أكدت مجموعة من التقارير السياسية والإعلامية الصادرة فى العواصم العربية والعالمية على أهمية الجهود الإيجابية والمشاورات المكثفة التى تقوم بها سلطنة عُمان للتوصل إلى حلول سلمية سياسية من أجل إبعاد شبح الحرب عن منطقة الخليج، فى ظل احتمالات حدوث المواجهة بين أمريكاوإيران. كما تسهم السلطنة على مسارات موازية بنصيب وافر فى دعم ومساندة مساعى التوصل إلى تسويات سياسية للازمات الإقليمية والدولية الراهنة عبر الحوار والتفاوض، كبديل حضارى عن استخدام الصواريخ والقنابل. كذلك تواصل سلطنة عمان إجراء جولات من المشاورات الخليجية والدولية المكثفة للتوصل إلى حلول سلمية للازمات المتتالية التى تهدد منطقة الخليج، ويمثل ذلك استمراراً لجهود متوالية على مدار عقود متتالية. مصداقاً لكل ذلك وعلى أرض الواقع أجرت سلطنة عمان جولات ومشاورات مكوكية فى غضون الأيام القليلة الماضية مع أمريكاوإيران، منذ أن حلق فى سماء المنطقة الشبح الأسود الدموى انتظاراً لاندلاع مواجهة بينهما، وتراءت من على البعد مقدمات مقدم ملك الموت. تأكيدا على الاهتمام بإحلال السلام العالمى استعرض السلطان قابوس بن سعيد سلطان عُمان الوضع فى منطقة الخليج خلال اتصال هاتفى مع مايكل بومبيو وزير الخارجية الأمريكى. وقالت مورغان أورتاغس المتحدثة باسم الخارجية الأمريكية أن مايكل بومبيو شكر السلطان قابوس بن سعيد سلطان عُمان على الشراكة الدائمة للسلطنة مع الولاياتالمتحدة، بالإضافة إلى دورها المتواصل والمستمر فى القضايا الصعبة التى تواجهها المنطقة. وجاء فى بيان المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأمريكية أن السلطان قابوس والوزير بومبيو أكدا دعمهما الدائم لمبعوث الأممالمتحدة لدى اليمن مارتن غريفيث والأوضاع السياسية فى اليمن. كما اتفقا على أن الأطراف اليمنية يجب أن تتبع التعهدات التى أقرت فى السويد لتؤكد جديتها فى دفع عملية السلام فى اليمن. فى توقيت سابق هذا العام التقى السلطان قابوس مع وزير الخارجية الأمريكى خلال زيارته للسلطنة فى شهر يناير الماضى. فى خطوة تالية ومن جانبه توجه يوسف بن علوى بن عبدالله الوزير المسئول عن الشئون الخارجية من سلطنة عمان، إلى طهران، حيث بحث مع نظيره الإيرانى محمد جواد ظريف، العلاقات الثنائية وآخر التطورات الإقليمية. وقالت وزارة الخارجية الإيرانية فى بيان لها أن جواد ظريف، ناقش مع نظيره العمانى، يوسف بن علوى، أهم التطورات الإقليمية والدولية. بعد مباحثات طهران بأيام معدودات، استضافت مسقط منذ ساعات جولة تالية من المشاورات مع إيران، حيث توجه إليها وفد دبلوماسى رفيع المستوى برئاسة الدكتور عباس عراقجى، مساعد وزير الخارجية للشئون السياسية فى زيارة رسمية للسلطنة، حيث التقى مع يوسف بن علوى بن عبدالله الوزير المسئول عن الشئون الخارجية، وتم خلال اللقاء بحث أوجه التعاون الثنائى بين البلدين وتبادل وجهات النظر فى القضايا الإقليمية والتطورات التى تشهدها المنطقة. دلالات كل ذلك تتتابع المشاورات العمانية المخلصة، لوأد الفتن فى مهدها ومن أجل تجنب احتمال انفجار الحروب. تاريخياً تنجح الجهود العمانية دائما فى إطفاء لهيب كل احتمالات مواجهة مخاطر الحرائق والصراعات والحروب وإبعادها وتنحيتها بعيداً عن المنطقة، قياساً على مبادرات ونجاحات تاريخية عديدة للسلطنة أدت إلى استجابة العديد من الدول الكبرى لدعوة