يري الاقتصادي »جريشام« أن العملة الرديئة تطرد العملة الجيدة من التداول في الأسواق. ويبدو أن هذا المبدأ قد امتد من الفكر الاقتصادي إلي الفكر السياسي والاجتماعي معاً. ويوم أن نمكن الأفكار الخبيثة من أن تطرد الأفكار الطيبة وأن يسقط حق الشعب في أخذ الوقت الكافي له لرسم خارطة طريق مستقبله ومستقبل الأجيال القادمة، يومها يسقط مبادئ الحق والعدالة الحرية وتكافؤ الفرص في جميع المجالات. إنهم يريدون أن يخمدوا أنفاس العقول المفكرة وأنفاس حتي الذين يدافعون عنهم. هم أهل الكهف، أصوات هؤلاء الذين أخذهم النوم بعيداً عن التطور الذي حدث في ثورة 25 يناير، حتي إذا ما استيقظوا لم يستوعبوا الحاضر الجديد، فنزعوا بآمالهم إلي الماضي يستحضرونه! يستحيل ما يريدون، غاية ما يقدرون عليه أن يغيبوا عن الوعي مرة أخري، وأن يقطعوا أنفسهم عن التطور وأن يعودوا إلي كهوفهم. وذلك لأن الخارجين من الكهوف يحاولون أن ينقلوا إلينا أسلوب ما قبل الثورة، أسلوب التشكيك والتشاؤم، إنهم لا يقدرون علي غير ذلك فراحوا يسترجعون أمجاد »البعكوكة« ظناً منهم أنهم بذلك ينكرون الثورة ويسترجعون الماضي. أسلوبهم هذا، أسلوب العاجز عن أن يقدم حلاً لشيء. فراحوا ينالون من كل شيء وراحوا يثبتون الذات بنبذ الآخرين، ويسقطون عليهم بعض ذاتهم. فهم فشلوا في الماضي، ويحقدون علي الحاضر، ومن داخلهم يلعنون المستقبل. قالوا »نعم«، نعم هذه قالوها لكل حاكم من قبل، ولكن - نعمهم - تلك خبيثة مثل أفكارهم وغير نافعة، ذلك أنها لا تعني أنهم مع الثورة. إن »لا« هي الوجه الآخر ل »نعم« فما كان لنعم معني من غير »لا«، نعم كما يجب و»لا« كما يجب. أما »نعم« لكل شيء بما في ذلك ما لا يجب، فهي خيانة لما يجب وضعف لا يقيم الديمقراطية. وأما »لا« لكل شيء بما في ذلك ما لا يجب، فهي خيانة لما يجب وعناد يهدد بالديكتاتورية. فليس (بلا) وحدها ولا (بنعم) وحدها تقوم الديمقراطية! فلتكن النظرة موضوعية، ولتكن »نعم« لما يجب و»لا« لما يجب، فإن الشعوب الحرة العظيمة هي وحدها القادرة علي قول نعم ولا في الأوقات المناسبة. إن ديمقراطية نعم، ديمقراطية أمية، وهي في الحقيقة ديكتاتورية، فكل »نعم« يجب أن تكون ذات مغزي موضوعي وكل »لا« يجب أن تكون ذات منطق مفهوم ومقنع. أما (نعم) التي تصدر عن شخص لا يملك القدرة علي قول (لا)، لا تنصر المحكومين ولا تنفع الحاكمين. *كلية الاقتصاد والعلوم السياسية - جامعة القاهرة