لم يكن جمال احمد عبد العال المترجم الحاصل على ليسانس التربية والترجمة من جامعة عين شمس، يتصور أنه فى يوم من الأيام يمكن أن يحل ضيفاً دائماً على مقرات جهاز أمن الدولة، لمجرد أنه ملتح ويصلي بالمسجد وزوجته ترتدى النقاب! فجمال الأربعينى، والأب لأربعة من الأطفال اكبرهم فى الصف السادس الابتدائى، كان يعمل فى بداية حياته العملية كمدرس للغة الانجليزية ولكن لحلوله ضيفا مستمرا على جهاز أمن الدولة تم فصله من وظيفته كمدرس، واضطر للعمل بالترجمة لكى يستطيع إعالة أسرته. وقد لا تختلف قصة جمال كثيرا عن غيره ممن تعرضوا لأذى هذا الجهاز اللعين بسبب تدينه الظاهر ولكنها الاصعب لصدور حكم استثنائى ضده يقضى بعقوبته بالسجن لمدة 25 عاماً بتهمة لم يتم اعتقاله من الأساس بسببها! وتعود " قصص " اعتقال المترجم إلى العام 2003 ، حيث تم اعتقاله بلا تهمة وتم إخلاء سبيله وسرعان ماتم اعتقاله مرة اخرى فى العام نفسه لمدة عامين فصل على إثرها من العمل كمدرس فعمل بالترجمة حتى أفرج عنه عام 2005 . يحكى جمال أنه تعرض طيلة عامى اعتقاله للتعذيب صعقا بالكهرباء والحرمان من النوم لأسابيع، أو النوم وقوفاً، بالإضافة إلى الضرب والإهانة، مما دفعه بعد الخروج من المعتقل أن يقررالإبتعاد تماماً عن أى مظهر للتدين حتى لا يتم القبض عليه مرة أخرى، إلا أنه فوجئ وهو فى مقر عمله بنبأ اقتحام المباحث لبيته والقاء القبض على ما يقرب من 8 من عائلته من بينهم أبيه، وامه، واخوه، واخته، وحماته، وابنها، كوسيلة للضغط عليه ليقوم بتسليم نفسه بنفسه، فقرر عدم العودة إلى البيت والهرب إلى الإسكندرية، فهو لم يعد يقو ي على التعذيب وبلا تهمة. هنا يتوقف الشاب عن الحكى وتمتلئ عيناه بالدموع مؤكدا ان هروبه كان خطأً، زاد الشكوك حوله بسبب وقوع تفجيرات الازهر 2005 وقتها، وعندما تم القبض عليه تم توجيه الاتهام اليه، بعد أن نالت زوجته المحتجزة فى مقر مدينة نصر لمدة 6 أشهر صنوف التعذيب والصعق بالكهرباء الذى اسفر عن اصابتها بمرض القلب، وهى لم تتعد العقد الثالث من عمرها، وحتى الأطفال تم احتجازهم معها طيلة هذه الأشهر فى حجرة تحت الارض، وحرموا من الخروج، وتسليمهم للجدة بناء على طلب أمهم رحمة بحالهم. يحكى جمال أنه بعد القبض عليه، تعرض لتعذيب بشع لا يختلف بل يزيد عن ذلك التعذيب الذى ذكرناه سالفا حيث اصيب بخلع فى الكتف والفك بالاضافة للصعق بالكهرباء والضرب المبرح . وعندما تكشفت لهم براءة جمال من أحداث تفجيرات الأزهر وتم القبض على الجناة الحقيقيين، أصاب الكبر والعناد ضباط أمن الدولة فأجبروا جمال على الإعتراف على نفسه بأنه من الجماعات الإسلامية لكى يوقفوا التعذيب عنه، فاضطر الى الاعتراف برغبته فى تحقيق شريعة الله فى الارض، يقول جمال:" أنا كنت بقرأ لرفعت السعيد عن افكار الجماعات الاسلامية فقررت أنى أعترف على نفسي بأنى متبنى هذه الأفكار لكى يرفعوا عنى التعذيب، وفعلا توقفوا عن تعذيبي ولكن غموا عينيه، وقالوا لى هنوديك دلوقت مكان ومطلوب منك تقول هناك الكلام ده، وتم اقتيادى فى سيارة حوالى الساعة 2 بعد منتصف الليل، ووضعونى فى دواسة السيارة ، وكنت أسمع قبلها أصوات استغاثة احد المعتقلين اثناء تعذيبه هو وأخوه الصغيروعمره 8 حيث كانايصرخان ويستغيثان من الصعق بالكهرباء ويسترحمهم الاخ الكبير البالغ من العمر 23 عاما بأن يرحموا أخاه الصغير، ونحن فى السيارة أبلغنى الحرس بأن هذا الشاب الذى كان يصرخ مات لكى يخوفوننى من أن ألقي المصير نفسه، وبعد وصول السيارة إلى مكان الإعتراف ، تم فك الرباط المعصوب على عيني، ووجدت نفسي أمام ضابط قام بالتحقيق معى ، وطبعا لا أعرف اسمه الحقيقي لأن ضباط أمن الدولة يستخدمون أسماء حركية، واثناء التحقيق جاء تليفون لهذا الرجل ليخبرنى بعده بأشياء لا يعلمها سوى الضابط الذى كان قد قام بتعذيبي، هنا تيقنت انها تمثيلية وأننى إن لم أعترف على نفسي سيكون مصيرى هو الموت بسبب التعذيب مرة أخرى. يذكر احمد ان اوقات التعذيب داخل مباحث امن الدولة كانت بمواعيد معينة، لذلك قرر الاطالة فى الاعتراف بما لا يفعله حتى يبعد عن اوقات التعذيب ولكنه لم يعلم انه امام وكيل نيابة امن الدولة فلم يعرف ذلك غير بعد الخروج من هذا المبنى الى السيارة التى كانت تنتظره واخبره الحرس بأنه وكيل النيابة ويدعى سامح ابو زيد، وماذا يفيد ان يقول الحقيقة فالقصة كلها تمثيلية للفتك به وان كان الامر كذلك فمن الحكمة ان يساعد فى تخفيف وطأة هذا الفتك به، وبدلا من الموت، فإن الاعتراف بتهم لا يعرفها ولا يعلم عنها شيئا قد يكون أخف وطأة، فيسجن لعدة سنوات يخرج بعدها لأطفاله وأسرته بدلاً من الموت، لكن جمال فوجئ بأن عقوبته هى السجن المؤبد، حيث تم توجيه تهمة تعطيل احكام الدستور إليه، فى مسرحية هزلية ابطالها مباحث امن الدولة، مما دفع محاميه للإنسحاب من الدفاع عنه احتجاجا على تلك المؤامرة القذرة التى أدت الى سجن شاب بدون محاكمة حقيقية، ودفاع حقيقى عنه لمدة 25 سنة فى حكم استثنائى لا يمكن استئنافه. وهكذا يدفع هذا الشاب ثمن مؤامرة كبرى على شعب بأسره، قتل منه وسجن وعذب ولفقت أمثال هذه التهم للمئات مثله، فهل ينظر الحاكم العسكرى الى مأساة هذا الشاب ويعاد النظر فى قضيته مرة اخرى؟، هذا ما نأمله ويأمله كل شرفاء هذا الوطن. شاهد الفيديو