أخرجوا لنا جمعية تأسيسية بفعل التعديلات الدستورية المعيبة والسيئة التي طبخوها لحساب من أرادوا وضع الثورة في جيوبهم.. تمكن الشعب أن يسقطها بحكم القضاء.. فأعادوا إخراج جمعية أخري تريد أن تخرج دستوراً علي مقاس عقول وتفكير من يظنون أنهم يمكن أن يضعوا مصر وشعبها في جيوبهم.. والجمعية الجديدة تلاحقها القضايا ويتنفس أعضاؤها الصعداء لمد أجل القضية إلي 24/9 في موضوع رد المحكمة.. وقد أكد صلاح عبدالمعبود المقرر المساعد للجنة الأجهزة الرقابية «أن الموعد أعطانا فرصة لإلتقاط الأنفاس» وقال خالد الأزهري المقرر المساعد للجنة الاتصالات المجتمعية والذي أصبح وزيرا «إن الموعد أعطانا مهلة أكبر من التي توقعناها وكنا نعمل علي أساسها لإنهاء الدستور.. إلا أن الموعد منحنا 20 يوما زيادة».. ما هذا هل نحن بصدد طبخه أو موايمة ونخلصها «موايمة لفظة دارجة لدي سوق عمل الفواعليه وتعني يومية».. نحن في الحقيقة بصدد إصدار دستور جديد لمصر التي ثارت وأسقطت نظاماً استبداديا عتيداً.. نحن بصدد إصدر الدستور لمصر لأول مرة بطريقة شعبية انتخابية هكذا كان طموح وأمل كل من هب في 25 يناير حتي 11/2 عندما ذهب وتنحي رأس النظام السابق.. ولكن قوي الشمولية والتسلط كانت لها رغبات أخري فكان ما كان من جعل الانتخابات أولاً لندخل تلك المتاهة التي يجري الجميع خلفها في سراديب القضاء وألاعيب محامي تيار الإسلام السياسي لإفراغ المعركة القضائية لتصحيح مسار صناعة الدستور من معناها الحقيقي.. فيردون المحكمة وتتأجل القضية ويكسبون وقتا ليفعلوا ما يشاؤون وهكذا دواليك.. فالإخوان في وضوح ومعهم حلفاؤهم من الجماعت الإسلامية والنور يريدون ان يمرروا دستوراً يعبر عن رؤاهم وأحلامهم في تملك مفاصل وروح الوطن ولذا يريدون اختطاف اللجنة وعندما فوجئوا بحكم القضاء في الجمعية الأولي سارعوا في الثانية للتلاعب علي القضاء.. وبالطبع أبناء تيار الدين السياسي أساتذة في الكر والفر هم ومن يساندونهم من زاعمي الوسطية لتمير ما يشاء الإخوان.. لعبة الكر والفر تهدف دائما إلي لانفراد والاستفراد والتخلص من الآخر والاستحواذ وهي تعبير جيد عن فكر من يستخدمه ليس في المعارك الحربية ولكن في القضايا الكبري لمستقبل الأوطان.. والإخوان ومن لف لفهم يريدون اليوم أن يحتبسوا الوطن في قبضتهم حتي يلفظ أنفاسه ليحققوا حلمهم في تملكه لحسابهم...!! (2) تشكيلة الجمعية التأسيسية غريبة جداً.. في الجمعية الأولي تمكن تيار الدين السياسي من الاستحواذ علي 82٪ من مقاعد الجمعية.. أما في الثانية فقد كانوا أكثر تواضعاً فتمكنوا من حيازة 62٪ وتوافقوا أن 57٪ من الأصوات كافية للموافقة علي المواد المختلف عليها.. ووجدوا بسهولة من يوافقهم علي ذلك فكثيرون أعينهم ليست علي الدستور ولكن علي المستقبل وما أدراك ما المستقبل. في الجمعية الثانية تم وضع هيكل تنظيمي لها من مكتب ووكلاء وأمين عام وأمناء مساعدين ولجان نوعية لكل منها مقر ومساعدون ولجان فنية ومستشارون وشئون فنية وخلافة.. عجز الخبراء والمراقبون عن تفسير وجود خمسة وكلاء للجمعية فضلاً عن المساعدين للأمين العام.. ولا تنسي أورطة مقرري اللجان ومساعديهم ومن المعلوم أن الهياكل المتسعة الكثيفة العدد هي صناعة شمولية بامتياز حتي يمكن استيعاب أكبر عدد ممكن لتوسيع دوائر الولاء.. وعندنا مثال قريب للمرحوم أنور السادات عندما أنشأ أو اخترا ما يسمي بمجلس الشوري حتي يمكن استيعاب المناصرين الذين لم يجدوا مكاناً لهم في مجلس الشعب وبالطبع سوف يتحول هذا الاختراع الكوميدي إلي كارثة فوق حياتنا لانها وجدت من الشموليين من يريد استغلالها لصالحه ولتسكين أنصاره..!! المهم في جمعيتنا الثانية المطعون قضائيا عليها تم توزيع حوالي 50 عضواً من أعضائها المائة علي مواقع مختلفة في الهيكل التنظيمي المخترع للجمعية وللمعلومية الجمعية التأسيسية لدستور 23 كان بها رئيس ونائب رئيس ومقرر فقط لا غير..!! والمتابع لتشكيلة الجمعية لا يصاب بالدهشة لتلك التقسيمات وتوزيع المناصب فذلك متفق ومتسق مع طبيعة الأغلبية الشمولية المسيطرة علي الجمعية.. وتتميز الجمعية التأسيسية الثانية بأنها تضم في تشكيلتها معظم التخصصات التي يحتاجها المجتمع ولكن لجنة كتابة