في 25 يناير 2016 اختفى الطالب الإيطالي جوليو ريجيني في القاهرة، وعثر على جثته يوم 3 فبراير من نفس العام، وفي الثاني من أكتوبر 2018 اختفى الكاتب الصحفي السعودي جمال خاشقجي بعد زيارة قام بها إلى القنصلية السعودية في اسطانبول بتركيا. خيط رفيع يربط الواقعتين، رغم اختلاف البعدين الزماني والمكاني، إلا أن هناك تفاصيل صغيرة ربما لا ينتبه إليها كثيرون يمكن أن تكشف الجاني الحقيقي، إذا صحّت نظرية التآمر ضد مصر والسعودية. كان تشويه مصر وقيادتها السياسية هدفاً رئيسياً في قضية ريجيني، حيث التقطت وسائل الإعلام العالمية وبعض الوسائل العربية مثل الجزيرة القطرية والإعلام الموالي لجماعة الإخوان الإرهابية، خيط القضية، ووجهت الاتهامات مباشرة للنظام المصري بأنه عذّب ريجيني حتى الموت، وهو ما أدى إلى مرحلة فائقة السوء في العلاقات المصرية الإيطالية. وعلى مدار أكثر من عام ونصف العام، انتشرت الروايات الخيالية حول تعذيب ريجيني على أيدي مسئولين أمنيين مصريين، ولعبت وكالة رويترز للأنباء دوراً من خلال تقارير مجهولة المصدر في إشعال الوضع، من خلال تقارير لمصادر لم تكشف هويتها عن تعذيب ريجيني في مقر الأمن الوطني، أمن الدولة سابقاً. وفي ظل الشفافية الكبيرة التي أبدتها مصر في التحقيقات، فقد أدرك الجانب الإيطالي أن هناك بعداً تآمرياً يشوب جريمة مقتل ريجيني، وبدأت أصابع الاتهام تتجه نحو طرف ثالث أراد الاستفادة من تشويه النظام المصري، من خلال إلصاق التهمة غير المنطقية به، وبالفعل انتشرت تقارير في الإعلام الإيطالي حول دور جماعة الإخوان الإرهابية في القضية، من خلال مها عزام، العضو في الجماعة الإرهابية، والمشرفة على رسالة ريجيني البحثية في مصر، والمتعلقة بالاتحادات العمالية. عادت العلاقات المصرية الإيطالية مؤخراً إلى مجاريها، وهو ما يمثل اعترافاً ضمنياً من روما بأن القاهرة ليس لها علاقة بقتل ريجيني، وأن هناك طرف آخر هو المتورط، ولم يتم الكشف عنه حتى الآن. وبالقياس، فإن قضية اختفاء جمال خاشقجي تحمل نفس المؤشرات التآمرية، في ظل الروايات المتناثرة حول تفاصيل اختفائه. المعروف أولاً أن جمال خاشقجي موالي لجماعة الإخوان الإرهابية، ومناهض للنظام السعودي خاصة في ظل المقاطعة التي تفرضها 4 دول عربية ضد قطر، وهو مقيم في تركيا من فترة طويلة. ولكن هل يصل الغباء بالسلطات السعودية إلى استهداف خاشقجي، خلال زيارته إلى القنصلية السعودية في اسطانبول، مع العلم أنها لم تكن الزيارة الأولى؟. فيديو: تجول صحفيو رويترز في مقر القنصلية السعودية في إسطنبول المؤلف من 6 طوابق بعد أن سمحت لهم القنصلية بذلك للتأكد من أن الصحفي #جمال_خاشقحي ليس متواجداً داخل المبنى. قال القنصل محمد العتيبي لصحفيي رويترز: "أحب أن اؤكد أن المواطن جمال غير موجود في القنصلية ولا في السعودية، pic.twitter.com/Z2v57hjb7E — قناة 24 السعودية (@Saudi_24) October 6, 2018 المنطق ينفي إمكانية خطف أو قتل خاشقجي بهذه الطريقة، وإن كان الهدف اغتياله، فهناك ألف طريقة أخرى بدلاً من انتظاره وهو يزور بعثة دبلوماسية رسمية تابعة للمملكة في تركيا. ومن خلال تتبع الأخبار التي صاحبت اختفاء خاشقجي بعد زيارته للقنصلية السعودية، فقد أكدت تلك الأنباء خروج خاشقجي من القنصلية بشكل طبيعي للغاية، قبل أن تتغير الروايات بصورة غريبة، وتنتشر تقارير غير موثقة ومجهولة المصدر حول تعذيبه وقتله داخل القنصلية السعودية. وهناك عنصر آخر مهم للغاية في حادثة اختفاء خاشقجي، وهي التصريحات الصادرة من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، والتي تطاول فيها على المملكة وقياداتها، وزعم خلالها أن الرياض لا تستطيع الدفاع عن نفسها إلا من خلال الوجود العسكري الأمريكي، وهي التصريحات التي ردّ عليها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بكل قوة في لقائه مع شبكة بلومبرج الأمريكية. ولم يصمت بن سلمان أيضاً على الاتهامات الموجهة للمملكة بالتورط في اختفاء أو مقتل خاشقجي، وقال إن القنصلية السعودية مفتوحة للجميع كي يتأكدوا من صحة موقف السعودية، وأنه سيكون أول من يعلم بمكان خاشقجي إذا كان على أرض المملكة. ورغم الاتهامات التركية الرسمية وغير الموثقة حول دور السعودية في اختفاء خاشقجي، فإن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان خرج بتصريحات هادئة للغاية اليوم الأحد، وقال إن بلاده ستنتظر النتائج النهائية للتحقيق في القضية، وستقوم بالإعلان عنها للعالم أجمع، دون أن يوجه أي اتهام للمملكة من قريب أو بعيد. وتأتي تلك التطورات في الوقت الذي أعلنت فيه السعودية أن وفدا أمنيا مكونا من محققين سعوديين وصل أمس السبت إلى اسطنبول، بموافقة الجانب التركي للمشاركة في التحقيقات الخاصة باختفاء المواطن السعودي جمال خاشقجي. وفي تغريدة مفاجئة وصاعقة، اليوم الأحد، نفت التركية خديجة جنكيز، خطيبة الكاتب السعودي المختفي جمال خاشقجي، ادعاءات المسئولين الأتراك حول مقتله داخل القنصلية السعودية في إسطنبول. لا تزال قضية جمال خاشقجي لم تبح بكل أسرارها، ولكن يبدو أن النتيجة النهائية ستكون مدوية، وربما يتم إخفاء الفاعل الحقيقي في ظل الأجندات السياسية للأطراف المعنية والمستفيدة من اختفائه أو مقتله.