مسقط، إلى الاحتكام للحوار والتفاوض الدبلوماسى سعياً للحلول السياسية. تصريحات أمريكية وإيرانية بلغة جديدة من الواضح أن لهيب النيران سرعان ما أخذ يخبو رويداً رويداً ثم بسرعة مفاجئة وكبيرة انطفأ تماماً. أحد الأدلة على ذلك صدر من بغداد. فبعد ورغم سنوات وعهود من الصراعات الدامية والدموية هبط فى مطارها. وزير الخارجية الإيرانى محمد جواد ظريف. من العراق ووجه رسالة تهدئة. قال فيها إن طهران لديها رغبة قوية فى بناء علاقات متوازنة مع جميع دول الخليج. وأكد «ظريف»، خلال مؤتمر صحفى مع نظيره العراقى محمد على الحكيم، أن «طهران اقترحت إبرام اتفاقية عدم اعتداء مع الدول الخليجية المجاورة». وشدد وزير الخارجية الإيرانى، الذى زار بغداد لمدة 3 أيام، على أن إيران لم تنتهك الاتفاق النووى، داعياً الدول الأوروبية إلى الوفاء بالتزاماتها وعمل المزيد للحفاظ عليه. وقال إن «الحديث لا يكفى للحفاظ على الاتفاق النووى وعلى الأوروبيين اتخاذ إجراءات عملية». وبشأن التوتر مع الولاياتالمتحدة، قال ظريف، إن «التصرفات الأمريكية تناقض قرار مجلس الأمن بشأن استخدام القوة»، فى إشارة إلى إرسال الولاياتالمتحدة تعزيزات عسكرية إلى الخليج، من حاملات طائرات وقاذفات صواريخ، وجنود إضافيين. وأكد أن إيران ستتصدى لأى مساع للحرب على إيران سواء كانت اقتصادية أو عسكرية وستواجهها بقوة، كما أعلن أن بلاده بدأت العمل على اقامة خط سكك حديدة يربط بين العراق وايران. - ثم من واشنطن نفسها صدر رجع صدى إيجابى لكل هذه المشاورات والجهود المكثفة. وهو يؤكد أن الحرب قد وضعت أوزارها، وان القتال لن يندلع. المهم أن ذلك صدر فى النهاية وعلى لسان الشخصية المحورية الرئيس الأمريكى دونالد ترامب نفسه، وليس فى واحدة من تدويناته أو تغريداته الشهيرة، إنما موجهاً حديثه للعالم أجمع. كما لم يقله ضمناً أو تلميحاً، إنما أعلن صراحة أن الولاياتالمتحدة لا تسعى لتغيير النظام فى إيران، بل إلى منعها من امتلاك ترسانة نووية. وقال ترامب، خلال مؤتمر صحفى عقده مع رئيس الوزراء اليابانى شينزو آبى فى طوكيو: «لا أتطلع إلى الإضرار بإيران إطلاقاً، بل إلى دفعها للقول: لا للأسلحة النووية». ووفقاً لتحليلات التقارير السياسية الدولية، بدا ترامب فى تصريحاته على ما يبدو، وكأنه يستخدم نفس الاستراتيجية التى سبق أن استعان بها تجاه كوريا الشمالية العام الماضى، قائلاً: أعتقد أننا سنبرم صفقة. أعتقد أن لدى إيران قدرات اقتصادية هائلة، وأتطلع إلى السماح لهم بالعودة إلى مرحلة سيستطيعون فيها إظهار ذلك. بعد كل ما حدث وقيل من تهديدات بدأ ترامب يتغزل فى الإيرانيين. فقد وصفهم بأنهم «شعب عظيم»، مشيراً إلى أن إيران يمكن أن تكون دولة عظمى مع نفس القيادة، وتابع: «لا نتطلع إلى تغيير النظام، وبودى أن أوضح ذلك. نتطلع إلى غياب السلاح النووى». وفى وقت سابق، أشار ترامب أثناء اجتماعه مع آبى، إلى علاقات جيدة جداً تربط رئيس الحكومة اليابانية وبلاده عموماً بإيران، مرحباً بسعى طوكيو إلى الاضطلاع بدور الوسيط بين واشنطنوطهران. وقال ترامب: «إن رئيس الوزراء اليابانى كان قد بحث معى هذه المسألة وواثق بأن إيران تريد التفاوض. وإذا أرادوا التفاوض فإننا نريد أيضاً. سنتابع ما سيحدث، ولا يرغب أحد، وأنا بالدرجة الأولى، أن تحدث أمور مرعبة».. وهكذا لم يكن يتبقى سوى أن يغزل ترامب أشعار الغزل فى الإيرانيين.