تحقيق: إسلام أبوخطوة / تصوير - أحمد بسيونى مع صباح كل يوم نقرأ فى عناوين الصحف حوادث مرورية وإراقة دماء عشرات من ركاب وقائدى السيارات على الطريق الدائرى، الذى يبلغ طوله 100 كيلومتر. ويصل الطريق الدائرى بين محافظاتالقاهرة الكبرى الثلاث، وهى القاهرة والجيزة والقليوبية، وفى بداية إنشائه كان هدف الطريق تخفيف الزحام المرورى فى شوارع العاصمة، لكن مع مرور الوقت أصبح الطريق بمثابة تذكرة السائق إلى دار الآخرة، لما يعانيه من صعوبات صنعتها أيادٍ بشرية بعيدًا عن أعين الأجهزة التنفيذية للدولة، منها السلالم العشوائية وغيرها من المواقف على الجانبين والمطالع الأسمنتية غير مطابقة للمواصفات الفنية. ويعود تاريخ «الدائرى» إلى عام 1986، حينما بدأت وزارة الإسكان إنشاءه، وتم الانتهاء منه بالكامل عام 2005 بإجمالى أطوال 100 كيلومتر، وعرض حارتين لكل اتجاه وذلك على مراحل متعددة، ثم تسلمته وزارة النقل ممثلة فى الهيئة العامة للطرق والكبارى وبدأت فى تطويره حتى أصبح 3 حارات من القطامية حتى السويس و4 حارات فى باقى الطريق. سيارات «ميكروباص» تصطف على جانبى الطريق لتحميل الركاب، وأصوات المشاجرات تعلو بين السائقين بعدما اشتد الزحام، مشاهد اعتاد عليها مستقلو السيارات على الطريق الدائرى بشكل يومى، كما اتخذ الأهالى من بعض «المدقات الرملية» طرقاً غير قانونية لسير السيارات. فمع انتشار «المدقات» زادت حالات الوفيات بين المواطنين وقائدى السيارات، ومع غياب الرقابة على الطريق يخرج أحد المواطنين بسيارته مسرعًا عبر أحد المدقات، ليفاجأ بآخر مقابل له على أقصى سرعته ثم يعجز عن تفاديه وتحدث الكارثة. ووفقًا للإحصائية الأخيرة التى أعدتها إدارة المرور التابعة لوزارة الداخلية، التى أكدت أن محور المريوطية وحده شهد العام الماضى فقط 673 حادثاً ما بين المنيب والمريوطية، و474 حادثاً من المريوطية لطريق الواحات، و339 حادثاً من محور المريوطية لمنطقة حازم حسن، فى حين تعددت الحوادث على المحور هذا العام لتصل إلى نحو 10 حوادث، تنوعت ما بين سقوط السيارات من أعلى الكوبرى، وتصادم سيارات النقل بالسيارات الملاكى. الأهالى أنشأوا «مدقات» على جانبى الطريق موظف: مفيش مرة باروح الشغل بدرى «الوفد» أجرت جولة ميدانية على الطريق الدائرى لترصد روايات الأهالى حول أسباب إنشائهم هذه المدقات والسلالم، وقالوا إنها وسيلة للوصول إلى الطريق فى أقرب وقت للحاق بالمواصلات من أجل الوصول للعمل فى الميعاد المحدد. مفيش مرة بروح شغلى فى ميعادى بهذه الكلمات استهل على عبدالباسط، موظف، كلامه عن معاناته فى منطقة البساتين، وقال إنه يقف لأكثر من ساعة حتى يستطيع أن يستقل سيارة للذهاب إلى عمله فى منطقة المهندسين، فضلًا عن سيره عدة كيلومترات، لكى يجد مكانًا مناسبًا تقف فيه السيارات. وأشار الموظف إلى أن الأهالى أنشأوا هذه المدقات لتسهيل الصعود إلى الكوبرى سواء للسيارات أو المشاة، ولكن مع الأيام تزايدت حدة انتشارها على طول الطريق الدائرى، لتصبح مصدراً لموت مئات المواطنين. وتابع: «الأهالى استغلوا غياب الجهات التنفيذية فى تنفيذ فكرة المطالع والسلالم اليدوية للوصول أعلى المحور وفيه ناس كتير بتموت علشان مش عارفين إن كل الاتجاهات اللى بتطلع فيها السيارات عكس وغير قانوني». الأمر نفسه قاله عيسى جرجس، طالب جامعى، وأشار إلى أن