بمجرد ظهور مؤشرات فوز الدكتور محمد مرسي برئاسة مصر، بدأ الإعلاميون والشخصيات العامة من لاعقي أحذية المجلس العسكري والمرشح السابق الفريق أحمد شفيق، يغيرون لهجتهم قليلاً، ويمسكون العصا- كما اعتادوا- من المنتصف حتى يكونوا جاهزين لأي طارئ. وبعد الإعلان رسمياً عن وصول «مرسي» إلى القصر الرئاسي ليكون أول رئيس منتخب بإرادة شعبية في تاريخ مصر، بدأ موسم التحول وتبديل الجلود والمواقف في مصر. إنه أمر متوقع في كل الأحوال. ثقافة «القطيع» وركوب كل موجة لن نتخلص منها بين يوم وليلة. قد يظن غير العارفين بطبيعة ما حدث خلال انتخابات الرئاسة المصرية أن الدكتور محمد مرسي يواجه معارضة شرسة، تتمثل في أكثر من 12 مليوناً صوتوا لمنافسه. لكن الحقيقة أن هذا العدد الضخم لا تربطهم فكرة أو مبدأ أو عقيدة أيديولوجية. هم مجرد خليط بعضهم من حسني النية قادهم المنتفعون من فساد نظام مبارك وأولهم بقايا الحزب الوطني «المنحل». وجد «الفاسدون» في «شفيق» -تلميذ مبارك- فرصتهم لبقاء السياسة التي أتاحت لهم «شفط» مقدرات مصر، ووضعها في «كروشهم». عقليات هذا ديدنها هي أول من يقفز من المركب مثل الجرذان عند الشعور بأي خطر. شعارهم «اللي يتجوز أمي أقوله يا عمي». سوابقهم معروفة. كانوا مع آل مبارك على طول الخط.. يشيدون بحكمة الأب وطيبة «الهانم» و «جمال» الوريث و «علو» أخلاق «علاء». بعد سقوطهم وصفوهم ب «الحرامية» وودعوهم بالشتائم، وزايد بعضهم وطالب بعدم دفنهم في مقابر المسلمين. وفوراً ودون تفكير راحوا يتغزلون في وطنية شباب الثورة. ثم لما بدأ «العسكر» ورجالهم في الإعلام «الثورة المضادة» انضم إليهم هذا الخليط ولعنوا الثورة والثوار. عندما أصدر القضاء قراراً بحل حزبهم الوطني الحاكم، تبخر أعضاء الحزب وعددهم 3 ملايين. اختفوا عسى أن يظنهم الناس نسياً منسياً. لم يطعن أحدهم على الحكم، بل تبرؤوا من الحزب، وقالوا: إنهم انضموا إليه مجبرين من السلطة. عندما ترشح «عمر سليمان» نائب مبارك للرئاسة، وتأكدوا أنه مدعوم من المجلس العسكري، حركهم كبراؤهم بنفس «الريموت كنترول» وجيّشوهم في ميدان العباسية. سلموهم الأعلام وصور «سليمان»، وفى آخر اليوم يجمعونها منهم لإعادة استخدامها في المظاهرة المقبلة. بعدما اضطر العسكر إلى التضحية ب «سليمان» واستبعاده حتى لا يبدو أن هناك تعمداً منهم لمنع القيادي الإخواني الكبير خيرت الشاطر من الترشح، اختفى كالعادة كل من كانوا يرفعون صور نائب «المخلوع». لم يتضامنوا معه حتى بالكلام، وكأنهم لا يعرفونه أو سمعوه به من قبل. وبسرعة الصاروخ انتقلوا بنفس ضغطة زر على «الريموت» إلى تأييد «شفيق» تنفيذاً لتعليمات أصابع كبار «الفلول»، ومنهم رجل الأعمال البارز في المجال السياحي منصور عامر. ورجل السيراميك الناعم محمد أبوالعينين. ما فعله الرجلان السياحي والسيراميكي قصة تستحق أن تروى: «عامر» استفاد من عضوية أمانة السياسات بالحزب الحاكم «سابقاً» وهي الأمانة التي اخترعها جمال مبارك لتكون الجهة المنوطة بالتخديم على مشروع «توريث السلطة». حصل على أراضي بملاليم وربح منها مليارات. هو يعرف أنه سقط بالثلاثة دورتين في انتخابات مجلس الشعب أمام المحامي الإخواني ناصر الحافي، لكنه دخل البرلمان بقوة الذراع. بعد الثورة أجرى عملية «غسيل سمعة». فعل مثل عادل إمام في فيلم «مرجان أحمد مرجان». استعان بمن كتب له كتاباً اسمه «خريطة الأمل» يتضمن فكرة ساذجة بإعادة ترسيم حدود محافظات مصر. دخل في حملة