كشفت التقارير السرية المسربة عن وزارة الدفاع الأمريكي "بنتاجون" عن أرقام خطيرة تفضح جرائم الحرب التي ارتكبها الجيش الأمريكي خلال سنوات الحرب بالعراق وأفغانستان والتي تتنافى مع الطبيعة الإنسانية السليمة. تلك الجرائم التي تسببت في أعلى نسب الضغط والإحباط داخل صفوف الجنود الأمريكيين، وما اسفر عنه من أعلى معدلات الانتحار التي تشهدها الولاياتالمتحدة خلال السنوات العشرة الماضية، حيث يقدم جندي أمريكي على الإنتحار كل ساعة ونصف تقريبا. وتكشف الأرقام أنه ما بين عامي 2005 و2011، يحاول جندي أمريكي في السلاح البري أو المشاة الانتحار كل ساعة و36 دقيقة بالضبط، فيما تنخفض النسبة في سلاح الجو والبحرية. وأوضحت دراسة أجرتها هيئة طبية عسكرية أمريكية أن نسبة الانتحار في صفوف الجيش الأمريكي زادت بنسبة 80% عن آخر معدل، بعد غزو العراق، حيث أنه في الفترة من العام 1977 إلى 2003 كانت حالات الانتحار في صفوف الجيش تتجه للانخفاض بشكل خفيف، وكانت أقل من معدلات الانتحار في أوساط المدنيين، إلا أن الأمر اختلف منذ العام 2004 أي العام التالي لغزو العراق 2003، حيث بدأ المنحنى في التصاعد. ووفقا للإحصاءات التي اعتمدت عليها الدراسة، فإنه في العام 2008 انتحر 140 من عناصر الجيش الأمريكي، وهو يمثل زيادة بنسبة 80% عن المعدل الذي سجل في العام 2004 وأعلى كثيرا من معدل حالات الانتحار في أوساط المدنيين. واعتمدت الدراسة على أرقام وإحصاءات تعود للعامين 2007 و2008 وقارنتها بإحصاءات الأعوام السابقة، ولم تتطرق لظاهرة الانتحار في صفوف الجيش الأمريكي بعد قرار الرئيس "باراك أوباما" بالانسحاب من العراق، الذي اكتمل في ديسمبر الماضي. وفسرت الدراسة الارتفاع في معدل الانتحار بشكل غير مسبوق في ثلاثة عقود من سجلات الجيش الأمريكي بأنها ذات صلة بما حصل من أحداث بعد غزو العراق وبالأعمال العسكرية الجارية في أفغانستان، ويرجح أنهم عانوا من حالات انهيار واختلالات ذهنية أخرى نتيجة الجرائم الإنسانية التي ارتكبها الجيش الأمريكي في العراق وأفغانستان. وكانت قوات الاحتلال الأمريكي قد تسببت في مقتل مئات الآلاف من الأفغان والعراقيين منذ غزو العراق عام 2003 وحتى انسحاب قوات الاحتلال نهاية العام الماضي، هذا خلاف ما تم تدميره من قرى ومدن بأكملها، والجرحى والأسرى. دورات للحد من الانتحار واختتمت قاعدة "فورت كامبل" العسكرية بولاية "كنتاكي" الأمريكية في العام 2009 أعمالها معلنة توقف نشاطها المعتاد لتركيز جهودها على وضع برامج تحد من ميل الجنود إلى الانتحار، وذلك بعد أن خسرت جنديين في حادثي انتحار لينضما إلى 248 جنديا أنهوا حياتهم بهذه الطريقة خلال عامي 2007 و2008. وأعلنت القاعدة بيانا في هذا الصدد يهدف تدريب جنودها على طرق تجنب الإقدام على الانتحار، ومنع زملائهم كذلك من الإقدام على ارتكاب هذه الجريمة التي تتزايد مع تزايد وطأة الآثار النفسية الناتجة عن الحرب المستمرة في العراق وأفغانستان. وتوقفت وزارة الدفاع الأمريكية "بنتاجون" عن الكشف عن بيانات الإنتحار التي تزايدت خلال الخمس سنوات الأخيرة بشكل غير مسبوق، وبما يتجاوز جميع الأرقام التاريخية، لخطورة مثل هذه المعلومات على المجتمع الأمريكي وما قد تسببه هذه المعلومات من عزوف عن الخدمة العسكرية، وسخط المدنيين على الجيش. ونوهت "بنتاجون" قبل عامين من الآن ارتفاع معدلات الإنتحار بما يتجاوز أعداد الجنود الأمريكيين القتلى في الحرب، مطالبة القيادة العسكرية بإخطار الكونجرس وكبار المسئولين للتحرك العاجل. وضع مرعب ووصف ضابط كبير الوضع لشبكة "سي إن إن" الأمريكية بالقول إنه "مرعب"، وإن القوات المسلحة تحاول البحث في أسباب الظاهرة. وفيما قال مسئولون عسكريون إن هناك أكثر من سبب للانتحار، ربط نائب رئيس أركان الجيش الجنرال بيتر شياريللي ارتفاع عدد المنتحرين بطول المدة والوتيرة المتزايدة للمهمات التي تعقد العلاقات بين الجنود وعائلاتهم ورجحت مصادر طبية أن يكون للأمر علاقة بأشهر الشتاء الباردة والقاسية وتزايد المهام المرهقة والإكثار من الأدوية المضادة للاكتئاب. وبحسب تقارير الجيش فإن معدل انتحار جنوده بلغ رقما قياسيا عام 2008، حيث وصل إلى 133 عسكريا مقابل 115 عام 2007، والذي كان بدوره الرقم الأعلى منذ بدأت السلطات بإحصاء عدد المنتحرين بالجيش وتفيد إحصاءات الجيش أن 30% من عمليات الانتحار قام بها جنود لدى إرسالهم في مهمات، وأن ثلاثة أرباع هؤلاء الجنود كانوا يقومون بأولى عملياتهم. وانتحر جندي من كل ثلاثة (35%) لدى عودته من مهمة، استغرقت عموما أكثر من سنة بعد عودته إلى قاعدته وكانت دراسة أمريكية مستقلة كشفت في عام 2008 أن حوالي 300 ألف جندي أمريكي عائدين من العراق وأفغانستان يعانون من أعراض الإجهاد الذهني أو الاكتئاب، ويتلقى حوالي نصفهم فقط الرعاية الصحية. وإضافة إلى ارتفاع معدلات الانتحار، كشفت وزارة الدفاع الأمريكية في مايو 2009 عن زيادة عدد القتلى والجرحى في صفوف جنودها في العراق وأفغانستان في هجمات جماعات المقاومة في البلدين، والتي تعد من أبرز أسباب الأمراض النفسية التي تلحق ببقية الجنود. وقالت الوزارة إن عدد القتلى من الجنود الأمريكيين في العراق وصل إلى أربعة آلاف و297 قتيلا، بينما وصل عدد الجرحى إلى 31 ألفا و267 جريحا، ويوجد 140 ألف جندي أمريكي في العراق الذي احتلته الولاياتالمتحدة في عام 2003. وفي أفغانستان التي تضم أكثر من 40 ألف جندي أمريكي ضمن قوات تحالف الناتو منذ عام 2001 وصل عدد القتلى الأمريكيين إلى 679 قتيلا، بينما وصل عدد الجرحى إلى ألفين و828 جريحا.