خلافة البابا ذلك المصطلح الذي أصبح تداوله "طبيعيا" بعد سنوات من الحظر، هو بالنسبة للكنيسة بركان تفوح منه ألسنة اللهب على خلفية رحيل البابا شنودة الثالث بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية ، وتتمدد تأثيراته عبر ذكر الصراع البارد بين الأساقفة على اعتلاء عرش "مارمرقس"،هذه المرة لن يرد البابا، لن ينحسر الضوء عن المرشحين للخلافة، وإنما سيسلط الضوء كرها على قيادات الكنيسة بدءا من القائم بأعمال "قائمقام البطريرك"، مرورا باللجنة المشرفة على الانتخابات الباباوية، وأعضائها من المجلس الملي والمجمع المقدس، وانتهاء بالخمسة الكبار المرشحين لخلافة البطريرك. حسب دوائر مقربة ينحصر التنافس بين الأساقفة الخمس الكبار في مقدمتهم الأنبا بيشوي سكرتير المجمع المقدس ،والتلميذ النجيب للبابا شنودة ،والأنبايؤانس سكرتير البابا والأسقف العام ومخزن الأسرار الكنسية ،والأنبا موسى أسقف الشباب الملقب بالأسقف المحبوب ،واثنين من الرهبان أحدهما من دير أبومقار غير معروفين لوسائل الإعلام.،ولكل أسقف مقام معلوم داخل الوسط الكنسي ،ونفوذ يمكنه وفقا ل"تصوره" من حسم المقعد ،أو على الأقل الوصول إلى المرحلة النهائية "القرعة الهيكلية". تقليدية الطرح لم تعد مجدية في مرحلة مابعد البابا شنودة ،وثمة أسباب دافعة إلى القفز على أسباب على "روتينية" تكرار سيناريوهات الصراع على الخلافة ،من حيث إجترار معلومات أرشيفية عن المرشحين للمقعد ،والظرف الراهن الذي يتمثل في حالة الفراغ الكنسي التي أحدثها رحيل البابا شنودة. استقراء الأوضاع داخل الكنيسة في تلك اللحظة الحرجة ،بات أمرا لازما ،باعتبار تعرض الكنيسة لهزة عنيفة جراء خلو المقعد ،جرت العادة داخل الكنيسة القبطية على تعيين "قائمقام " يحل محل البابا بعد رحيله،وفقا لترشيحات المجمع المقدس ،ثم تعيين لجنة معاونة لإدارة شئون الكنيسة من أعضاء المجمع تختص بإعلان موعد الإنتخابات ،وتلقي أوراق المرشحين ،مع تشكيل لجنة لفحص الطعون دون أن تتدخل اللجنة أو قائمقام البطريرك في سيامة أساقفة جدد. سيناريو مابعد البابا شنودة أكثر تعقيدا من نواح عديدة ،أبرزها سيطرته الكاملة على الأساقفة ،حنكته غير المسبوقة في التعامل مع المتغيرات على الصعيدين المحلي والدولي. وحسبما أفاد أسقف بارز بالكنيسة ،فإن رحيل البابا أحدث اهتزازا عنيفا في الوسط الكنسي ،لكن القواعد الكنسية ستساعد المجمع في اختيار قائمقام توافقي ،مرجحا أن يكون الأنبا ميخائيل مطران أسيوط هو الأوفر حظا في إدارة المرحلة الإنتقالية ،باعتباره أكبر الأساقفة سنا وسيامة ،وبحسب تاريخ الأنبا ميخائيل الذي رسم أسقفا منذ 65عاما ،سيزداد الأمر تعقيدا لإحتمالية إعتذاره مثلما فعل في مرحلة ما بعد البابا كيرلس ، وتقاليد ميخائيل الملقب ب"عميد اساقفة الصعيد "تبدو غير متناسبة مع أهواء عدد من قيادات المجمع ،ويبطل العجب في ذلك إذا عرف أن الرجل لم يبرح مكانه منذ عشرات السنين ،كما أنه لم يذهب مطلقا للعلاج خارج مصر مثلما يفعل كبار الأساقفة ،غير أن ميخائيل ينفرد بمعاصرة 3من الساقفة هم على الترتيب "الأنبا يوساب ،كيرلس ،ثم البابا شنودة". ويضيف الأسقف البارز أنه في حال اعتذار الأنبا ميخائيل فإن البديل سيكون الأنبا باخوميوس أسقف البحيرة ،والمعروف بأسقف التوازن باعتبار أنه ليس محسوبا على أجنحة الصراع على الخلافة .