الدكتور أحمد زويل قال:" إن ما يحدث في مصر يدعو إلى الحزن الشديد، ويجب ألا يستغل الإعلام والسياسيون تلك الأمور العصيبة من خلال المهاترات". وأضاف عبر تويتر: "أن الحكمة و القوة أهم من العواطف والشعارات في وقت الصعاب لأي أمة". أما الدكتور محمد البرادعي فقال عبر تويتر أيضا : "غياب السيطرة الأمنية لأسباب عديدة في سيناء كان معروفا للجميع وما حدث للأسف لا يجب أن يكون مفاجأة". انتقيت هذين الموقفين لأنهما يعكسان العقلانية والمسؤولية عند الحديث في الأوقات العصيبة ، مقابل سيل من الهراء والخزعبلات والشذوذ في التحليلات وإطلاق الآراء من ساسة ومثقفين وأجهزة إعلام وإعلاميين لا يقلون خطرا على مصر ممن خطط ونفذ جريمة رفح. الإعلام ليلة الجريمة كان مشغولا بمسلسلات وبرامج رمضان ومن اهتم منه بمتابعة الحادث فإنه عزف على وتر التجهيل والتضليل المعتاد مفتقدا الحكمة والمسؤولية في بحث موضوعي مجرد لحقيقة ما حصل، وحقيقة ما يجري عموما في سيناء، وغياب الأمن فيها الذي هو ليس وليد اليوم إنما يعود لسنوات. التليفزيون الرسمي الذي سارع بتحديد المتهمين، والوجهة التي قدموا منها، نسب معلوماته لمصادر أمنية، فأين كانت تلك المصادر قبل وقوع الجريمة، ولماذا لم تعمل على إحباطها، بل لماذا لم تأخذ أجهزة الأمن على محمل الجد تحذيرات إسرائيل قبل يومين من العملية لمواطنيها من الذهاب لسيناء ، بل الكارثة أن يعترف مدير المخابرات العامة بأنه كانت لديه المعلومات لكنه لم يتوقع أن يقتل المسلم أخاه المسلم ساعة الإفطار في رمضان. هل يعقل أن يكون هذا تبريرًا مقنعًا، وهل يعقل أن يكون هذا نمط تفكير جهاز أمني حساس معني بشكل أساسي بملف سيناء؟. أضف إلى ذلك أن مسؤولين أمنيين آخرين خرجوا يقللون من شأن التحذيرات نكاية في إسرائيل ، ويقولون إن الوضع في سيناء آمن، ولذلك سخرت الصحف الإسرائيلية من هؤلاء المسؤولين، وكشفت أن تل أبيب حذرت مصر بالفعل من عمل إرهابي وشيك. لكن إذا كانت إسرائيل لديها معلومات موثقة عن العمل الإرهابي فلنا أن نسأل: من أين جاءت بمعلوماتها، أليس ذلك يثير الشكوك فيها، وفي دور ما لها في هكذا عمليات سواء بشكل مباشر أم غير مباشر، فإن لم تكن هي الفاعل الأصلي فقد تكون اخترقت جماعات متطرفة وتقوم بتوجيهها وتهيئة الظروف لها لارتكاب مثل هذه الأعمال، واللافت أنه قبل أي عملية في سيناء منذ بدأ الإرهاب يضربها في 2005 وفي السنوات التالية فإن إسرائيل تسبق كل حادثة بتحذير رعاياها من السفر إليها. كذلك ألم يكن لافتا سرعة تعامل الجيش الإسرائيلي مع المنفذين بمجرد اجتيازهم الحدود ودخولهم أراضيها حيث كان طيرانها بالمرصاد للمدرعة التي سرقوها من نقطة الحراسة المصرية وهم بداخلها، هل هي جاهزية مدهشة، أم هو علم مسبق بالعملية فكانوا على استعداد لها؟. المؤسف أن هناك تيارا مصريا - يضم من يطلق عليهم خبراء أمنيين - يبدون لي كأنهم يتبعون إسرائيل تفكيرا وتحليلا، فقد تبنوا ما قالته بشأن الجريمة، وساروا وراءها، بل زادوا عليها اتهامهم ل"حماس" صراحة بالتورط في الجريمة. وتقديري أن "حماس" لا علاقة لها بالجريمة، فلا يمكن أن تكون على هذا الغباء النادر حيث هي المتضرر الأول من وقوعها، ولا يمكن أن تصيب نفسها وشعب غزة المحاصر معها بالأذى، فالتوجه الجديد لمصر في عهد الرئيس مرسي بالانفتاح عليها وإزالة إرث العهد السابق في التعامل الأمني القاسي معها فيه مصلحة لها ولغزة، بينما إسرائيل هي المتضررة من هذا التقارب، وهي المستفيدة من حدوث هذا العمل الجبان، فكيف يتهم هؤلاء "حماس" حتى لو ثبت أن بعض المنفذين متطرفون من غزة، بينما يغضون الطرف عن إسرائيل وكأنها حمل وديع؟!. الغضب المصري مشروع، لكن ينتج عنه قرارات غير صائبة، منها إغلاق معبر رفح إلى أجل غير مسمى، إذ ما ذنب الغزيين، ولماذا يتم عقابهم؟، والمغزى في ذلك أنه اتهام ضمني لغزة عن الحادث. وإذا كان المنفذون أتوا من القطاع كما قالت إسرائيل ، فإنهم لم يأتوا من معبر رفح، لكن بالتسلل عبر الحدود أو الأنفاق، ولا يمكن لأي سلطة مهما كانت قدراتها أن تضبط حدودها، وإسرائيل ومصر عاجزتان عن ضبط الحدود بدليل استمرار تسلل الأفارقة من سيناء إليها، وأمريكا نفسها غير قادرة على ضبط حدودها مع المكسيك لمواجهة تهريب المخدرات والهجرة غير الشرعية، وبالتالي فإن غزة يمكن أن يكون فيها متطرفون قتلة، ويمكن أن يتسللوا بأي طريقة لارتكاب جرائم بالمشاركة مع مصريين يعتنقون نفس الأفكار إذا ثبت أنهم من فعلوها، لكن الشكوك في الموساد تظل كبيرة في العملية ولا يجب صرف النظر عنه في إطار تحقيق جاد حتى يتأكد العكس. في الإعلام المصري حالة استعداء ضد غزة إلى درجة شيطنة القطاع ومن فيه، ومن يروج لذلك ذلك هم أبناء مخلصون لمبارك مازالوا يتبنون سياساته الكارهة ل "حماس"، وهذا أمر مستهجن، وهو خدمة مجانية لإسرائيل. غياب الأمن في سيناء أمر معروف كما قال البرادعي وهو مسؤولية مصرية والإرهاب يضرب سيناء ويستوطن فيها ، وقد وقعت عمليات خطيرة في ظل النظام السابق صاحب القبضة الأمنية القوية وعندما كانت غزة تحت حكم السلطة و" فتح " بقيادة عرفات ثم عباس، ولم تكن حماس في الحكم آنذاك، ولم يثبت أن "حماس" تورطت في أي عمل يضر بأمن مصر. لا تواصلوا ظلم "حماس" وغزة، ولا تنهجوا نهج إسرائيل في التضليل، فأهل غزة ليسوا الأعداء، إنما الأعداء في تل أبيب.