(1) صديقى العزيز، وزميلى الكاتب الصحفى محمد عبد القدوس، ناوشنى منذ أيام بمقال مهذب، يقصدنى بكلماته ومفرداته، قال فيه: «رأيت عدداً من أصحاب الأقلام بالوفد من الذين أعتز بصداقتهم يشنون هجوماً حاداً على مرشح الرئاسة صديقى الدكتور «عبدالمنعم أبو الفتوح» ولم أفهم السبب، صحيح أن الوفد أعلن رسمياً أنه سيدعم «عمرو موسي»، لكن مناصرته لا تكون بالتطاول على خصمه، بل بشرح برنامج المرشح المفضل وبيان المزايا التى ستعود على مصر من انتخابه. وقرأت بدقة حيثيات الهجوم على أبو الفتوح، فلم أجد ما يتناول برنامجه إلا قليلاً أو قل نادراً، والغالبية العظمى من الانتقادات الموجهة إليه أنه إسلامى وإخواني، والخلافات بينه وبين الإخوان مجرد تمثيلية!! وأن الجماعة ستعلن تأييدها له بمجرد فوزه». قلت لعبد القدوس عقب مقاله أنت تقصدنى وسوف أرد عليك، فقال لى كلمته الشهيرة «حقك يا عمنا».. وطبعاً أنا أعترف أننى هاجمت عبد المنعم أبو الفتوح بضراوة، لكننى فى الوقت نفسه لم أتطاول عليه، فقط أنا ذكرت أنه لا يجوز للمساندين لفكرة الدولة المدنية أن يساندوا رجلاً عاش أكثر من ثلاثة أرباع عمره داخل تنظيم سرى شهير وعنيف يعادى الديمقراطية ولا يعترف إلا بالسمع والطاعة، وهذا النموذج من العمل السياسى لا يتفق على الإطلاق مع الطرح الديمقراطى،وهذا النموذج مارسه أبو الفتوح لأكثر من 45 عاماً متصلة، وتدرج فى المناصب والمسئوليات داخل الجماعة حتى أصبح نائباً للمرشد وعضواً بمكتب الإرشاد.. وإذا كان صديقنا العزيز «محمد عبد القدوس» يعتبر نعت أبو الفتوح بأنه إخوانى أصيل ومدرب، هو نوعاً من التطاول على شخص يعتبر نفسه غير منتم لجماعة دعوية أصبحت سيئة السمعة السياسية، فإننا لا نستطيع التوقف عن الهجوم عليه بسبب انتمائه كل هذه المدة الطويلة للجماعة، إلا إذا اعتذر الرجل عن المدة التى قضاها فى الجماعة قائداً ومسئولاً ومساعداً للمرشد ومتابعاً للميليشيات التى ضربتنا فى صبانا داخل الجامعة.. وهذا طلب صغير لا يرهق الرجل، فقط.. عليه أن يقول إنه أخطأ بانتمائه لجماعة عنيفة ضربت الخصوم وسحلتهم، وتمولت من حيث لا نعرف لأكثر من 80 عاماً، وعملت تحت الأرض دون أن نراها، وقامت بتكفير كل الخصوم لمجرد أنهم خالفوها فى الرأى!! (2) ولأن الزميل والصديق العزيز محمد عبد القدوس يعرف أننا نعتبره فى الوفد قريباً لقلوبنا جميعاً، رغم انتمائه الواضح والصريح والمخلص لجماعة الإخوان، فأننا نصارحه القول بأن مصر لا تحتمل فى الفترة القادمة أن يسيطر الفكر الإخوانى عليها، سياسياً وتشريعياً وتنفيذياً، ولذلك لأن صعود مرشح إخوانى إلى قمة السلطة التنفيذية، عبر مقعد الرئيس يعنى أننا سنصبح أصحاب صبغة سياسية واحدة، تمثل رؤية الإخوان وفكرهم المستبد، وحزبهم الواحد وسيصبح الحرية والعدالة هو حزب السلطة التنفيذية الواحدة والمسيطرة والممسكة بكل السلطات، وسيحل هذا الحزب بدوره