لقد اضافت ثورة 25 من يناير للحضارة الانسانية وللموروث الحضاري المصري لانه اعطي نموذجا انسانيا في العمل الوطني المنظم والذي يصل للتضحية بالنفس دون انتظار اي مقابل في سبيل رفعة الوطن . وبينما تتفاوت الأوطان في مساهماتها الحضارية بحسب مدي تحمل قواها الاجتماعية و مثقفيها لمسئوليتها الوطنية خاصة ابان مراحل التحول التاريخية : فاذا غلبت المصلحة العامة تراكمت الارادات الوطنية وتكاملت الكفاءات وضعفت الانتماءات القبلية او الفئوية الضيقة ليعلوا مشروع الوطن مستغلا طاقات كل ابنائه ، عندئذ تتضاعف القوي الناعمة والصلبة للدولة وتفرض واقعا جديدا في علاقتها الاقليمية والدولية لا تستطيع القوي العالمية الا احترامه لأنها تواجه دولة مؤسسات يجسد ارادة ووعي الملايين ، في المقابل تتراجع قيمة الوطن عندما لا يتعدي كونه مستهلكا لمنتجات وافكار الحضارة الانسانية وتسلب ثرواتة القوي العالمية عندما تضعف الارادة الوطنية عندما يسود الاستقطاب السياسي والايدولوجي والاجتماعي الامر الذي يؤدي الي انصراف الشعب للانهماك في حياته اليوميه والهروب لانتمائاته الاولية ، و لقد تعثرت سفينة الوطن وتراكم الاحباط الشعبي بعيد خطاب التنحي بسبب تشرذم القوي الوطنية و وغلبة الموروث الأديولوجي و انفجرت تراكمات الاحتقان السياسي التي خلفتها النظم السلطوية السابقة وسادت المشهد السياسي المصري دون ان تضع اعتبارات التحول التاريخي والمسئولية الوطنية وعوامل نجاح الثورة في الاعتبار : فوجئنا مثلا بمطالبة قوي ليبرالية بمد الفترة الانتقالية لحكم العسكر لسنوات حتي تستطيع بناء قوتها السياسية متجاوزة اعتبارات التاريخ التي تؤكد علي تزايد فرص تدهور الاقتصاد و وتفكك المجتمع وحدوث الانقلاب العسكري بسبب امتداد الفترة الانتقالية فضلا عن ايقاظ الشكوك السياسية المتبادلة مع التيارات الاخري، ثم محاولة تشكيك قوي ليبرالية في نتائج الاستفتاء علي الاعلان الدستوري ونتائج مجلس الشعب حتي كادت ان تصل في بعض الاحيان الي رفض نتائجها بالمطلق ، في المقابل حرص التيار الديني علي تعظيم مكاسبة السياسية بعد ان تعرض لعشرات السنين من حرمانه من ممارسة حقوقه السياسية فاعتبر ان حصوله علي الاغلبية في الانتخابات البرلمانية يمثل تفويضا شعبيا له لكل الاستحقاقات السياسية الراهنة متجاوزا ايضا اعتبارات المرحلة التاريخية الراهنة : فلم يبذل الجهد المطلوب لايجاد مشترك سياسي مع شباب الثورة الذين وجدوا انفسهم بمفردهم يدفعون فاتورة الثورة ويتعرضون للتصفية ماديا وقانونيا ومعنويا دون ان يحققوا اي مكاسب سياسية ، بالاضافة لتشكيل تأسيسية الدستور دون ان تتوفر فيها التمثيل الواجب لكل مكونات واطياف المجتمع ، وبينما تمثل مبادرة د. محمد البلتاجي وحديث د. علاء الاسواني واعترافهما بالاخطاء السياسية المتبادلة ووالتاكيد علي حتمية الاجماع الوطني حول استحقاقات تكوين تاسيسية الدستور وانتخابات الرئاسة واستكمال مقاومة نظام مبارك تصر بعض القوي والنخب في تفضيل لموروثاتها واصطفافاتها الاديولوجية علي مصلحة الوطن متعامية ان الخطر سيعصف بالجميع : لقد نجح نظام مبارك منذ تنحي الاخير في صناعة الازمات بل وتحويلها لكوارث، واللعب علي تفجير الاوجاع الوطنية المتوارثة املا في ان تصاب كل القوي والنخب بالعمي الأديولوجي الذي يفقد التبصر باولويات الاستحقاقات الوطنية ويجعلها تابعة للهوي الفكري والمصالح الفئوية مما يكرس استمرار مصر في مسيرة التبعية والتخلف الحضاري. ----------- بقلم: علي الشافعي السقطي دراسات عليا قسم الاجتماع جامعة عين شمس