كما قال جمال عبدالناصر تعقيباً عن الهجوم الجوي الاسرائيلي يوم 5 يونيو من أننا توقعنا الهجوم من الشرق.. ولكنه جاء من الغرب.. كنا نتوقع أن يأتي رئيس حكومة ذو خبرة في القضايا التي تعاني منها مصر.. فإذا بهم يأتون برئيس حكومة كل خبرته سنوات قليلة في الري وأغلبها.. بعيداً عن مصر!! وهنا نسأل: هل يكفي أن يكون رئيس الوزراء الجديد خبيراً في الري والنيل هذا ان كان خبيراً في ذلك.. أم دخلنا سريعاً وعدنا إلي قضية أهل الثقة قبل أهل الكفاءة.. تلك هي قضية رئيس الحكومة الجديد: الدكتور هشام قنديل.. ** وهو أول وزير ملتح في تاريخ مصر السياسي.. ولكن مادام رئيس الجمهورية بلحية.. فلماذا لا يكون رئيس الحكومة كذلك.. ولماذا لا يكون الوزير كذلك.. وأعتقد أن مجلس الوزراء الجديد سيشهد العديد من الوزراء الملتحين!! والسؤال: هل نجح هشام قنديل وهو وزير للري حتي نأتي به رئيساً للوزراء. نقول ذلك لأن مشاكل مصر بعضها مع مياه النيل.. فهل نجح الدكتور هشام في مهمته كوزير للري الذي استمر فيها لمدة عام بالضبط حتي نأتي به رئيساً؟ ** حقيقة ليست المرة الوحيدة التي تولي فيها أحد رجال الري رئاسة حكومة مصر.. إذ تولي رئاسة الحكومة حسين سري باشا، أكثر من مرة.. ولكنه كان خبيراً في شئون النيل أباً عن جد.. وكان و كيلا لوزارة الأشغال "الري" لسنوات عديدة.. ولكن من يقرأ تاريخ حسين سري في وزارة الري يعرف مدي خبرة هذا الرجل بداية من دوره في مشروع خزان أسوان إلي غيره من القناطر ومشروعات الري الكبري.. ثم إنه كان سياسياً داهية!! بينما "الرئيس الجديد" لا تزيد خبرته في وزارة الري علي عام واحد بالضبط.. ** هو فعلاً الاختيار الصدمة.. ولكن منذ متي يهتم رئيس الدولة الجديد بما تقوله الصحف.. فقد تعودنا منه علي تجاهل كل ما نكتب.. فالدولة الرسمية لديها أذن من طين.. وأخري من عجين. وهي تفعل ما تريد.. دون أي اهتمام حتي بالأصوات الجادة.. هكذا تتعامل الرئاسة مع الشعب ومع أجهزة الاعلام بل ومع الرأي العام كله. وربما يكون سبب اختيار د. هشام قنديل رئيساً للوزراء هو أن الدولة المصرية "قررت" اهتماماً كبيراً بمشكلة المياه.. واعترافا بأهمية اقامة علاقات قوية مع دول حوض النيل العشر، غيرنا.. حتي نتجاوز مشكلة حصص مياه النيل.. أو مطالب بعض هذه الدول بعادة توزيع الحصص بما يعني احتمال تقليل حصة مصر بينما مصر تسعي لزيادة هذه الحصة حتي تلبي تزايد الطلب علي المياه.. وأيضاً يجب أن تخطط مصر لمواجهة الزحف الاسرائيلي إلي دول منابع النيل الشرقية.. والغربية، أي الهضبة الإثيوبية والمنابع الاستوائية.. ولا أحد ينكر أن اسرائيل نجحت في التوغل إلي داخل هذه الدول بما يضر بمصالح مصر المائية الحالية والمستقبلية. ** فهل يا تري يكون اختيار وزير الري ليصبح رئيساً للحكومة كلها مؤشراً لاهتمام أكبر بملف النيل ومشاكل المياه.. أقول ذلك بعيداً عن أي مظاهر شكلية مثل سن رئيس الحكومة أو لحيته.. أو خبرته أو مدي قدرته علي التعامل مع الوزراء الأكبر سناً وخبرة وحنكة سياسية.. ** ثم قضية أهل الثقة.. وحكاية حكومة من التكنوقراط.. هنا نقول إن مشاكل مصر اقتصادية. صناعية. زراعية. غذائية وقبل كل ذلك أمنية واجتماعية ونذكر الجميع هنا بشعار ثورة يناير: خبز وحرية وعدالة اجتماعية.. هل يستطيع رجل الري وحده تنفيذ ذلك؟.. ثم لقد جربت مصر رجال التكنوقراط الذين يفهمون فقط في أمور تخصصهم لا غير بينما في مصر يجب أن يكون المسئول التنفيذي الأول الذي هو رئيس الحكومة رجلاً سياسياً "عتويلاً" ذا خبرة بإدارة الناس وتحقيق مطالبهم قبل قدرته علي إدارة مصنع أو شق طريق جديد ورصفه.. أو حتي حفر ترعة أو بناء قنطرة.. مصر تحتاج رجل سياسة يفهم أيضاً في الاجتماع.. والاقتصاد وقضايا الشباب.. ولا تقولوا لنا إن رئيس الحكومة يعمل من خلال وزرائه المختصين والمتخصصين.. لأن الحنكة تقتضي أن يكون رئيس الحكومة علي دراية كاملة بكل شيء.. حتي يتعامل بفهم مع الوزراء.. كل فيما يخصه.. هذا هو مفهومي أو مطلبي فيما يجب أن يكون عليه رئيس الوزراء. رئيس الحكومة الرجل التنفيذي الأول. ** وأقسم إنني لا أكن أي عداوة للدكتور قنديل وربما التقيته مراراً وأنا أزور الدكتور محمود أبو زيد وزير الري السابق والعتيد.. ولكنني لم ألمس أي بادرة لعمل جيد للدكتور قنديل منذ تم اختياره وزيراً للري في حكومة الدكتور عصام شرف في يوليو من العام الماضي فقط.. أقول ذلك وأنا أتابع أعمال ومشروعات وزراء الري المصري من أيام المهندس أحمد عبده الشرباصي أبو الري المصري الحديث وغيره من خبراء الري مثل الشناوي بك الذي كان يعرف كل شبر من أرض النيل من منابعه إلي مصبه.. ووزراء عظام مثل د. محمد عبدالهادي راضي والمهندس عصام راضي رحمهم الله جميعاً.. ** أقول لا أكن ضغينة ضد الدكتور هشام قنديل ولكن خبر اختياره كان هو الاختيار الصدمة.. ورغم أنه أصغر رئيس وزراء في تاريخ مصر إلا أنني أتمني أن ينجح في مهمته وأن يقفز فوق المشاكل ليحقق لنا ولمصر الخير كله.. وربما يحقق لمصر ما عجز عنه كثيرون.