بأمر الحكومة تحولت البنوك المحلية الى مستثمر أساسى يشترى أذون وسندات الخزانة لتمويل العجز المتنامى فى الموازنة العامة للدولة وأصبحت الحكومة المستفيد الوحيد من السيولة الموجودة بخزائن البنوك نتيجة للاقتراض المستمر منها، الذى يؤدى الى تزايد أرقام الديون المحلية وأعباء فوائدها باعتبار أن الأذون وسندات الخزانة هى أدوات الدين الحكومى فى الوقت الذى مازال القطاع الخاص والقطاعات الاقتصادية الأخرى تواجه تعقيدات مسئولى البنوك فى تمويل المشروعات منذ أزمة التعثر المصرفى التى بدأت فى عام 1997 حتى الآن ودخلت عمليات تمويل أذون الخزانة المنطقة الدافئة لاستثمارات البنوك وتركت وظيفتها الاساسية وهى تمويل المشروعات الإنتاجية لخدمة المجتمع وتحقيق نهضة الدولة. وأصبحت الحكومة في مصر لا تزاحم القطاع الخاص فقط بل نجحت في إخراجه من حلبة المنافسة في الاقتراض من البنوك وسحب السيولة المتاحة لتمويل المشروعات الإنتاجية في الوقت الذي يتطلب فيه تشجيع القطاع الخاص لزيادة مشاركته في مشروعات خطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية وزيادة معدلات النمو الاقتصادى الضعيف الأقل من 2% والذى تأثر كثيرا بعد ثورة 25 يناير فمن أين يأتي القطاع الخاص بأموال المشروعات لتنفيذ مهامه والتزاماته في ظل هذا الوضع المقلوب؟!! فقد استحوذت البنوك على نصيب الأسد من اذون الخزانة بنحو 245.7 مليار جنيه تعادل نسبة 68.8% من إجمالى الأذون التى أصدرتها الحكومة البالغة 357.1 مليار جنية فى نهاية شهر مارس 2012 وفقا لآخر تقرير للبنك المركزى المصرى بلغ نصيب البنوك العامة من الأذون 103.7 مليار جنيه ونصيب بنوك القطاع الخاص 106.4 مليار جنيه وفروع البنوك الأجنبية 23.3 مليار جنيه ونصيب بنك الاستثمار القومى 140 مليون جنيه والبنوك المتخصصة 12.1 مليار جنيه. أما قيمة السندات التى أصدرتها الحكومة بكافة اشكالها سواء الإسكان او السندات الدولارية وبالعملة المحلية أو من خلال البورصة فقد بلغت قيمتها نحو 594.6 مليار جنيه منها سندات على الخزانة بلغت 250 مليار جنيه ساهمت فيها البورصة والبنوك وسندات أخرى بالعملة المحلية لدى البنوك العامة بالداخل بنحو 4 مليارات جنيه وسندات دولارية وبالعملة المحلية مطروحة بالخارج بنحو 7.9 مليار جنيه بخلاف السندات المتنوعة للجهات الأخرى. ومن الملاحظ أن معدلات نمو أذون وسندات الخزانة تفوق معدلات نمو الودائع بالبنوك وهو مؤشر خطر حيث بلغ النمو فى الودائع 0.6% بينما بلغ النمو فى إصدارات أذون الخزانة 6.3% خلال شهر مارس الماضى لتصل قيمة الودائع بالجهاز المصرفى 996.2 مليار جنيه بزيادة نحو 6 مليارات جنيه فى حين بلغت الزيادة نحو 22 مليار جنيه فى قيمة الأذون، وهذه الأرقام باختصار تكشف احتكار الحكومة في الآونة الأخيرة للسيولة المتاحة بالبنوك وانعكاساتها السلبية علي أوضاعها والتي من المفترض أن تتاح لإقراض رجال الأعمال والقطاع الخاص الذي يقوم بتنفيذ نسبة كبيرة من مشروعات خطة التنمية الاقتصادية والاجتماعية تقترب من 70% فكيف يمكن أن