عندما يقول أستاذ القانون الدولى الأمريكى «بروفسير ريتشارد فولك» الذى يعمل فى جامعة برنستون منذ أربعين عاماً.. منذ متى كانت واشنطن تغضب وتثور دفاعا عن المنظمات الأهلية فى بلد أجنبى؟ إن الناطقين الأمريكيين باسم تلك المنظمات يتعاملون مع الإجراءات التى اتخذت بحقها فى مصر باعتبارها تدخلاً فى أنشطة منظمات حكومية خيِّرة وغير مسيسة، منخرطة فى مساعدة المصريين فى تحقيق التحول الديمقراطى، وهذا التعميم إذ صح فى جوهره إلا أنه يعكس أيضا حالة بائسة من الجهل وربما انطوى على خداع متعمد، ذلك أن وصف تلك المنظمات بأنها غير حكومية أو أنها تعبر عن المجتمع المدنى هو تزييف للواقع، لأن الوصف الأكثر تطابقاً مع طبيعتها هو أنها منظمات حكومية غير رسمية، المعهد الجمهورى الدولى والمعهد الوطنى الديمقراطى يحصلان على كل تمويلهما من الحكومة وقد تأسستا فى الأصل عام 1983 عقب خطاب الرئيس الأمريكى الأسبق رونالد ريجان أمام البرلمان البريطانى ودعا فيه إلى تقديم العون للبلدان غير الغربية من أجل مساعدتها على إقامة البنى الديمقراطية ومنذ لحظة إنشائهما وهما يحصلان على تمويل سخى بملايين الدولارات من خلال منح سنوية يقدمها الكونجرس ورغم أنهما يدعيان أنهما غير حزبيين إلا أن كليهما تابع صراحة لأحد الحزبين السياسيين المسيطرين فى الولاياتالمتحدة وله مجلس إدارة ولديه موظفون ومستشارون أغلبيتهم العظمى مسئولون وموظفون حكوميون سابقون مرتبطون بهذين الحزبين السياسيين الأمريكيين، والطابع الأيديولوجى والحكومى لهاتين المنظمتين تلخصه طبيعة قيادتيهما إذ إن وزيرة الخارجية إبان عهد كلينتون « مادلين أولبريت» هى رئيسة مجلس إدارة المعهد الوطنى الديمقراطى فى حين أن المرشح الجمهورى السابق للرئاسة «جون ماكين» يتولى المنصب ذاته فى المعهد الجمهورى الدولى أما بيت الحرية فإنه يعتمد فى تمويله على الوقف الوطنى، كما أنه مرتبط بالسياسات الحزبية الأمريكية وقد أنشئ عام 1941 كبادرة مشتركة من الحزبين خلال الحرب الباردة «واعتبر الكاتب أن نشاط المنظمات الثلاث فى مصر كان تدخلاً مقنعاً للسياسة الداخلية للبلاد مما يمثل تهديداً لاستقلالها السياسى، ومن الحكمة أن تصر مصر على أن تلك المنظمات المرتبطة بالحكومة الأمريكية يجب أن تسجل لتحصل على ترخيص بالعمل بها، وأضاف إن السويد لو عرضت أن تقدم مساعدات للولايات المتحدة فى مجال الديمقراطية لقوبل بالرفض المستهجن باعتباره مهيناً لسيادة الولاياتالمتحدة، وأهم ماقاله أيضا أن التحقيقات الموثقة أثبتت أن المعهدين الجمهورى والديمقراطى قد لعبا أدواراً فى زعزعة استقرار حكومات أجنبية معادية للسياسة الأمريكية، الأول أسهم فى تمويل الانقلاب فى هايتى للتخلص من حكومة برتران أرستيد واستبداله بسلطة أخرى رجعية، كما كان له دور فى تقوية أحزاب الوسط ويمين الوسط ببولندا، الأمر الذى يُعد تدخلاً فى شأنها الداخلى !! لم يكن يمزح ولايهرطل الأستاذ القانونى المخضرم «ريتشارد فولك» فى كلامه هذا بل إنه كتبه فى مقال تناقلته مواقع عدة أهمها «الجزيرة نت»، لقد كنا نعرف هذا من قبل وكتبنا وحذرنا من هذه المنظمات التى تثير الفوضى وزعزعة الأمن والاستقرار فى البلاد وقلت بالحرف الواحد إن السماح بعملها ماهو إلا تقنين للعمل الاستخباراتى فى مصر على مسمع ومرأى من الحكومة، ولكن أن يجئ هذا المعنى على لسان أمريكى فيصبح للكلام مغزى أكثر تأثيراً ولن يهاجمه أحد من أصحاب حانات حقوق الإنسان التى انتشرت بطول الأرض وعرضها بشكل يثير الريبة والشك حول طبيعة عملها الحقيقى بعيداً عما يصرحون به عبر الفضائيات الملعونة ! ومن المفارقات الغريبة والتى تدعو إلى السخرية أن معظم مَن يعملون فى تلك الحانات الحقوقية ومَن يدافعون عنها باستماتة ويهاجمون موقف الحكومة من هذه المنظمات بشراسة هم ممن كانوا يرتدون قميص الماركسية تارة وقميص عبد الناصر تارة أخرى، وكلنا يعلم الموقف الوطنى الشجاع للزعيم الراحل من المعونة الأمريكية رحم الله عبد الناصر ورحم مصر من أبنائها العاقين الجبناء!