عبر سياسيون من اليمين واليسار في إسرائيل، عن معارضة واسعة لخطة انفصال جديدة أحادية الجانب عن الضفة الغربية، اقترحها وزير الدفاع أيهود باراك تخلي بموجبها إسرائيل المستوطنات الواقعة خارج الكتل الاستيطانية مقابل ضم هذه الكتل إلى إسرائيل، على أن يبقى المستوطنون الذين يرفضون إخلاء أنفسهم تحت حكم الدولة الفلسطينية. وطالب قياديون في حزب الليكود الحاكم رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بالتنكر لخطة باراك وتبني تقرير لجنة حكومية برئاسة قاضي المحكمة العليا إدموند ليفي بتشريع كافة المستوطنات من خلال اعتبار استيلاء المستوطنين على أراضي الفلسطينيين بأنه "نزاع على أراض ينبغي حله في المحاكم" وليس من خلال حل سياسي. ونقلت وسائل إعلام إسرائيلية عن عضو الكنيست داني دانون من الليكود قوله إن: "الانفصال الوحيد المطروح هو انفصال وزير الدفاع عن منصبه" أي إقالة باراك، وأن "هذه محاولة يائسة من جانب باراك لعبور نسبة الحسم" في الانتخابات العامة المقبلة. كذلك اعتبر وزير الإعلام الإسرائيلي يولي إدلشتاين أن باراك يطرح خطته في سياق الانتخابات وأنه " يواصل ارتكاب أخطاء جندي نفر، وبعد أن أيد كارثة أوسلو ونظم الهروب من لبنان (عندما كان رئيسا للوزراء في العام 2000) وعمل من أجل الانفصال عن غزة الذي أدخل مليون إسرائيلي إلى الملاجئ، فإنه مستعد الآن لأن يشكل خطرا على ملايين أخرى من أجل عبور نسبة الحسم". وأضاف إدلشتاين "على باراك أن يدرك أن دولة إسرائيل عامة والمستوطنين خاصة ليسوا دمى في مسرحيته الساخرة". بدوره قال رئيس كتلة "الوحدة القومية" اليمينية المتطرفة يعقوب كاتس إن نتنياهو يتفق مع باراك مثلما أيد خطة الانفصال عن غزة وصوت على تنفيذها، وأن "خطة باراك تحت رعاية نتنياهو ستؤدي بدعوتنا إلى توحيد المعسكر الديني – القومي أن تكون صرخة للسماء من أجل إقامة حزب أرض إسرائيل لينقذنا من قادة الليكود الذين أجرموا بحق أرض إسرائيل واقتلعوا اليهود من أرضهم". وعقب عضو الكنيست دافيد روتيم من حزب "إسرائيل بيتنا" على خطة باراك بالقول إن "الحكيم يتعلم من أخطاء الآخرين والغبي لا يتعلم حتى من أخطاء ارتكبها بنفسه، وخطة وزير الدفاع المهووسة تمثل بصعوبة خمسة أعضاء كنيست (من حزب "عتصماؤوت" الذي يتزعمه باراك بعد انشقاقه عن حزب العمل) ولذلك فإن علاقتها مع الواقع مثل علاقة حزبه مع الواقع" في إشارة إلى التوقعات بأن "عتصماؤوت" لن يتجاوز نسبة الحسم في الانتخابات المقبلة. كذلك هاجمت باراك عضو الكنيست زهافا غلئون من حزب ميرتس إن باراك يطرح خطته "انطلاقا من اعتبارات سياسية مستهترة وليس من اعتبارات إستراتيجية ومصالح دولة إسرائيل". وأضافت "بدلا من دفع مبادرة أحادية الجانب ينبغي القول 'نعم' للدولة الفلسطينية ومحاولة إعادة تحريك العملية السياسية والانسحاب من المناطق الفلسطينية في إطار مفاوضات". ورأت غلئون أنه "إذا تمت الموافقة على اقتراح باراك فإنها ستحبط أي محفز من أجل التوصل إلى سلام وستعزز قوة جهات متطرفة مثل حماس، و يجدر بباراك أن يفهم أنه لدينا شريكا للسلام ولكن ليس لدينا شريكا لخطوات أحادية الجانب". وقال رئيس كتلة حزب العمل في الكنيست يتسحاق هرتسوغ إن "باراك يعيد تدوير أفكار فعل كل شيء في العقد الأخير من أجل منعها، وقد عارض في حينه خطة الانفصال وخطة الانطواء (التي طرحها رئيس الوزراء السابق ايهود أولمرت) والآن هو 'يكتشفها'". وأضاف هرتسوغ أن "باراك تجاهل مبادرة السلام العربية ورفض أي مبادرة تشكل رافعة سياسية في الموضوع، وخلال فترة ولايته كوزير للدفاع في حكومة نتنياهو تقاعس شهورا في الموضوع