يقوم هذا القطاع بالتزاماته في وضع تزاحم فيه الحكومة رغم أن الحكومة لم تتجاوز نسبتها في مشروعات خطط التنمية نحو 30% بما يؤدى لإعاقة التنمية!! كما تكشف تزايد لجوء الحكومة للاقتراض من البنوك لسد نفقاتها الجارية وليست النفقات الاستثمارية وبالتالي فإن العجز الجاري هو عجز استهلاكي ويؤدي إلي تراكم الديون المستحقة من الحكومة للبنوك ويؤثر علي مسيرة التنمية الحقيقية في الدولة لأنه لا يمثل اقتراضاً من أجل الاستثمار الذي يضيف عوائد للدولة أو يستوعب فرص عمالة من حجم البطالة المتزايدة حالياً في البلاد. وإذا كان القطاع الخاص في الآونة الأخيرة أجري عمليات تسوية لبعض ديونه المتعثرة تجاه البنوك فإن الحكومة لم تقم باجراء مماثل للحد من ديونها المتعثرة للبنوك. وتعتبر البنوك الاكتتاب في الأوراق المالية الحكومية مضمونة السداد بخلاف القروض التي يمكن أن تمنحها للقطاع الخاص وبهذا توجه نشاطها للسندات والاذون ولتذهب التنمية للجحيم وهذا سيؤدى الى زيادة الديون المحلية والتى غرقت فيها البلاد وبلغت قيمتها وفقا لآخر احصاءات المركزى 1.2 تريليون جنيه بخلاف 33 مليار دولار ديونا خارجية تعادل نحو 200 مليار جنيه ليتجاوز اجماليهما 1.4 تريليون جنيه. ويحذر الاقتصاديون والخبراء من الوضع الحالى لسلوك الحكومة وزيادة الديون حيث يؤكد الدكتور عبدالمنعم السيد الخبير الاقتصادى ان أعباء خدمة الديون، تهدد بفشل أى محاولة للسيطرة على التضخم، وبالتالى استمرار ارتفاع الأسعار دون ضابط، كما أن اللجوء للاقتراض من البنوك بأذون وسندات الخزانة يؤدى لتراكم الدين المحلى، واستمرار عجز الموازنة وسيؤدي لموجات من الاحتجاجات الاجتماعية، كما يؤثر أيضا على الإنتاج، فالمواطن حين يجد الدولة فاشلة فى تأمين احتياجاته، وميزانية بلاده تلتهمها خدمة الديون، وعجزها المتنامى يفشل فى ضبط الأسعار، والقدرة الشرائية للعملة تنهار، فمن الطبيعى أن يخرج للشوارع فى احتجاجات عاصفة، لأن الدولة لم تترك له شيئا يخسره، لأنه خسر كل شىء بالفعل. ويجب العمل على أهمية زيادة الناتج المحلى من خلال زيادة إنتاجية العمال، وترشيد الإنفاق الحكومى والبحث عن موارد جديدة لتمويل الموازنة العامة للدولة وخفض العجز فيها حتى لا تضطر مصر للاستمرار فى الاستدانة من الخارج أو الداخل أو تضطر الدولة لإعلان إفلاسها كما ان الاعتماد المستمر على البنوك من جانب الحكومة سيضع الدولة فى مأزق كما يقول الخبير المصرفى الدكتور سلامة الخولى لان زيادة الديون لها سلبياتها الخطيرة على الوضع الاقتصادى ومعيشة المواطنين حيث تضغط اعباء الديون وعجز الموازنة على الاسعار ويقلل من فرص زيادة المشروعات الانتاجية التى يمكن ان تمولها البنوك وتركن الى توظيف امن وهى بالفعل تحولت عن نشاطها الحقيقى فى السنوات الاخيرة ولابد من تصحيح المسار، وبالتالى يجب أن تخفف الحكومة من أثقالها عن كاهل البنوك حتي تستطيع الانطلاق نحو الاستثمار المحلي وتحقيق التنمية إذا كانت هناك إرادة حقيقية للتنمية وتحقيق برامج النهضة ومصر القوية بعد الثورة !!