تراهم هائمين على وجوههم، ذهنهم شارد من قلة الحيلة، بطونهم نحيلة من ندرة الطعام، يكافحون من أجل البقاء على قيد الحياة، لا يسألون الناس "حسنة" ولا سيئة، إنهم "المهمشون" الذين لا تتعدى أحلامهم حدود الستر وسداد الديون فهذا منتهى الثراء لديهم. ومع اقتراب ساعة الصفر للانتخابات التشريعية في مصر والتي تنطلق في غضون ساعات قليلة تتجدد أمنيات هذه الطبقة البائسة في أن ينعم عليه الله، ويحنن قلوب الحكومة عليهم، ليرزقوا بعضو مجلس شعب يتقي الله فيهم ويعمل لصالحهم. يقول عم سعيد، حداد ونافخ كور،: "أنا بصراحة عمري ما قابلت عضو مجلس شعب رغم اني عايش في منطقة "كعابيش" بحي فيصل من أكثر من 12 سنة، وحتى لحمة العيد سمعنا إن الغلابة خدوا كتير لكن أنا وأولادي ما حصلناش نصيب فيها، وانا باسمع أسماء المترشحين لكني لا أعرف مين اللي هينجح. وبتلقائية مثيرة يروي "نافخ الكور" حكاية ليها العجب، فقبل أيام حضر إلى عشته "بيه" من البهوات المترشحين، على حد وصفه، وكان معه ناس كثيرة وأخذ يسلم عليهم بحرارة ويسأله عن مصدر رزقه وأجزل الوعود البراقة بأنه سيعمل على تخصيص شقة له من المحافظة تستره وتحمي أسرته من عراء الشوارع وكذلك سيدبر له مصدر رزق يقتات منه وأفهمه أن كل المطلوب منه أنه يعطيه صوته، وطبعا عم سعيد لم تكن لديه اي أزمة في أن يمنحه صوته، لكن حدثت مفاجأة غير متوقعة. حيث طلب أصحاب "البيه" البطاقة الانتخابية من الرجل البائس فأخبرهم أنه ليس لديه بطاقة انتخابات، فقالوا له ليس مهما وطلبوا بطاقته الشخصية فأخرجها لهم فاكتشفوا أنه مقيد مواليد محافظة المنيا وبالتالي لايجوز أن ينتخب في الجيزة، وهنا تغيرت المعاملة تماما حيث نهرهم المرشح وطلب منهم التركيز فيمن يلتقيهم وتركه منصرفا دون حتى أن يلقي السلام وهنا ضاعت أحلام العم سعيد في الشقة والعمل. أما هناء سليم، من منشية البكاري، فمشكلتها تتلامس مع أزمة ملايين الفتيات بمصر حيث لم تكمل الدراسة بأمر أسرتها على أمل أن تصبح "ست بيت" بعد أن يرزقها الله بابن الحلال، لكن للأسف أيضا لم تتزوج حتى الآن رغم اقترابها من العقد الثالث فهي بحسب تعبيرها "لا طالت تعليم ولا جالها عريس" وطبعا ده حلم بعيد جدا عن استطاعة عضو مجلس الشعب القادم. أما عن ما تتمناه بخلاف العريس فهي تحلم فقط أن تجد عملا غير "تجارة البرسيم" يتناسب مع طبيعتها كأنثى وضربت لذلك مثالا أن تعمل في مشغل خياطة أو حتى في مصنع الجبنة الشهير بالمنطقة. ومن نافخ الكور وبائعة البرسيم، إلى الست أم رضا "تاجرة الخضار" التي ربما يعرفها كل من يقطن بحي المهندسين الراقي حيث تمر على المنازل لتبيع الطماطم والكوسة والبصل إلى "هوانم جامعة الدول"، فكان حلم حياتها من سيادة النائب القادم أنه يريح بال أولادها الذين ضيعت عمرها على تربيتهم بعد وفاة والدهم وتلقوا تعليما متوسطا وعاليا لكنهم للأسف فشلوا في العثور على أي فرصة عمل تناسب شهاداتهم الدراسية. وتستطرد الأم المثالية المكافحة كلامها قائلة: "نفسي أشوف الفرحة في عيون بنتي إيمان وإبني علي وكرم على الأقل أفرح بشغلانتهم فأنا وأخوهم عبده فقط الذين نعمل لننفق عليهم رغم أنه أصغرهم لكن ربنا زرع في قلبه الحنية وبيدي اخواته المتعلمين كل اللي بيكسبه من محطة البنزين خصوصا اننا مالناش معاش ولا حد يسأل فينا" وأمام هذه الأحلام الإنسانية البسيطة والمشروعة نضم صوت دعائنا لهؤلاء المطحونين ان ربنا يحقق كل أحلامهم وينعم عليهم بنواب يتقون الله فيهم، وكل انتخابات وأنتم طيبون.