مكان الحزب الوطنى.. ستصبح مصر ذات لون واحد هو «الأصفر الممزوج بالأزرق الداكن»، وهو اللون الذى اختاره الإخوان على كل مطبوعاتهم ودعايتهم السياسية، وقد يسألنا صديقنا عبدالقدوس وما علاقة أبو الفتوح بكل هذا الحديث عن الإخوان، وهذا سؤال مشروع، يشبه سؤالنا المشروع أيضاً عن سبب رفض أبو الفتوح الاعتذار عن الفترة التى انتمى خلالها لجماعة الإخوان قائداً وموجهاً، ولكننا سنجيب عن سؤال: ما علاقة أبو الفتوح بالجماعة؟ أعتقد أن ترشح أبو الفتوح لرئاسة مصر هو جزء من صراع داخلى داخل الجماعة، مثلما كان ترشح الشاطر ثم بديله محمد مرسى رداً على ترشح أبو الفتوح.. فكلا الترشيحين يمثل صراعاً داخلياً، الهدف منه مصر والجماعة.. وحتى لا تبدو الأمور معقدة أمامنا.. سأشرح مقصدى حالاً..فقد أعلن أبو الفتوح ترشحه للرئاسة منذ عام تقريباً، وقد أثار هذا الترشح جدلاً كبيراً، وقيل لنا إن الجماعة ترفض الترشح لأنها ترفض بدورها تقدم إخوانى لمقعد الرئيس، وقد تم فصل أبو الفتوح بناءً على هذا القرار، ولكن يبدو أن أبو الفتوح، قد تجاوز الدور المتوقع، وبدلاً من الاكتفاء بالترشح، فقد تمكن من اختراق تنظيم الجماعة بعيداً عن مكتب الإرشاد الذى يديره غريمه ووزير مالية الجماعة خيرت الشاطر، وحصل أبو الفتوح على دعم «شخصى» من عدد من قيادات الجماعة خارج مصر، وكوادرها فى المحافظات، وقد أثار هذا الأمر قلقاً داخل مكتب الإرشاد، فقرر الدفع بمرشح يواجه الخطر القادم، وهو خروج الكوادر على تعليمات مكتب الإرشاد، وتحديها لقرار المرشد.. فى نفس الوقت هناك قيادات ليس لديها أغلبية كبيرة داخل مكتب الإرشاد، لها وجهة نظر مغايرة لما طرحته مجموعة الشاطر، ولكنها «مهزومة» مالياً، ولذلك فهى تدعم أبو الفتوح سراً، وهى تنتظر فوزه بفارغ الصبر، حتى تتمكن هذه المجموعة من السيطرة على الجماعة، لأنها ستخوض معركتها الداخلية معتمدة على قوة كبيرة معها اسمها «رئيس الجمهورية» ولهذا السبب قلت فى مقالى السابق إن هناك دعماً من الجماعة لأبو الفتوح، ولهذا السبب قلت إن هناك تمثيلية، ولهذا السبب قلت إن مساندة الليبراليين وأنصار الدولة المدنية مرفوض حتى لا نفاجأ برسالة من قيادات الجماعة تشكرنا على حٌسن تعاوننا معها!! (3) فوز أبو الفتوح سيكون أكبر انتصار لجماعة الإخوان المسلمين، بغض النظر عمن يحكمونها الآن، هم مجرد أشخاص، أما الفكر، فهو واحد، الشاطر مثل مرسى، ومرسى لا يختلف عن أبو الفتوح، وبالتالى فإن أكبر خطأ يرتكبه أنصار الدولة المدنية، هو المشاركة فى هذا الدعم لمرشح شاء أم أبى هو إخوانى مدعوم بكوادر الإخوان، ويشارك فى صراعها الداخلى، وسوف يحسمه حال فوزه بمقعد الرئيس.. وبالتالى فإن أبو الفتوح عندما يصبح رئيساً سوف يضرب عصفورين بحجر واحد.. أولهما السيطرة على مكتب الإرشاد، وربما يتم تنصيبه مرشداً عاماً.. وثانيهما من حيث الأهمية هو الفوز بحكم مصر المسكينة!!