إعلانية ل «تبييض وجهه» شاركت فيها عدة صحف كبرى. كانت فضيحة أن نشرت مقتطفات من الكتاب التافه مع وضع أسئلة عليها ليبدو الأمر في صورة حوار. ما يدفع إلى «القرف» أن الرجل تمادى في غيه وحاول الضحك على الناس، وكأنهم رضع سذج لا يفقهون. قال: إنه قدم مشروعاً ما ورد في الكتاب لحزبه الحاكم «المنحل»، لكنهم في الحزب كانوا يحاربونه، فمنعوا تنفيذ أفكاره! ولأن «عامر» كان يستعين بمجموعة مستشارين من رؤساء التحرير وكبار الصحافيين، فإننا أهل المهنة نعرف أنهم أشاروا عليه بإنشاء مؤسسة إعلامية ضخمة تضم عدة قنوات تلفزيونية وصحيفة يومية تكون بمثابة سياج يحميه، ويمنع القيل والقال عنه. بمجرد الإعلان عن الأمر، وأن منصور عامر هو الممول والداعم للقناة الفضائية التي استهلت بها المجموعة عملها، حتى لاقت اعتراض واستهجان الجماهير ووصفوها بقناة «الفلول». هنا اجتمع المستشارون ورأوا أنه من الأنسب له ولهم إبعاده تماماً عن الصورة، فتم الزج بشريكه ويدعى محمد الأمين ليكون الواجهة. كثير من العاملين بالمهنة يقولون: إن منبع تمويل هذه المؤسسة يبدأ من «طرة»، والمقصود بالتعبير رموز النظام السابق المحتجزون في سجن «طرة» على ذمة قضايا التربح غير المشروع. الألسن تتداول اسمي إمبراطور الحديد «أحمد عز» و «أشرف» نجل صفوت الشريف الرجل الأساسي الدائم في نظام مبارك. أما ما زاد من الدور المشبوه الذي تلعبه هذه المؤسسة فهي العلاقات المعروفة والمعلنة لمنصور عامر ومحمد الأمين مع أحد البلدان الخارجية. هناك من يقسم أن هذا البلد يضخ أكواماً من المال في شرايين هذه المؤسسة خدمة لأهدافه المتمثلة في محاربة «الإخوان المسلمين». نزلت القناة الفضائية والجريدة تشويهاً في مرشح الجماعة الدكتور «محمد مرسي». والأرشيف موجود ويفضح من يدعي الحيادية والمهنية ويحاول نفاق «الرئيس» حالياً! نفس ما يقال عن منصور عامر ينطبق على محمد أبوالعينين. تضخم في الثروة بشكل يثير الشبهات، ومشروعات تسد عين الشمس. لم لا وقد كان أحد كبار المقربين من «المخلوع» وولديه. أوصلوه لمجلس الشعب ووضعوه على رأس لجنة الصناعة ومنحوه حصانة تحميه من أي ملاحقة قانونية. بعد سقوط مبارك، خضع رجل السيراميك كرجل السياحة لنفس عملية «غسيل السمعة»، كما أنشأ قناة فضائية بيضاء تحميه من الأيام السوداء، وكالعادة كان الهجوم على «مرسي» نهجها أثناء الانتخابات. أيام مبارك وخلال موقعة الجمل حشد «عامر» صبيانه في الموقعة، كما فعل «أبوالعينين» الأمر نفسه استجابة لتعليمات أسيادهما المحبوسين حالياً على ذمة القضية. ثم عشية إعلان نتائج انتخابات الرئاسة مساء السبت الماضي كرروا الفعلة ضمن آخرين من «الفلول» من داعمي «شفيق» وحشدوا الحشود أمام منصة الجندي المجهول بمدينة نصر تأييداً لرمز عصر الفساد، ول «الإعلان الدستوري المكمل» الذي يحول «العسكر» إلى حكام «مزمنين» للبلاد. بعد هذا كله، كان «منصور عامر» و «محمد أبوالعينين» أول من هنأ «سيادة الرئيس الدكتور محمد مرسي» بفوزه بالرئاسة، عبر صفحات إعلانية في جريدة «الأهرام» غمروها بنفس كلمات النفاق التي استدعوها من مخزن موالستهم للمخلوع ونجله. وحسنا فعل الرئيس مرسي، حينما أصدر أمراً بوقف التهاني له، ليضيع الفرصة على أمثال هؤلاء لركوب الموجة. يوصف الخنزير ب «النطاعة» وعدم الإحساس نظراً لسُمك جلده. لكن «عامر» و «أبوالعينين» ومن هم على شاكلتهما، أثبتوا أن «النطاعة» لا تقتصر على الخنزير وحده! نقلا عن صحيفة العرب القطرية