الجميع أنا الشخصية التى كنتم تتابعونها. ومن أجمل المشاهد الفلسفية فى الفيلم عندما يقول سائق ليويولدو له، إن الجميع عليهم أن يتحملوا نفس المآسى في هذا العالم، مشاهير أو غير مشاهير على قدم المساواة، لذا من الأفضل بالطبع أن تكون فى المنطقة الوسط ومن هذا يمكن استنتاج المغزى العميق ما بين عشق الخصوصية والرغبة فى الشهرة وتلك الشخصية من خلالها يطرح المخرج رؤيته الفلسفية معتمدا على المواقف الكوميدية والحوار الساخر مع أداء تمثيلى مميز لعدد من الممثلين القادرين.. وشارك في فيلم «إلى روما مع حبي» عدد كبير من مشاهير نجوم السينما. لقدرة وودي ألين على إقناع أي ممثل للظهور معه. ومابين مشهد البداية والنهاية والكلام عن روما وحكايتها التى لاتنتهى مع موسيقى رائعة، مجددا ومضيفا بعضا من الحميمية الطاغية على المدينة الأبدية التى يعشقها ألين وقدمها من قبل في «العبها ثانية يا سام» (1972) و«كل شيء ترغب دائما بمعرفته عن الجنس» (1972)، وفيلمه «ذكريات ساحرة» (1980) والتي يزورها في كل صيف تقريبا لعزف الكلارينيت.