أعلنت الدولة المصرية منذ سنوات، أن سياستها الاقتصادية، هي سياسة الاقتصاد الحر، لخلق سوق عادلة من التنافسية، وتتحدد فيه أسعار السلع وفقا للعرض والطلب، مع تشديد الرقابة على التجار. ووسط ارتفاع الأسعار الهائل في الآونة الأخيرة، لاسيما بعد ارتفاع أسعار البنزين، ومن ثم غلاء كل السلع بالتتابع، أصبح المواطن بين شقي الرحى، فمن جهة الحكومة تؤكد أنها تتخذ قراراتها من أجل المواطن، وعليه أن يتحمل هذه الضغوط من أجل خدمات أفضل، و من جهة أخرى وقع فريسة لاستغلال التجار، الذين يحددون هامش الربح، وفقا لما يحلو لهم، وما يجعل الأمر أصعب حالا، هو أن التجار تمارس ضغوطها على المواطن، في السلع الأساسية التي يستخدمها، وليست السلع الاستهلاكية التي يمكن الاستغناء أو التغاضي عنها. وظهر مصطلح "التسعيرة الجبرية" والعودة إلى تطبيقها، كما كان في فترة الستينيات، من أجل إحكام السيطرة على الأسعار في الأسواق، ومن ثم يكون في مصلحة المواطن، حتى إن النائب مصطفى الجندي، تقدم منذ عام للبرلمان بمشروع قانون للتسعيرة الجبرية، لتطبيقها بشكل عادل، وعاد هذا العام يطالب الحكومة من جديد بتفعيل هذه السياسة الاقتصادية، لتخفيف الأعباء عن المواطن. في حين أكد اللواء أبو بكر الجندي، في تصريح سابق له، أن التسعيرة الجبرية مرفوضة، وأثبتت فشلها في مصر، بشكل واضح، الأمر الذي دفع الجميع للتساؤل، طالما أن التسعيرة الجبرية لا تحكم السيطرة على الأسعار، وكذلك الاقتصاد الحر أيضا يعرض المواطن لخطر طمع التجار، إذا ما هو الحل لانقاذ المواطنين من هذا الغلاء؟ وكيف يمكن القضاء عليه؟ فطرح خبراء الاقتصاد، في تصريحات لبوابة الوفد، عددا من الحلول الواقعية، التي تقتص أزمة ارتفاع الأسعار من جذورها، وتشعر بالمواطن بالتحسن، وبحماية الدولة له، بعد تأكيدهم القاطع على رفض سياسة التسعيرة الجبرية... فأكد الدكتور مختار الشريف، أستاذ الاقتصاد بجامعة المنصورة، أن تطبيق التسعيرة الجبرية في الأسواق المصرية، تخدم المواطن المصري، ولكنها في الوقت ذات تضر بالسوق التجاري المصري. وأوضح الشريف، أن التسعيرة الجبربة أصبحت غير موجودة أو مطبقة على مستوى العالم، فهي تدفع التجار لتخبئة السلع، و من ثم ظهور السوق السوداء، وبيع المتتجات بأسعار أغلى، لافتا إلى أن تجربة مصر في تطبيق هذا النظام سابقا كانت مريرة. ولفت أستاذ الاقتصاد، إلى أن التسعيرة الجبرية، تعرض التاجر نفسه لكثير من الظلم، إذ أنها لا تراعي الكثير من العوامل، على رأسها مدة مكوث البضاعة لدى التاجر، وكم يستغرق الوقت لبيعها، لذلك هي تحدث المشاكل في السوق التجاري المصري. وأشار الشريف، إلى أن مطالبات بعض النواب في مجلس الشعب بفرضها أو تدشين قانون لها، ما هي إلا محاولات لإرضاء الشعب معنويا، بينما لا تطبيق لها على أرض الواقع. ورأي أستاذ الاقتصاد، أن أفضل الحلول لاحكام السيطرة على الأسعار، و الحد من جشع التجار ضد المواطنين، يكمن في زيادة العرض من السلع، وإصلاح منظومة عملية التخزين والتعبئة وطرق التداول، ضاربا المثل، بأن كميات