أمر عجيب و غريب ذلك القرار المفاجئ لرئيس الجمهورية بإعادة مجلس الشعب إلى ممارسة عمله بعد أن أصدرت المحكمة الدستورية العليا حكمها ببطلانه وبأنه و العدم سواء، و بعد أن أصدر المجلس العسكرى قراره المنفذ لحكم المحكمة الدستورية، ثم ها هى المحكمة الدستورية ترد على الرئيس بإبطال قراره. أقول أمر عجيب وغريب يضيف إلى الارتباك القائم فى الحياة السياسية وقوداً جديداً يزيد الصراع حدة ، و يزيد النار اشتعالاً، وبعد أن توقعنا بعد انتخاب الرئيس الجديد استقراراً ولو مؤقتاً فى الحياة السياسية ، و كأن الرئيس مرسى استكثر علينا أن ننعم ببعض الهدوء ، و أن نتطلع إلى فصل جديد فى تطور المرحلة الانتقالية يؤمّن البناء الدستورى و يدعم مقومات الدولة. لقد جاء القرار المفاجئ اعتداء على استقلال القضاء، وعدواناً على سلطة المحكمة الدستورية العليا، وهدماً لأحد أركان الدولة، و مهما قيل عن النوايا الحسنة، وعن احترام الدستور و القانون فلن يقبل الشعب الواعى بهذه التحركات المغرضة والتى لا تعكس إلا استمرار الفصيل الحاكم فى تأكيد السيطرة و دعم استراتيجية الاستحواذ. هل المطلوب من جموع الشعب المصرى أن تعيش حائرة إزاء ما يجرى حولها من أحداث؟ وأن تبقى غائبة عن الوعى بما يخطط لها من تطورات؟ لقد وصلت الجماعة إلى الحكم ودفعت بالرئيس إلى صدارة المشهد.. فهل هى التى تحكم ؟ ولمصلحة من؟ كلام كثير يقال عن صفقة مبرمة مع المجلس العسكرى الذى يهمه تأمين وحماية أعضائه من أى ملاحقة مستقبلاً، و كلام أكثر يتداول عن ضغوط من النواب لاستعادة حصاناتهم و مكافآتهم التى راهنوا عليها فبالغوا فى الانفاق و الحصول على القروض.. فمن أين يسددونها و قد أبطلت عضويتهم و تم حل مجلسهم؟ و كيف يعوضون الملايين التى أنفقوها فى حملاتهم الانتخابية؟ وكيف يعيشون أولاً بلا حصانة وثانياً مع ضيق ذات اليد؟ لا أصدق أن هذه الدعاوى والتخمينات هى السبب وراء القرار، فالنواب السابقون بالتأكيد أكبر من أن يهددوا مستقبل السياسة و الحكم لأغراض ضئيلة و غير نبيلة. وبالتالى سأفترض أن الرئيس مرسى مخلص فى قراره ومبدع فى تفكيره لكى ينفذ حكم حل المجلس بأسلوب جديد. إذا سلمنا بذلك ألم يكن من المنطقى أن يتم التشاور مع القوى المختلفة و مع هيئات الدولة حول هذا القرار ؟ فطالما أن المصلحة العامة رائدنا جميعاً فلن يصعب التوصل إلى الرأى الذى يحمى الدولة و فى نفس الوقت يخرجنا من المأزق. أكثر ما آلمنى هو تضارب الرأى القانونى حول قرار الرئيس، فالغالبية العظمى تشجبه و تدينه، ولكن أقلية بائسة من الفقهاء والسياسيين تؤيده و تهلل له.. أقول لكم الحق.. لقد فقدت الثقة فى الآراء «الفقهية» والفتاوى «القانونية» و أكاد أفقد الثقة فى الاستشارات القانونية جميعاً، و أتناول الأمر من منظور سياسى بحت. و هل العلم القانونى يحتمل كل هذا التناقض من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار.. رحم الله أهل العلم الشرفاء و لعن الله « ترزية «القوانين» وترزية «الفتاوى الذين يضللون الحاكم ويشتتون القوى.. هل كتب علينا أن نواجه اختطاف الدولة بعد اختطاف الثورة ؟ اختطفوا الثورة، وقلنا لا بأس أعطهم فرصة فربما «يجلبون الخير لمصر» واليوم يخطفون الدولة وعلينا أن نقول لكل مصرى أن يحترس على نفسه، فالاختطاف قد يطال غداً بيته وأسرته و ماله . علينا جميعاً أن نرفع لافتة «حلق حوش». بصراحة قلقى زاد كثيراً، وضغطى ارتفع أكثر و لا عزاء للثوار خصوصاً بعد رد فعل القضاء والمحكمة وبعد تسريب الأسماء المرشحة للوزارة .. ربنا يستر! آخر سطر القوالب نامت.. والانصاص قامت!! بقلم - د. صديق عفيفى