الفلسطيني ولم يعمل بالشكل اللائق من أجل إحضار الجانبين إلى المفاوضات، بل على العكس هو سمح لنتنياهو في إدخال العملية السياسية مع الفلسطينيين في حالة جمود عميق". ورأى هرتسوغ أنه "الآن، وفيما رائحة الانتخابات تفوح في الجو، يستيقظ باراك ويعود إلى ديباجات قديمة ليغرر بالناخبين الذين ينبغي أن يتذكروا إخفاقاته في الموضوع الفلسطيني ومواضيع أخرى". وكان باراك دعا حكومة إسرائيل إلى دراسة خطة انفصال أحادية الجانب عن الضفة الغربية يتم من خلالها إخلاء عشرات المستوطنات "المعزولة" الواقعة خارج الكتل الاستيطانية ،على أن يبقى المستوطنون الذين لا يرغبون بمغادرة هذه المستوطنات تحت حكم فلسطيني. وقال باراك في مقابلة أجرتها معه صحيفة "إسرائيل اليوم" ونشرت مقاطع منها اليوم الاثنين على أن تنشرها كاملة عشية "يوم الغفران" غدا، إنه بموجب خطة الانفصال الجديد فإن الكتل الاستيطانية "غوش عتسيون" و"معاليه أدوميم" و"أريئيل" والتي يسكن فيها 90% من المستوطنين ستبقى تحت السيطرة الإسرائيلية. وأضاف أن الخطة تقضي باحتفاظ إسرائيل بالسيطرة على مناطق في الضفة الغربية تطل على وسط إسرائيل ومناطق هامة للجيش الإسرائيلي، وضمان وجود عسكري إسرائيلي على طول غور الأردن. وقال باراك إنه في بقية المناطق ستقام الدولة الفلسطينية بعد إخلاء عشرات المستوطنات الصغيرة. ويقترح باراك في خطته منح تعويضات للمستوطنين الذين سيتم إخلاءهم، من خلال تعويض مالي للأفراد والعائلات أو إخلاء مستوطنة أو مجموعة مستوطنين من مستوطنة إلى مستوطنة أخرى في الكتل الاستيطانية أو داخل إسرائيل. ويطرح باراك إمكانية ثالثة للمستوطنين الذين سيرفضون الخروج من المستوطنات التي يقترح إخلاؤها وتتمثل بالبقاء تحت حكم السلطة الفلسطينية "لفترة تجريبية" مدتها خمس سنوات. وتأتي خطة باراك لانسحاب أحادي الجانب من أجزاء في الضفة الغربية على ضوء جمود المفاوضات بين إسرائيل والفلسطينيين منذ بداية ولاية حكومة نتنياهو في أبريل العام 2009. واعتبر باراك أنه "من الأفضل التوصل إلى اتفاق مع الفلسطينيين لكن إذا لم ينجح هذا فإنه ينبغي تنفيذ خطوات عملية من أجل البدء في الانفصال، وحان الوقت للنظر إلى المجتمع الإسرائيلي بأعين مفتوحة والقول إنه نجحنا في إبقاء ما بين 80 – 90 % من المستوطنين، الذين وصلوا إلى هناك بمبادرة وتشجيع الحكومة، في الأراضي الإسرائيلية (أي التي ستضمها إسرائيل إليها)، وهذا هو الانجاز الكبير إذا نجحنا في إحضارهم إلى داخل الحدود الدائمة لإسرائيل" بعد تعديلها بحيث تشمل مناطق من الضفة. وأضاف باراك أن خطة الانفصال هذه ستساعد إسرائيل "ليس أمام الفلسطينيين فقط وإنما أمام دول المنطقة والأوروبيين والإدارة الأميركية". وتابع أن تنفيذ خطة كهذه هو "قرار ليس سهلا لكن يوم الغفران هو وقت جيد للنظر إلى الحقائق والقول إننا لم نعد دولة فتية، وإنما نحن دولة عمرها 64 عاما، ونحن لا نتواجد في يهودا والسامرة (أي الضفة الغربية) منذ سنة أو اثنتين وإنما منذ 45 عاما وقد حان الوقت لكي نتخذ قرارا لا ينبع من الأيديولوجيا والمشاعر فقط وإنما من خلال قراءة الواقع بأعصاب باردة". ودعا باراك إلى إجراء حوار مع المستوطنين حول خطة الانفصال هذه. وقال إنه ثابر على موقفه هذا منذ 12 عاما وأنه لا يطرح خطته الآن على أثر احتمال تقديم موعد الانتخابات العامة في إسرائيل. ويذكر أن باراك، خلال ولايته في رئاسة الوزراء، أجرى مفاوضات مع الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات في كامب ديفيد في العام 2000 وانتهت هذه المفاوضات بالفشل واندلعت بعدها الانتفاضة الفلسطينية الثانية.