الطلاب يواجهون مشكلات كبيرة فى أن استقلال المواصلات للذهاب إلى جامعاتهم بسبب صعوبة المواصلات على الطريق الدائرى. بصحى الساعة 7 الصبح علشان أروح محاضرة الساعة 10.. يكمل الطالب حديثه، وقال إن الأهالى ابتكروا قصة «السلالم اليدوية» من أجل أن يستقل الطلاب المواصلات من أمام منازلهم حتى يطمئن عليهم أولياء أمورهم بدلًا من السير لعدة كيلومترات للوصول إلى مكان خاص لتحميل الركاب. واستطرد: «فيه حوادث كتير بتحصل هنا فى البساتين بسبب المطالع اليدوية اللى بناها الأهالى بتخلى خط سير السيارة معاكس للطريق الصحيح وده اللى بيسبب الحوادث. وقال عامل رفض ذكر اسمه، إنه بنى سلم بمعاونة أهالى المنطقة فى المنيب لتسهيل الصعود أعلى الطريق الدائرى بدلًا من السير لعدة كيلومترات للوصول إلى الموقف، وتابع: «بنخاف على عيالنا لما يمشوا مسافة على الطريق الدائرى علشان يوصلوا لموقف ياخدوا منه مواصلة.. فبنينا السلم علشان يكونوا قدام عنينا». وأشار العامل إلى أن من ضمن أسباب إنشاء، مثل هذه المطالع اليدوية والسلالم، مراعاة كبار السن المقيمين بجوار الطريق الدائرى، فبدلًا من السير لفترات طويلة وهم يعانون المرض، يستطيعون الخروج فى أقرب مسافة لأول مواصلة على الطريق، والعكس حال عودته على الطريق فيمكنه النزول أمام منزله مباشرة، فضلاَ عن الاطمئنان على الفتيات، خصوصاً اللاتى يعدن فى فترات متأخرة من الليل. «بنحفر القبر بأيدنا علشان نوصل الشغل فى ميعاده».. يكمل العامل حديثه، ويقول إن عدداً كبيراً من الأهالى يعلمون جيدًا مخاطر تلك الطرق على أمنهم وسلامتهم وسلامة أبنائهم ولكن لا يجدون مفرًاً سوى ذلك من أجل ملاحظة أبنائهم أمام منازلهم وبناتهم والوصول إلى المواصلات بأسرع طريق بدلًا من التأخير لفترات طويلة ما يضر بمستقبلهم فى العمل. سائقو الميكروباص: «الدائرى ملىء بالمخالفات.. والحكومة محلك سر» «الدائرى ملىء بالمخالفات والحكومة محلك سر».. جملة اجتمع عليها عدد من سائقى الميكروباص مرتادى الطريق الدائرى، وقالوا إن عدداً كبيراً من الأهالى المقيمين على طول الطريق الدائرى أقاموا سلالم يدوية ومطالع غير سوية معاكسة للطريق الأساسى، وكل هذا لتسهيل الوصول للطريق الدائرى فى أقصر وقت. «كل يوم بنلاقى بلاوى بتطلع لينا من تحت» زكى منصور، سائق ميكروباص، قال إنه من مرتادى الطريق الدائرى بشكل يومى، وفى الفترة الأخيرة وجد عدداً من المواقف العشوائية على الطريق ما شكل خطورة على المواطنين وقائدى السيارات. وتابع: «من 11 سنة كان الطريق أمن للسواقين.. بس دلوقتى كل خطوتين ممكن أتفاجأ بحد طالع على الدائرى قدامي»، وأشار السائق إلى أن المطالع التى تم إنشاؤها من قبل الأهالى تشكل خطورة كبيرة عليهم فعدد كبير منها عكس الاتجاه، أو غير مطابق للمواصفات الفنية. «الكل بيرمى المسئولية على السائق».. يكمل «منصور» حديثه، وقال إن هناك عدداً من الحوادث يكون فيها السبب المواطن نفسه بسبب عدم أخذ حذره من الطريق، فيقوم بالصعود على السلالم إلى الطريق الدائرى وفور قدوم الميكروباص الذى ينتظره أو «السوزوكى» يحدث خللاً بعض الشىء فى الطريق خصوصاً إذا كان هناك زحام، وحال وقوع تصادم الجميع يلقى المسئولية على السائق دون أن يتحدثوا عن التجاوزات المتواجدة من قبل المواطنين سواء من إنشاء السلالم الخشبية أو المطالع الأسمنتية إلى الدائرى