فى سباق مع الزمن، ولرغبة ملحة خفية يتوافد الكثيرون لتقديم أوراق ترشحهم لنيل شرف منصب رئيس مصر القادم، ولا أعرف لماذا؟!! حتى ان الشروط المطلوبة لم تعد عقبة حقيقية لتجعل كرسي الرئاسة حكرا على السياسيين، خاصة بعد أن قام المرشح المحتمل سعد الصغير (المطرب) باجتيازها وبنجاح حتى الآن!! وبالرغم من الحقائق التى تتكشف كل يوم وسقوط بعض المرشحين فى الفترة القادمة لعلة أو أسباب قد يكشفها آخرون، فإن هذا كله قد يراه الساسة وأصحاب الفكر ومن لهم باع فى العمل السياسي والمجتمعى مسرحية هزلية، فكيف لمرشح أن يتقدم لمنصب ما، دون معرفة حدود مهام عمله أو طبيعة ماسيقوم به؟! فلا يوجد دستور حتى الآن ولا نعرف ماهية الدولة فى الفترة القادمة، ما إذا كانت رئاسية أو برلمانية أو بالنظام المختلط، والغريب انه لا أحد يتحدث فى هذا الاتجاه الا القليل، فأين الدستور الذى سيحلف عليه الرئيس القادم اليمين؟!! وهنا أعود إلى الوراء قليلا، فنظرة على التاريخ قد تعطينا عبرا كثيرة فى ظل حالة الارتباك والتخبط التى نعيشها الآن وهى ليست فى كيفية صياغة الدستور فحسب لكنها فى اختيار اللجنة التأسيسية لدستور مصر القادم، وأتذكر ان دستور 1923 تم تشكيله بلجنة وطنية عكفت على وضعه 6 أشهر كاملة باستثناء فترات الراحة، ونجحت تلك اللجنة فى تغطية خريطة مصر الجغرافية والعرقية والعقائدية، حيث تم تمثيل جميع الأقاليم ومعظم المديريات فى الصعيد والدلتا والمدن الساحلية والعاصمة، كما ضمت أسماء من الأزهر والأشراف والطرق الصوفية والمسيحيين حتى اليهود تم تمثيلهم فى هذه اللجنة مع البدو وممثلى القبائل العربية، أما لجنة الخمسين التى عكفت على وضع دستور 1954 بعد قيام ثورة يوليو المجيدة، فقد تم تشكيلها بقدر كبير من التوازن بين من شاركوا فى وضع دستور 1923 وأصحاب الأفكار الجديدة الذين تأثروا بالإعلان العالمى لحقوق الانسان، وكذلك ضمت رؤوس الهيئات القضائية وبعض رجال الدين المسيحى والمحامى زكى العريبى وكان يهوديا بينما كانت خالية من ممثلى الاتجاه الماركسي فى تلك الفترة، أما دستور 1971 فهو ينتمى الى طريقة الاستفتاء الدستورى، وهى إحدى الطرق الديمقراطية الحديثة فى وضع الدساتير، حيث تم اعداده من قبل لجنة تم اختيارها من قبل الحكومة والبرلمان وتم عرضه على الشعب الذى وافق عليه فيما بعد، والتاريخ يذكر أن دستور 71 تم تعديله أربع مرات، الأولى فى مايو 1980 والثانية فى مايو 2005 والثالثة فى مارس 2007 والأخيرة كانت بعد ثورة 25 يناير البيضاء الطاهرة فى يناير 2011 حيث تم تعديل عدد من مواد الدستور فى استفتاء شعبى فى 19 مارس 2011، وحقيقة الأمر كما يقول الفقهاء الدستوريون ان دستور 71 لم يكن سيئا بالدرجة الكبيرة الا أنه أعطى حرية مطلقة وركز السلطة فى يد شخص واحد هو رئيس الجمهورية، وكذلك تطبيق بنوده كان سيئا للغاية، ومما سبق يتضح لنا أنه لا بد أن ندرك أخطاء الماضى ونضع دستورا جديدا يحظى بالدعم والموافقة الشعبية ويكون صالحا لأجيال متعاقبة، كيف؟!! و نحن نتمزق وسط مشاجرات وحروب كلامية بين من تم اختيارهم فى لجنة ال100 التى توقف قرار تشكيلها فى ضوء الدعاوى التى أقامها عدد من أساتذة القانون، وبين من تركها بمحض ارادته منذ البداية، ومن تم تهميشه منها لأسباب خفية، وبين من كانوا يشاركون فى وضع لجنة موازية!!، يا سادة هل قرأتم المادة 60 من الاعلان الدستورى التى قالت بمنتهى الوضوح ان الأعضاء المنتخبين فى مجلسي الشعب والشورى يجتمعون لينتخبوا أعضاء الجمعية التأسيسية، فهم ينتخبون شخصيات أخرى ولا ينتخبون أنفسهم ، فالأمر بات واضحا للغاية، أى ان دور النائب المحترم يقتصر على انتخاب أعضاء اللجنة التأسيسية ، و بالتالى لم كل هذا الجدل الثائر؟! و لماذا نتحايل على القانون ؟! و نسير فى طريق مجهول !! هل يتخيل أحد أن الأزهر والكنيسة انسحبا من تأسيس الدستور فى لجنته تلك!! على أية حال بعد كل هذه البيانات التى سردتها أمامكم فى رحلة المصريين مع دساتيرهم منذ 1923 وحتى الآن، وتعبيرا عن ما كان يسيطر على الشارع المصرى من حالة احتقان شديدة، وفى يوم عظيم للقضاء المصرى، قضت محكمة القضاء الادارى بمجلس الدولة بوقف قرار تشكيل الجمعية التأسيسية لوضع الدستور المصرى الجديد، وفى حيثيات الحكم ذكرت المحكمة أن الأمر قابل للاستئناف أمام الادارية العليا ، لكنه واجب النفاذ بمجرد صدوره، الأمر الذى يعنى تجميد لجنة الأشقياء (لجنة ال100) لحين صدور حكم نهائى بشأنها، والسؤال هنا هل يشعر أحد بقيمة الوقت الذى نسير فيه فى اتجاهين أحدهما للدستور والآخر لاختيار الرئيس القادم؟ هل يعى أعضاء البرلمان حالة التشتت التى وصل إليها المصريون؟ هل هناك من يدرك كيف باتت صورة مصر أمام العرب والعالم؟ هل مدركون نحن لخطورة المرحلة التى نعيشها الأن؟ وهل سيحدث كما حدث فى المنصورة عندما منع القضاء الادارى ترشيح أعضاء الحزب الوطنى فى الانتخابات البرلمانية الأخيرة ثم أباحته الادارية العليا بعد ذلك؟ و هل من مخرج سريع وجاد لتلك الأزمة؟ هل سنصل الى دستور يوافق عليه الشعب و يكون ممثلا له أم سيضيع الدستور وسط حالة الغليان والغفلة والنسيان التى نعيشها الآن؟ وأخيرا هل من مجيب؟!!! ------------ بقلم- محمد عبدالله