الدستور قد تحتاج إلي خبرات من نوع آخر وليس لهذه النوعية من الخبرات..!! ففيها مدير المطعم.. ونائب مدير إدارة المعامل ولم يحدد في تعريفة المنشور بالموقع الإلكتروني أي معامل.. وفيها طبيب الأطفال وكذا طبيبة الجلدية وكثر من الأطباء والزراعيين الحاصلين علي شهادة عالية في الشريعة والمعاملات الدينية وعضوية رابطة العلماء المسلمين وعدداً كبيراً من رؤساء الجمعيات الخيرية. بهذه التركيبة المعبرة عن أغلبية سياسية برلمانية لم يكن في مخيلة كل هؤلاء الذين تدفقوا في ثورة يناير أنه يمكن أن يسقط الدستور وكتابته وصناعته ثمرة في يد فئة واحدة من ألوان طيف المجتمع المصري ولعل هذه الرغبة العارمة في سرعة كتابة الدستور في سباق مع الزمن لأحكام القضاء ولفرض الأمر الواقع يعرض لنا صورة لا تليق في احترام تلك الأغلبية لفكرة سيادة القانون فكيف يكون التعبير الناتج عنهم في كتابة القانون الأساس للبلاد.. فضلاً عن النزوع الواضح للتسلط والانفراد والاستئثار بكافة أماكن الهيكل التنظيمي من الأمين العام لثلثي مساعديه لنصف الوكلاء و80٪ من رؤساء اللجان النوعية ومساعديهم يلقي بظلال رمادية علي قدرة تلك الجمعية في صياغة دستور متوازن يعبر عن توافق وطموحات مجتمعية مندمجة. (3) عقدت لجنة الثلاثين التي وضعت دستور 23 جلساتها فيما بين 11/4/1922 و26/10/1922 فاستمر عملها بذلك ستة أشهر متوالية وكانت جلساتها تحمل صراعاً بين تيارين الأول تيار ديمقراطي بدرجات متفاوتة والآخر أوتوقراطي يضم أنصار الملل.. وانتقلت سجالاتها حول القضايا الشائكة للصحف فدرات أيضا حوارات واسعة حول المواد الدستورية المختلفة وكانت بالطبع قضية تمثيل الأقليات أبرز القضايا التي دار حولها الجدل وتابعت مصر كلها مساجلات محمود عزمي وعزيز مرهم حسين وسلامة موسي في صحف مصر، وادي النيل، النظام، الوطن، الاستقلال والأهرام والأخبار واللواء بمعني أن المواضيع المختلفة كانت مثارة علي المستوي الشعبي والنخبوي والجماهير تتابع والاجتماعات الجماهيرية تعقد في الدور المختلفة والاشتباك السياسي بدور البرقيات ترسل للجنة الثلاثين ليصنع هذا المناخ ويشكل لحمة وصياغة دستور 23.. ولعله من المؤسف أن يصاغ ويكتب دستور مصر الثائرة بليل ولا تثار النقاشات حول مواده فالمادة الإعلامية المعلومة قليلة وغير واضحة ولجنة الاتصال المجتمعي التي يرأسها البلتاجي تزعم أنها تلتقي بأطياف المجتمع في المحافظات وبالدخول للموقع الإلكتروني للجنة التأسيسية تجد أن عدد الزوار قد وصل إلي حوالي 42 ألفا ونحن في وطن يقطنه تسعون مليوناً.. إن المشاركة الشعبية والثورية لن تكون ذات طائل إن لم يصاحبها تثقيف وحديث واسع عن الدستور ومواده والحقوق والواجبات والسلطات العامة وعلاقاتها المشتبكة وتوازن السلطات والعقد القائم بين الحاكم والمحكوم.. إلخ كل هذا كان يحتاج جهدا حققيا عبر الإعلام والفضائيات والصحف وعبر الأحزاب والجمعيات وتواصل جماهيريا ومجتمعيا ومن المؤلم حقا انه لم يحدث حوارا مجتمع واحد حول أي من المواضيع المهمة منذ ثورة يناير.. لم يحدث حواراً مجتمعيا حول قانون الانتخابات، المحليات، تقسيم الدوائر، مستقبل التنظيمات النقابية وقوانين تشكيلها وانتخابها.. لان هناك رغبة شمولية في اقتناص ما هو موجود علي وضعه السييء لصالح القوي الأكثر دعماً مالياً وتنظيمياً طبقا لمسار المرحلة الانتقالية الذي دار في الغرفة المظلمة بعيداً عن الناس التي صنعت الثورة..!! اللجنة التأسيسية بكل إمكانياتها لم تستطع أن توفر الرؤي المختلفة للدستور والتي صيغت علي مدي العشرين عاماً الماضية كمادة في الأرشيف الخاص باللجنة والمنشور بالموقع الإلكتروني ولم تشر لوثيقة الدكتور محمد عصفور بالغة الأهمية.. وعندما وفرت قرابة أربعة دساتير أجنبية لم تكلف نفسها عناء ترجمتها للغة العربية.. هذا القصور المتعمد في توفير المادة الدستورية وفي إثارة الحوار المجتمعي وإهّماله وعدم الاكتراث بضعف المشاركة الشعبية في صياغة وبناء مشروع الدستور لاسيما وأن المسيطر علي الذهن إنهاء الطبخة في شهر قبل حلول ميعاد المحكمة وهذا الشهر هو شهر رمضان الكريم.. أليست هذه مفارقة شديدة العتامة والظلام أن يسلق دستور مصر الثورة بتلك الطريقة..!!