كبيرة من الخضروات و الفاكهة تفسد من خلال عملية النقل الخاطئة، أو التخزين الخاطئ. وتابع الشريف، أنه لابد من وجود ثلاجات لحفظ الأطعمة في المتاجر وعند البائعين، ومع مراعاة هذه العوامل، تقل نسب البضاعة الفاسدة، وبالتالي تزيد كميتها لدى التاجر، ولا يحتاج لتعويض خسارة التالف لديه، من رفع الأسعار على المواطن. ومن جانبه، أكد الدكتور إيهاب الدسوقي، رئيس قسم الاقتصاد بأكاديمية السادات، أن تطبيق مفهوم التسعيرة الجبرية، هو أمر خاطئ تماما؛ ولا يمكن تطبيقها لأسباب علمية وعملية. وأوضح الدسوقي، أن تطبيق التسعيرة الجبرية، قد يؤدي لمشاكل في اختفاء السلع من الأسواق، وتشوهات في قطاع الانتاج بالكامل، الأمر الذي يؤدي لتقليل معدل النمو الاقتصادي بشكل عام. وتابع رئيس قسم الاقتصاد بأكاديمية السادات، أنه على المستوى العملي، لا يمكن أيضا تطبيق التسعيرة الجبرية؛ إذ لا يوجد إمكانية لوضع ضابط أمام كل بائع، لضمان إلتزامه بالبيع بالسعر المحدد، ومن ثم يبدأ التجار في إخفاء السلع، لبيعها في السوق السوداء، بالأسعار التي يجدونها مناسبة، الأمر الذي يعني أيضا زيادة الأسعار وليس تقليلها عى المواطن. ولفت الدسوقي، إلى أن قانون الاستثمار، به نص صريح، بمنع الحكومة من التدخل في تحديد الأسعار أو هامش الربح، ومن ثم فهو يرى أن أسلم الحلول، لضبط الأسعار، والحد من جشع التجار ضد المواطنين، يكون في قيام الحكومة بترخيص أسعار عوامل الانتاج، والعمل على زيادة المنافسة، فيكون من مصلحة التاجر ترخيص الأسعار وليس زيادتها وجاء رأي الدكتور صلاح فهمي، أستاذ الاقتصاد بكلية التجارة جامعة الأزهر، أن الدولة أعلنت سياستها الاقتاصدية بشكل واضح، وهي الاقتصاد الحر، ولا يمكنها العودة إلى التسعيرة الجبرية؛ لأن ذلك قد يعد انتكاسة اقتصادية غير مسبوقة، ونظرا أيضا لأضرار سياسة التسعيرة الجبرية. وأضاف فهمي، أن الدولة، تضع تسعيرة جبرية، على السلع التي تسطيع ضبط أسعارها، لذلك وضعت تسعيرة خاصة للبترول والبنزين والكهرباء، بينما تطبيق التسعيرة الجبرية كنظام اقتصادي، أمر يتسبب في اختفاء السلع، وظهور السوق السوداء بشكل مباشر، واقحام مصر في مشاكل اقتصادية، لا قبل لها بها الآن. وأكد فهمي، أن التسعيرة الجبرية، تم تطبيقها في مصر في الستينات، وكان لا يستطيع أحد من التجار كسرها؛ لأن الدولة حينها كانت دولة مسيطرة، بينما الآن مصر دولة قائدة، أي أنها تقود عجلة التنمية الاقتصادية، ولذلك عليها إعطاء انطباع بأن الأسعار رخيصة، وهي قادرة بالفعل على جعلها رخيصة. ولفت أستاذ الاقتصاد بجامعة الأزهر، إلى أنه يجب على الدولة إلغاء الوسطاء، كأول إجراء حقيقي، لمواجهة غلاء الأسعار وجشع التجار، فهم سبب رئيسي في ارتفاعها، ثم تأتي إجراءات تدعيم الرقابة على السوق، لتكون صارمة، بالاتفاق مع كافة الجهات المعنية، مثل جهاز حماية المستهلك، والغرف التجارية، مضيفا أن الدولة تملك عدد من المصانع والمزارع، عليها أن تضعها داخل السوق التجاري، وتبيع بالأسعار الرخيصة، فيجبر التجار على ترخيص الأسعار أيضا.