أشفق كثيراً على الرئيس الجديد .. و أجد صعوبة شديدة فى تهنئته بالفوز دون أن أحذره من المشكلات الحقيقية التى ستصدمه حال بدء ممارسة عمله . وأجد لزاماً علىَّ أن أحذر المصريين أيضاً من استمرار التناحر و الصراع السياسى بين الفصائل و الائتلافات و الأحزاب ، و دعونا نلتفت إلى المستقبل و نلتف حول الرئيس ندعمه و نسانده من أجل مستقبل مصر . كلنا اليوم مسئول أن يجعل عرس الديمقراطية تكتمل أهازيجه و تنتظم صفوفه و تستمر أفراحه . نعم كلنا مسئول ، ولننس و لو مؤقتاً انتماءاتنا السابقة على الانتخابات و يكون لنا انتماء واحد هو مصر ، وطريق واحد هو مساندة الرئيس لمواجهة المشكلات الفورية التى ستصدمه لا محالة . أولي المشكلات أن قرابة نصف الناس كانوا يريدون رئيساً غيره ، و كانوا حتى أمس يهتفون للمرشح الآخر ، و على الرئيس اليوم أن يكون رئيساً لكل المصريين ، و أن يبذل الغالى و النفيس فى سبيل تجميع القوى السياسية لتكون طاقة دافعة للأمام ، و ليس قوة معوقة تشدنا للخلف . و المسئولية هنا مشتركة بين الرئيس و بين الناس و على كل من الطرفين أن يخطو خطوة للأمام ليتم الالتقاء . المشكلة الثانية أن الرئيس قد أعطى – خلال حملته الانتخابية – وعوداً كثيرة ، و هو اليوم مطالب بتحقيق الوعود .. و كثير من الناس لا يفهمون أن حلول المشكلات تستغرق وقتاً ، و لا يفهمون الفرق بين الأجل القصير و الأجل الطويل ، و لا يعرفون إلا الحلول الفورية ، فمن اعتدوا على الأراضى الزراعية يريدون تقنين أوضاعهم الآن و فوراً ، و من انهارت منازلهم عليهم يريدون استلام منازلهم الجديدة الآن و فوراً ، و من وعدوا برفع الأجور يتحرقون شوقاً لقبض الزيادات ، و لا فرق بين طبقة الكتاب و طبقة الأطباء أو الضباط أو المعلمين ، كلهم يريدون الزيادة .. و الآن ! من جهة أخرى فملايين العاطلين ينتظرون استلام الوظائف التى سيدبرها لهم الرئيس ، و أهل سيناء يريدون أشياء كثيرة و مثلهم أهل النوبة ، و كل أهل الصعيد يريدون عناية أكبر من السيد الرئيس .. فهل سيلبى الرئيس كل هذه الطلبات و فوراً ؟و لا يكاد الرئيس يحلف اليمين ، و يصبح بالفعل رئيساً حتى تطاله مشاجرات الواقفين فى الطوابير .. طوابير القهر لشراء السولار و البنزين و الخبز ، و إيه تانى مش فاكر و سيطلبون منه ايجاد الحل .. الفورى (!) و هو لا يملك الدولارات ليمول الاستيراد ، و لا يملك الأمن ليضبط التهريب ، و لا يملك الأسواق ليمسك بالمتلاعبين .. أنا بالفعل أشفق على الرئيس الجديد ، و هو لا يملك عصا سحرية يحل بها كل المشكلات . و ليس بيده المفاتيح لكل الأبواب .. و بمناسبة المفاتيح هناك مشكلة أخرى كبيرة . يكتشف الرئيس الجديد أنه جاء ليحكم بلداً كبيراً بلا مفاتيح فالبلد بلا دستور ، و يعلم الله من سيضع الدستور و متى ؟ و البلد بلا برلمان ، و يعلم الله كيف سنضع النظام الانتخابى غير الملغوم لننتخب مجلساً لا ينفجر عند اللزوم . بل سيكتشف أنه مقيد فى كثير من الصلاحيات ، و بعد أن يتعامل مع الفصائل السياسية المتناحرة ، عليه أن يتعامل مع القوات المسلحة الآمرة .. أم هى غير آمرة ؟ الله وحده يعلم . أضف إلى ذلك أن المناخ الملبّد الذى يعمل فيه الرئيس يسوده جو كئيب من انعدام الثقة و غلبة التفسير التآمرى لكل حدث كبير أو صغير . فكل الانتخابات كانت سيناريو رسم بعناية لينشغل الناس ثم بعد ذلك نفاجأ بأن البرلمان غير دستورى ، و هذا المرشح يتقدم ثم يستبعد ثم يعود لنعيد انتاج النظام السابق وفق ما رسمه المتآمرون ، و أحداث ماسبيرو كانت مخططة ، و قتلى محمد محمود كانوا معروفين مقدماً ، و قناصة أسطح العمارات كانوا معروفين و مزروعين .. كل شيء مؤامرة .. من المتآمر ؟ هل هو المجلس العسكرى أم هم الاخوان ؟ أم الأخوة فى حماس ؟ أم هى ... كل شيء جائز لدى من يقبل بفكرة المؤامرة .. و الرئيس الجديد فى النهاية فاجأته مؤامرة حكم المحكمة الدستورية و فاجأه الاعلان الدستورى المكمل . و البقية تأتى . فهل سيحارب الرئيس الجديد خصماً لا يعرفه و لا يراه ؟ أم سيرفض فكرة المؤامرة من أساسها ؟ و إذا رفضها هل يكون ذكياً أم سيكون هو «الأطرش فى الزفة» ؟ المشكلة المتفجرة الأخرى هى التى كشفت عنها الانتخابات بكل أسف و هى مشكلة الاستقطاب بين جماعات السياسيين على أساس دينى .. و هذا وضع لم تعرفه مصر أبداً بهذه الحدة و هذه الصراحة ، و بالتالى ليست لدينا الخبرة الكافية للتعامل مع هذا الملف .. أما الرئيس فأنا فعلاً أشفق عليه .. كان الله فى عونه . ماذا سنفعل يا سيادة الرئيس ؟ أهم شيء الآن هو استعادة الأمن و العناية باختيار من يعاونونك .. و البقية تأتى بعد ذلك . آخر سطر جت الحزينة تفرح .. ما لقتش مطرح ! بقلم - د. صديق عفيفى