السؤال الحائر كما المصالحة: هل من تغير في موقف مصر من المصالحة بعد الثورة؟ وهل معنى ذلك أن الموقف المصري قبل الثورة لم يكن داعماً للمصالحة؟ وهل موقف السياسة المصرية سيتعامل مع غزة بازدواجية بين القوى السياسية الفلسطينية؟ هذه الأسئلة وغيرها هي التي تثار الآن وتطرح على أجندة الأولويات الفلسطينية، وخصوصاً أولويات “فتح” و”حماس” . وابتداء من ملاحظة أن هناك تغيراً مصرياً في كيفية التعامل مع القوى السياسية الفاعلة، وأن أهم مظاهر هذا التحول أن مصر تتعامل مع القوى الفلسطينية بنفس الموقف، وتقف على نفس المسافة، كما أكد ذلك الرئيس المصري الدكتور محمد مرسي . ولكن السؤالين المهمين والمباشرين هما: هل مصر تخلت عن المصالحة؟ أو بعبارة أخرى هل المصالحة لم تعد أولوية مصرية؟ وهل التحول في التعامل مع القوى الفلسطينية، والانفتاح بل الاعتراف المباشر بحركة حماس والتعامل معها كقوة سياسية واقعية وقائمة في غزة، سينعكس على المصالحة بما يعزز موقف حركة حماس، إلى درجة قد تدفع في اتجاه تشددها في عدم الذهاب إلى المصالحة؟ هناك أمور عدة تحكم الموقف المصري الجديد: أولاً العامل الإسلامي وفوز الإخوان بالسلطة والحكم، وهذا عامل مهم في تفسير التغير في السياسة المصرية، ويقابله وجود حركة حماس في الحكم في غزة، وهي امتداد لهذه الحركة، وثانياً خصوصية العلاقة مع مصر، فالحكم الجديد يدرك هذه الخصوصية بعمق، ولذلك لا بد أن تترجم في سياسات جديدة تتمثل في رفع الحصار والتعامل المباشر مع القوة السياسية الحاكمة في غزة، والتي تستمد أساس حكمها من فوزها في الانتخابات الفلسطينية . وثالثاً إدراك الحكم الجديد في مصر حتمية إبراز الدور المصري بعيداً عن أي تأثير أمريكي و”إسرائيلي”، وهذا يتطلب مواقف سياسية جديدة تتعامل مع غزة من أكثر من منظور ومنها المنظور الإنساني الذي لا يبرر على الإطلاق استمرار الحصار . ورابعاً، وهذا هو الأهم، نجاح حركة حماس في تثبيت وجودها السياسي والأمني في غزة، وهو ما يستوجب إعادة النظر في التعامل معها من منظور أمني، فأحد ثوابت السياسة المصرية الحفاظ على أمن سيناء، وأمن الحدود الشرقية، ومن مصلحة مصر أن تكون غزة كما سيناء، آمنة مستقرة، وهنا تبرز حتمية التنسيق الأمني والاستخباراتي مع أجهزة حركة حماس . ومن الثوابت السياسية التي تحكم الموقف المصري الجديد الحفاظ على معاهدة كامب ديفيد الحاكمة والضابطة للعلاقات المصرية “الإسرائيلية”، فليس من أولويات مصر الحرب، وهذا يستوجب مزيداً من التنسيق مع حركة حماس . ومن الثوابت المصرية بلا شك التعامل مع القضية الفلسطينية كوحدة واحدة من خلال سلطة واحدة، وهذا يعني أن المصالحة الفلسطينية أيضاً مصلحة مصرية، مع الأخذ في الاعتبار كل المحددات التي أشرنا إليها، وهو ما قد يعني البحث عن صيغة جديدة للمصالحة . هذا الموقف المصري الجديد يتمثل في مقابلة الرئيس الفلسطيني أولاً اعترافاً به كسلطة شرعية، ثم لقاؤه ولأول مرة وفداً من “حماس” برئاسة رئيس مكتبها السياسي خالد مشعل، ولقاء رئيس الحكومة في غزة وهو اعتراف أيضاً بشرعية هذه الحكومة، وهذا يتم لأول مرة . هذه بعض ملامح التغير في الموقف المصري من إدارة الشأن الفلسطيني، وهو موقف مغاير تماماً للموقف السابق الذي تعامل مع الرئاسة الفلسطينية فقط، وترك التعامل مع حركة حماس من خلال جهاز المخابرات وحده . ومن هنا فسر الموقف المصري السابق بأنه أسهم في استمرار الحصار على غزة، وهو ما لن تقبل به مصر الثورة . هذا الموقف المصري الجديد تحكمه أيضاً الرغبة في استعادة دور مصر المركزي والقومي في المنطقة، وهذا الدور لن يتم إلا من خلال مواقف وسياسة مصرية تتعامل مع القضية الفلسطينية من منظور وطني قومي، وهو ما يتطلب إنهاء حالة الانقسام وتحقيق المصالحة من خلال الاعتراف بالحقائق والمدركات السياسية الجديدة . هذا الموقف تسهم فيه حاجة كل من السلطة الفلسطينية إلى الموقف المصري، وحاجة حركة حماس أيضاً إلى هذا الدور، وخصوصاً بعد التطورات السياسية في سوريا التي ستؤول في النهاية إلى سقوط النظام السوري، وبالتالي باتت مصر تشكل عمقاً استراتيجياً وسياسياً لحركة حماس التي من أبرز تحولاتها العودة إلى العمق العربي من خلال مصر . هذا الموقف الجديد لا بد أن ينعكس ويترجم في خطوات كثيرة منها رفع الحصار عن قطاع غزة، وتقديم تسهيلات كثيرة في الدخول والخروج سواء عبر معبر رفح أو مطار القاهرة، وسيترجم في التنسيق الاقتصادي لأنه ليس من مصلحة مصر الأمنية استمرار ظاهرة الأنفاق والتعامل من تحت الأرض، وللتخلص من هذه الظاهرة لا بد من تنسيق وتنظيم وتقنين التعامل مع غزة، وهذه مصلحة مشتركة ومتبادلة للطرفين . بهذه القراءة الخاصة أعتقد أنه لا بد من أن تولي مصر ملف المصالحة أهمية وأولوية وهو إنجاز مهم لمصر الثورة لاستعادة دورها في هذه القضية المركزية، وعدم ترك هذا الملف لأية قوى أخرى عربية أو إقليمية، وإذا كان لها من دور يكون عبر الدور المصري . وأخيراً لا أعتقد أن مصر الثورة ستسهم بأي حل يدفع في اتجاه تعميق حالة الانقسام السياسي الفلسطيني من خلال ما يتم ترديده من إعلان غزة منطقة محررة، أو غير ذلك، لكن فشل المصالحة أو إطالتها لا يعني أن مصر الثورة ستتخلى عن غزة، ولا تقوم بدورها في رفع الحصار، وهذا هو التغير في الموقف المصري من خلال التمسك بثوابت السياسة المصرية في الحفاظ على القضية الفلسطينية قضية وحدة وليس انقساماً . نقلا عن صحيفة الخليج الاماراتية