هذه هي عادة حزب الوفد وطريقته التي لن يحيد عنها أبد الدهر، فهو الحزب الوحيد الذي يناصر الوطنية المصرية، بل هو حزب الوطنية المصرية نفسها.. إذا ألمت بالأمة مصيبة أو كارثة دائماً ما يكون هو حّمال الأسية وصاحب المبادرات التاريخية لرأب الصدع واحتواء الازمات الكارثية.. وليس جديداً علي حزب الوفد وقياداته التاريخية وحتي الآن أن يكون هو الرائد في مناصرة الوطن والدفاع عنه وخوض المعارك في سبيل إظهار الحق واعلائه.. يوم الخميس الماضي فتح بيت الأمة ابوابه أمام الاحزاب والقوي السياسية الوطنية، لمناقشة الازمة الخطيرة التي يتعرض لها دستور الثورة.. وهل الدستور يواجه أزمة؟!.. نعم إنها كارثة بكل المقاييس عندما ينفرد فصيل سياسي واحد بتشكيل الجمعية التأسيسية المكلفة بوضع دستور البلاد.. والأخطر أن هذا الفصيل تحدي الجميع بشكل سافر وبدأ يعقد اجتماعات التأسيسية بدون مشاركة القوي الوطنية وبدون الأزهر والاقباط والاحزاب؟! الذي يحدث هو تحدٍ سافر للمشاعر الوطنية، بل تحدٍ سافر للوطن نفسه مما دفع حزب الوفد صاحب التاريخ العريق في الوطنية إلي أن يتبني مشروع دستور ديمقراطي يحقق للوطن عزته وللمواطن حريته.. وكانت استجابة القوي الوطنية الاخري بمثابة صحوة كبري مع الوفد لتحقيق مشروع الدستور الديمقراطي الحديث الذي يعبر عن ثورة 25 يناير المجيدة.. في بيت الأمة التقت القوي الوطنية ووقفت بالمرصاد لكل من تخول له نفسه الانفراد بالوطن واتباع سياسة الاستئثار والاقصاء التي عاني منها الشعب المصري علي مدار ستين عاماً، وعانت منها جماعة الاخوان علي مدار ثمانين عاماً.. وهذا يدفعنا إلي التساؤل: كيف ترضي «الجماعة» باتباع سياسة الاقصاء وهي نفسها التي عانت منها زمناً طويلاً؟!.. في مقر حزب الوفد انطلقت شعلة القوي الوطنية المنادية بتحقيق دستور ديمقراطي حديث يشترك في وضعه كافة القوي الوطنية والسياسية وجموع الشعب المصري بكل طوائفه ومهنه، الدستور يجب أن يشارك في وضعه الجميع، فمن غير المعقول أو المقبول أن ينفرد به فصيل سياسي واحد ولا طائفة بعينها، ولا حزب بذاته.. إنه الدستور الذي هو أبو القوانين وليس من حق البرلمان أن يشارك في وضعه، لان وظيفة البرلمان تنحصر فقط في التشريع ومراقبة الحكومة.. من حق الشعب الذي قاد الثورة أن يضع دستوراً بنفسه، ومن مبادئ ثورة يناير أن يكون الدستور معبراً عن كافة التيارات والطوائف وليس حكراً علي أحد.. وهذا ما دفع حزب الوفد صاحب التاريخ الطويل والباع الكبير في المناداة بدستور حقيقي، أن يفتح أبوابه مع كل القوي السياسية والوطنية للنظر في الكارثة التي يتعرض لها الآن الشعب المصري، والعمل علي السعي قدماً في سبيل تحقيق دستور ديمقراطي يرضي به الشعب أولاً.. لأن الشعب هو صاحب الفضل الاول والاخير في تغيير الدستور.. إذا كان هناك خلاف بين المجلس العسكري وجماعة الاخوان، فإن العسكري نفسه نفي عن نفسه فرض وصاية بشأن الدستور الجديد، وترك الحرية للأحزاب والقوي السياسية أن تتفق بشأن الدستور، لكن أن ينفرد فصيل بذلك فهذا ما لا يرضاه احد ولا يقبله عقل.. والسؤال الآن: لماذا يتم إقصاء