والذى يشكل عنصر المفاجأة لقائدى السيارات على الطريق، خصوصاً إذا كان يسير عليه للمرة الأولى. خبير أمنى: الطريق بوضعه الحالى يسهل نشاط المجرمين قال اللواء فؤاد علام، وكيل مباحث أمن الدولة الأسبق، الخبير الأمنى، إن السلالم اليدوية والمدقات والمطالع التى انتشرت على الطريق الدائرى يشكل خطورة كبيرة على أمن وسلامة المواطنين، وتسهل مهمة الخارجين عن القانون من البلطجية وتجار المخدرات وغيرهم فى التعدى على المارة والركاب وقائدى السيارات فى الفترات المتأخرة من الليل. وأضاف «علام» هناك العديد من الحوادث من هذا القبيل حدث خلال الفترة الماضية، وطالب إدارة المرور بتكثف التواجد على الطريق الدائرى، خصوصاً فى المناطق الشعبية، ومنها البساتين والمنيب والهرم، مشيراً إلى أن كثرة تواجد المواقف العشوائية على الدائرى يشكل خطورة أيضًا على أمن وسلامة المواطنين وقائدى السيارات. خبير هندسى: الدائرى معرض للانهيار قال الدكتور على زين العابدين، أستاذ التخطيط والنقل وهندسة المرور بكلية الهندسة، جامعة عين شمس، إن كثرة إنشاء، مثل هذه المطالع والمدقات والسلالم اليدوية من قبل الأهالى يشكل خطورة كبيرة على سلامة الكوبرى الدائرى ويهشم من أساساته ويضعف من قوته. وأضاف زين العابدين، أن حال استمرار الوضع على ما هو عليه سيشكل خطورة كبيرة على أمن وسلامة المواطنين، فمع مرور الوقت فإن الكوبرى عرضة للانهيار لتآكل الأساسات، مؤكداً أن إنشاء المطالع الخاصة بالسيارات للكوبرى يحتاج لفنيين ومتخصصين. المرور يستغيث بأحدث السيارات لرصد المخالفات العميد الدكتور أيمن الضبع، وكيل إدارة نظم معلومات المرور بوزارة الداخلية، قال فى تصريحات سابقة إن مخالفات المصريين خلال عام 15 مليون مخالفة، دخل خزانة الدولة ما قيمته 500 مليون جنيه، مشيراً إلى أن الخسائر التى تكبدتها الدولة تساوى 425 مليار جنيه، وفقًا لدراسة من أكاديمية البحث العلمى، وهو ما يعنى أن الأثر السلبى 300 ضعف الأثر الإيجابى، وإيرادات المخالفات بأكملها تودع فى خزانة الدولة، ووزارة الداخلية لا تتقاضى «مليماً» من المخالفات، بجانب شائعات حصول أمين الشرطة على 15% من قيمة المخالفات التى يحررها لا صحة لها. ومؤخرًا استعانت الإدارة العامة للمرور بسيارة حديثة لرصد المخالفات المرورية على الطرق وتم نشر عدد منها على الطريق الدائرى وطريق السويس الصحراوى والقطامية - العين السخنة. وكان عدد من المواطنين قد استغاثوا عبر حسابهم الخاص «فيس بوك» بالشرطة، لنجدتهم مما يواجهونه على الطريق الدائرى من التعدى عليهم وسرقتهم، وكان آخرهم فتاة تدعى دعاء صبحى، قالت إنها تعرضت للسرقة من قبل أشخاص يستقلون دراجات بخارية، خاصة فى وقت الذروة من الساعة 5 حتى 8 مساءً يوميًا. وقالت دعاء إنها تعرضت لتحطيم سيارتها من قبل سارقى السيارات، وحاولت إبلاغ الشرطة، لكنها لم تلق استجابة. وحكت دعاء صبحى قائلة: «فى طريق مرواحى كل يوم باخد الدائرى من المعادى للبحر الأعظم.. الطريق ده تقريباً واقف كل يوم من 5 ل 8 صباحاً ميعاد المرواح.. فى يوم شوفت اتنين على موتوسيكل فى الاتجاه التانى.. ماشيين عكس اتجاههم ومع اتجاهنا.. واحد شاور على عربية قدامى والتانى نزل عدى الجزيرة اللى فى النص فتح الباب على الراجل اللى فى العربية وشد تليفونه وطلع جرى على الموتوسيكل اللى مستنيه صاحبه به».