قالت صحيفة "جارديان" البريطانية إن ايران دخلت فى البحث عن مخرج سياسى للأزمة السورية. واشارت الصحيفة الى ان ايران التى وقفت بجانب النظام السورى برئاسة "بشار الاسد" منذ انطلاق الانتفاضة الشعبية العام الماضى، ودعمته سياسيا وعسكريا واقتصاديا، تدرك جيدا ان الحل العسكرى او الامنى للازمة يتناقض تماما مع مصالحها الاستراتيجية فى المنطقة. وتحت وطأة الانتقادات فى الداخل والخارج ، بررت ايران موقفها المدافع عن نظام "الاسد"، بأن النظام يتبنى سلسلة من الاصلاحات السياسية التى تحظى برضا الغالبية العظمى من الشعب السورى . إحباط طهران إلا انه منذ الانتخابات البرلمانية الاخيرة التى اجريت فى سوريا، زاد الشعور بالاحباط فى طهران، نتيجة بطء الاصلاحات السياسية التى يقودها "الاسد"، وحتى الآن، قام "الأسد " بعدة مراحل للإصلاح، حيث بدأ بالغاء قانون الطوارئ المستمر منذ عقود ، في العام الماضي، وقدم بعد ذلك تعديلات على الدستور، وتمت الموافقة على التعديلات، وهو مطلب رئيسي للمعارضة، في استفتاء شعبي في فبراير الماضي، ومهد الطريق لاجراء انتخابات متعددة الاحزاب في البرلمان، الذي عقد في مايو الماضي، ومع ذلك، فإن الانتخابات أنتجت برلمانا وحكومة يهيمن عليهما البعثيون، وهو ما ألقى شكوكا على إرادة "الأسد" فى إنهاء احتكار حزب البعث للسلطة. واوضحت الصحيفة انه خلال الاشهر الماضية اجرى دبلوماسيون ايرانيون اتصالات مع المعارضة السورية بهدف التشاور حول الاصلاحات التى يتبناها "الاسد" ، والعمل على ترتيب لقاءات بين "الاسد" وقيادات المعارضة . خطة للمصالحة وقالت الصحيفة انه وفقا للسفير الايرانى فى دمشق ، شملت الاتصالات والمشاورات قادة بارزين فى المعارضة السورية فى الداخل والخارج وكانت على نطاق واسع ، وقام الدبلوماسيون الايرانيون بحمل رسائل ذهابا وايابا من العارضة ومن دمشق ، كما التقى الدبلوماسيون الايرانيون بقيادات جماعة الاخوان المسلمين السورية فى تركيا وتم عرض خارطة طريق للمصالحة بين المعارضة الاسلامية ونظام "الاسد" . تقاسم السلطة وأكدت الصحيفة ان الصفقة التى كشف عنها قيادى فى جماعة الاخوان المسلمين السورية ، تضمنت اتفاقا لتقاسم السلطة، بحيث تتولى جماعة الاخوان المسلمين رئاسة الحكومة، مقابل ان يحتفظ "الاسد" بمنصب الرئيس، الا ان هذه الجهود باءت بالفشل ، نتيحة استمرار العنف ولجوء الحكومة السورية للحملات الامنية . واشارت الصحيفة الى ان كل الاجراءات الاخيرة التى اتخذها "الاسد" سواء من تشكيل حكومة جديدة او البرلمان الجديد ، لم تكن مقنعه للجانب الايرانى الذى بدأ يشعر بالاحباط . إيران غير راضية وأشارت الصحيفة إلى انه وفقا لمصادر سياسية مختلفة فى ايران ، فأن القيادات السياسية والعسكرية الايرانية لم تكن راضية عن عدم مشاركة المعارضة فى الانتخابات الاخيرة فى سوريا ، كما انهم عبروا عن غضبهم من تعيين "رياض حجاب" المنتمى لحزب البعث رئيسا للحكومة الجديدة ، ورفضوا اعتماد دمشق على الحل الامنى لمواجهة الازمة ، ويرون انه كان بمقدور "الاسد" ان يتصرف بشكل افضل لاضفاء المصداقية على اصلاحاته . الاسد خدع طهران ولمحت الصحيفة ان احد كبار الجنرالات المسئولين عن الملفات الاقليمية الايرانية، عبر عن احباطه من عدم استجابة الاسد لدعوات الاصلاح قائلا:" ان الاسد تناول الحبوب ( الاقراص) امامنا ، ولكن بمجرد ان أدرنا رؤوسنا ، قام بالبصق وإلقاء الحبوب من فمه على الارض". الإضرار بالمصالح الإقليمية وبعد عام ونصف العام على بدء الازمة السورية، وجد القادة الإيرانيون أنفسهم امام أزمة طال أمدها وقد تضر بمصالح إيران الاستراتيجية الأوسع نطاقا في المنطقة.، وفى ظل استمرار دوامة العنف وإراقة الدماء في سوريا فأن الامر لا يبشر بالخير بالنسبة لقوة إيران الناعمة ومكانتها باعتباره حامل لواء المقاومة في العالم الإسلامي. كما ان حركة "حماس" الفلسطينية قد نأت بنفسها عن دمشق، وهو ما يعنى ان هذه الأزمة تشكل أيضا تحديا خطيرا ل"محور المقاومة" المشكل من التحالف بين سوريا وايران وحماس وحزب الله اللبنانى. إسرائيل مستفيدة وفى نظر القيادة الايرانية ، فأن الحرب الاهلية والنزاع الطائفى فى سوريا يصب فى مصلحة اسرائيل، كما ان التداعيات ستتخطى الحدود السورية، حيث ان النضال سيتحول من مواجهة اسرائيل ، الى صراع طائفى بين السنة والشيعة فى المنطقة بصفة عامة ، وهو ما يعنى عزل ايران التى تطرح نفسها كقوة اسلامية اقليمية معادية لاسرائيل ومناهضة لامريكا، ومن هنا فأن ايران لا ترى ان الحملة الامنية على المعارضة السورية فى مصلحتها، بل ان الحوار والاصلاحات الحقيقية هى الضامن الرئيسى لبقاء حليفتها سوريا قوية وليست مفتتة . ورأت الصحيفة ان مصالح ايران الاقليمية المتمثلة فى استقرار المنطقة تتقاطع مع الجهود الدولية الدبلوماسية الرامية لايجاد حل سياسى للازمة، ولذا تعتبر طهران ان الحل السياسة اصبح ضرورة ملحة. وكانت الولاياتالمتحدة قد عارضت مشاركة ايران فى التحالف الدولى الاقليمى الباحث عن حل للازمة السورية ، باعتبار ان ايران جزء من المشكلة. وختمت الصحيفة بأنه اذا كانت ايران ليست فى الجانب التى تقف فيه امريكا وحلفائها من الازمة السورية، الا ان ذلك لا يمنع انها تمتلك القدرة الاكبر على وضع حد لسفك الدماء وايجاد حل سياسى للازمة . وتلك هى الارضية المشتركة التى لا يمكن تجاهلها فى اى مبادرة حقيقية لوقف اراقة الدماء والبدء فى تنفيذ اصلاحات حقيقية فى سوريا .