القوي الوطنية عن المشاركة في الدستور؟!.. وقد يرد قائل بأن هناك تمثيلاً لهذه القوي باللجنة التأسيسية، لكن الحقيقة إنه تمثيل ضعيف للغاية وغير مؤثر، يخرج في النهاية دستوراً يعبر فقط عن فصيل سياسي واحد، ولا يعبر عن جموع الشعب المصري.. يرحم الله الزعيم خالد الذكر سعد زغلول الذي وصف لجنة وضع دستور عام 1923 بأنها لجنة «الاشقياء»، عندما اختارها الملك فؤاد لوضع الدستور.. ولو أن سعد زغلول بيننا الآن لوصف اللجنة التأسيسية بأوصاف أشد مما وصف بها لجنة الملك فؤاد .. ويوم تم ترشيحي ضمن الشخصيات العامة الاحتياطية والتي ضمت مع الاطراف الاخري اكثر من ألفين و90 شخصية، لاختيار مائة عضو، احسست أن غضب الله وقع عليّ، خاصة بعد اقصاء الطوائف المصرية والقوي الوطنية من لجنة المائة.. وهي اللجنة التي لا تعبر تعبيراً حقيقياً عن الشعب المصري، مما يعني أن الدستور القادم ولو استمرت اللجنة في اصرارها سيكون دستور فصيل سياسي واحد ولا علاقة له بالشعب المصري من قريب أو بعيد.. ويبقي هناك تساؤل مهم: أين المرجعية التي تم الاتفاق عليها بشأن وضع الدستور بعد الثورة، والتي تنحصر في وثيقتي التحالف الديمقراطي الذي ضم كل القوي السياسية والوطنية بما فيها الاخوان، وكذلك وثيقة الازهر الشريف الذي اجمعت كل القوي الوطنية علي تأييدها؟!.. لماذا تم ضرب الوثيقة في عرض الحائط؟!.. ولماذا تم تجاهلهما رغم انهما وثيقتان تعدان مرجعية قوية جداً لوضع الدستور واعتقد أن اجتماع القوي الوطنية الذي بدأ في مقر الوفد يوم الخميس الماضي، لتحقيق دستور ديمقراطي، لن يحيد عن هاتين المرجعيتين، ويجب التسليم بما تتخذه هذه القوي الوطنية بشأن الدستور، وإلا لو استمر الحال علي ما هو عليه سنجد دستوراً «أعرج»، لا فرق بينه وبين الدستور الذي شوهه النظام السابق البائد!!.. ليس في مصلحة الوطن ولا في مصلحة الثورة ولا في مصلحة من ينفرد بوضع الدستور، أن نري دستوراً لا يشارك فيه الشعب المصري بكل طوائفه السياسية والمهنية.. ليس في مصلحة أحد أن ينفرد فصيل واحد بوضع الدستور.. من هم في موقع الاغلبية الآن جائز بعد ذلك أن يكونوا في موقع المعارضة، لأن الامور السياسية متغيرة ومتقلبة، لكن الدستور دائم وثابت ولا يعلو عليه شيء.. وهذا هو المنطق الذي دفع حزب الوفد إلي أن يتبني مع القوي الوطنية الاخري مشروع تحقيق ديمقراطي حديث.. أتمني ألا تأخذنا العزة بالاثم، ولا عيب علي الاطلاق أن يتم التراجع عن هذه المواقف المتشددة بشأن تشكيل «التأسيسية» الخاطئ، سيضرب الناس تعظيم سلام وينحني الشعب تبجيلاً واحتراماً، لو تم ابطال تشكيل اللجنة التأسيسية واعادة تشكيلها من جديد بما يضمن تمثيلاً كاملاً للشعب المصري، فمصلحة الوطن أهم ومصر أبقي من الجميع والمواطن هو صاحب الحق فلماذا لا ننصره ونحقق له مطالبه المشروعة التي ناضل في سبيلها زمناً طويلاً.. انصروا الوطن والمواطن وحافظوا علي هيبة مصر، وحققوا طموح الأمة بالغاء تشكيل لجنة المائة.. وادخلوا في عباءة واحدة هي الوطنية المصرية لضمان وضع دستور ديمقراطي كما ينادي بذلك حزب الوفد وكل القوي المحبة لمصر.