لقد أحدثت هذه الثورة المباركة تغييرات جذرية في البناء الاجتماعي المصري بل وامتدت إلي بقية الجسد العربي فهبت ثورات احتجاجية واصلاحية متزامنة ومتماثلة في كثير من ربوع الأمة العربية، ومن ثم كان ينبغي التوقف أمام هذا المد الثوري للتأمل في آياته واستخلاص العبرات والعظات من هذا المد الثوري المتلاحق والمتدفق يوما بعد يوم، ولقد كانت الآيات وفق النسق التصاعدي من بدايته حتي الآن وفقاً لما رأيته كالآتي: أولا: ظهور الفساد وانتشاره بين طبقات المجتمع المصري من بداية الجهاز التنفيذي »الحكومي« للدولة حتي صار شعار »الشفافية والدرج المفتوح« هو العملة السائدة في جميع نواحي المجتمع المصري ومن دلالته غرق العبارة السلام 98 وما عليها ما يزيد علي الألف غريق، وهو تجسيد »حي« وبث مباشر لأنواع الفساد المالي والإداري والأخلاقي، فإذا أدركت ذلك فهمت معني قول المولي عز وجل »ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون« »سورة الروم 41«. ثانيا: الفساد الأخلاقي الذي ظهر وانتشر في بعض وسائل الاعلام المرئي وكذا استخدام التقنيات الحديثة »النت والهواتف المحمولة« في نشر الرذيلة، حتي صار رؤيته أمرًا مألوفا لدي العامة، فانحدر الحياء والاستحياء وهما من شيم الأخلاق، فإذا أدركت ذلك، فهمت قول المصطفي »صلي الله عليه وسلم« »ويل للعرب من شر قد اقترب«، فقالت أم المؤمنين زينب بنت جحش يا رسول الله أيهلك وفينا الصالحون، قال نعم إذا كثر الخبث« وفعلا كثر الخبيث في كل شيء ولاحظ ان النبي »صلي الله عليه وسلم« حذر العرب من كثرة الخبث »الفساد«، وها هي الثورات المتلاحقة في بلاد العرب بدءًا من تونس حتي سوريا في الوقت الراهن. ثالثا: في بدايات الثورة المباركة من الشباب المبارك والرافض للفساد بجميع أشكاله وآليات، كانت مطالبه الاصلاح والتغيير فقط، فكان الاستعلاء من قبل الحاكم وعدم الاستجابة لتلك المطالب القليلة والمشروعة فكان فظاً غليظ القلب، فإذا أدركت ذلك فهمت معني قوله تعالي (ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك) »سورة آل عمران 159«، فكان الفض من حوله، وتركوه في غيابات ظلمه وعناده وفساده حتي لقي سوء خاتمة حُكمه. رابعا: ومن علامات الاستعلاء والتكبر أيضا في اليومين السابقين علي بدايات الثورة، في الخطاب الذي ألقاه في عيد الشرطة 23 يناير، والمتابع آنذاك لخطابه يشعر بأنه قد امتلك الأرض ومن عليها وظن أنه قادر عليها علي الرغم من علمه المسبق من تقارير الرأي العام التداعيات المتوقعة، الا انه مارس عناده واستعلاءه علي شعبه، فإذا أدركت ذلك فهمت معني قوله تعالي (حتي إذا أخذت الأرض زخرفها وأزينت وظن أهلها أنهم قادرون عليها، آتاها أمرنا ليلاً أو نهارًا فجعلناها حصيدًا كأن لم تغن بالأمس كذلك نفصل الآيات لقوم يتفكرون) »سورة يونس 24«. خامسا: من آيات هذه الثورة المباركة التعاون والتوحد في الهدف المنشود وهو التغيير بإسقاط هذا النظام وتوابعه، والاصرار غير المسبوق وبلا قائد مباشر لهذه الثورة اللهم الا الاجماع علي هدف واحد وما أجمله من هدف غايته التعاون وثمرته البر بمحاربة الفساد، فإذا أدركت ذلك فهمت معني قوله تعالي (وتعاونوا علي البر والتقوي ولا تعاونوا علي الإثم والعدوان) »سورة المائدة 2«. سادسا: ومن ثمرة هذه الثورة المباركة هو الحضور غير المسبوق والمشهود للجان الاستفتاء للإدلاء بالرأي في حرية ونزاهة أصابت العالم كله بالدهشة، وهو ما يعكس اصرار كل فرد له صوت انتخابي علي التغيير بطرد السلبية من سلوكه واكتساب الايجابية. فإذا أدركت ذلك فهمت معني قول ولكن سرعان ما تزول إذا أدركت وفهمت معني قوله تعالي (ذلك بأن الله لم يكُ مغيرًا نعمة أنعمها علي قوم حتي يغيروا ما بأنفسهم وأن الله سميع عليم) »سورة الأنفال 53«. وللحديث بقية