،إلى جانب قدرته الفائقة على التنظيم والإدارة وتعاونه المستمر مع كافة أعضاء المجمع ،وعلاقته الطيبة بالبابا شنودة والذي كان يوكل إليه مهام خاصة في بعض الأحيان. امتداد الفترة الإنتقالية أو أيام الفراغ الكنسي غير محددة المدة ،وإنما يخضع بحسب تأكيد الأسقف إلى ظروف الكنيسة ،مدللا على تأكيده باستمرار فترة مابعد البابايوساب حتى البابا كيرلس لمدة 3سنوات،والقضية ليست في طول المدة أو قصرها بقدر ماهي في في تشابك المتغيرات المرتبطة بأجنحة الصراع في المجمع المقدس ،ووفقا لتصريحات الأسقف فإن قائمقام البطريرك سينأى بنفسه تماما عن طرفي الصراع،لكنه لن يستطيع عزل الأساقفة من مناصبهم باعتبار أن ذلك جزء أصيل من اختصاصات البابا. عبء اللجنة المشرفة على الإنتخابات والتي يصدر بها قرار رسمي من الدولة سيكون مضاعفا ،نظرا لحالة الإستقطاب التي ستعلن خلال أيام الفراغ بين الأجنحة المتصارعة،غير ميثاق شرف سيقره المجمع المقدس بين المرشحين للخلافة حفاظا على هيبة الكنيسة ،لافتا إلى أن الإنتخابات المؤهلة لمقعد البطريرك يفتح باب الترشيح لها خلال أربعين يوما من رحيل البابا،مشترطة أن يكون الراهب قد أمضى 15سنة في الرهبنة في حين لايقل سنه عن أربعين عاما. بعدها تقوم اللجنة بفحص الأوراق واستبعاد المطعون في أحقيتهم،وتصفية المرشحين إلى سبعة أساقفة أوخمسة ،يصعد من بينهم 3حاصلين على أعلى الأصوات ،ثم الإجراء النهائي وهو القرعة الهيكلية . طبيعة الصراع بين الأساقفة المتنافسين في أيام الفراغ لابد أن يضبط ب"إطار كهنوتي"حسبما يفيد ،لافتا إلى أن سخونة المعركة تشبه الأنتخابات البرلمانية ،لكن شكل الدعاية يقتصر على اللقاءات والمكالمات الهاتفية ب"الكبار" الأكثر تأثيرا. أول المعارك المتوقعة في مرحلة ما بعد البابا هي لائحة إنتخاب البطريرك،وهي التي يقود غمارها منذ سنوات جبهة العلمانييين الأقباط،بعد أن وضعت أوزارها على أعتاب المقر البابوي طوال فترة البابا شنودة. يقول الأسقف إنه بإمكان المجمع المقدس أن يعدل لائحة انتخاب البطريرك في الفترة الإنتقالية نفي حال قبول المقترحات والبنود المطلوب تعديلها ،واصفا مرحلة الفراغ بأنها الأخطر في ظل التحول المجتمعي بعد الثورة. رؤية جبهة العلمانيين الأقباط تختلف جذريا مع توقعات الأسقف البارز من ناحية،مواصلة النضال على تغيير لائحة البطريرك ،حسبما أفاد مؤسس الجبهة كمال زارخ ،لافتا إلى أن الأقباط العلمانيين أعدوا مشروع لائحة جديدة،تشترط إقتصار ترشيح الرهبان الذين لم يمارسوا رعاية "إبراشية"،باعتبار أن رعاية الأبراشيات تعتبر زواج للأسقف ،في حين أن الراهب من خارج الإبراشية يظل على مسافة واحدة من الجميع. وتنص لائحة العلمانيين الأقباط على ضرورة توسيع قاعدة المشاركة في الإنتخابات باعتبار أن الجمعية العمومية التي لها حق الإنتخاب لاتتجاوز 1000شخص طبقا للائحة 57وهم "المطارنة والأساقفة ،ورؤساء الأديرة ووكلائها،وأعضاء مجلس الشعب الحالييين والسابقين ،والوزراء السابقين والحاليين وأصحاب الصحف ورؤساء تحريرها،ومحرري الصخف اليومية من الأقباط بشرط عضوية نقابة الصحفيين. مطالب العلمانييين بحسب زاخر ستمتد غلى المطالبة بإلغاء القرعة الهيكلية باعتبارها دخيلة على الكنيسة ،ويتسطرد قائلا"الظروف التي وضعت فيها اللائحة مليئة بالملابسات ،لافتا إلى أن الرئيس عبدالناصر كان يخشى من وصول شاب من مدارس الأحد إلى البابوية، وأقرت الحالة للإطمئنان على جلوس البابا كيرلس. من جانبه قال المفكر القبطي جمال أسعد إن المجمع المقدس الآن يمر بمرحلة من غنعدام التوافق ،لافتا إلى تطلعات بعض الأساقفة لإعتلاء المقعد. وأضاف أسعد ستمر الكنيسة في مرحلة مابعد البابا بمعضلة الدو السياسي الذي كان يلعبه البابا شنودة ،وإقصاء العلمانيين عن إدارة الكنيسة ،وبالتالي سيجد البطريرك القادم نفسه بين مطرقة "السير على نهج الماضي "،وسندان العودة إلى الدور الروحي، والإكتفاء بممارسة دور الكنيسة فقط. أسعد ذو الخبرة السياسية والكنسية استبعد ترشيح الأنبا باخوميوس للمنصب، مرجحا تولي الأنبا موسى إدارة المرحلة الإنتقالية. ووفقا لتحليلات الدوائر القريبة فإنه لايستطيع أحد التكهن بالبابا القادم، باعتبار أنه قد يكون راهبا غير معلوم للرأي العام مابين أيام الفراغ الكنسي وفتح باب الترشيح البابوية ستنكشف حلقات الصراع بين الأساقفة وأوصاف البابا القادم حسبما ترتئيه الأوساط القبطية.