أن تجلس في مكان هادئ وترتشف فنجانا من القهوة على أنغام الموسيقى الخفيفة، فهذه متعة في حد ذاتها، لكنها سرعان ما تتضاعف، وتتحول إلى كرنفال فني خاص، حين يقدم لك الجرسون قطعة من السيراميك، وفرشاة وألوانا لترسم عليها ما يجول بخاطرك، وتكتشف أن ثمة فنانا هاربا بداخلك. تحت مظلة هذا الجو يستقبل كافيه «البنللو»، أو«كافيه سيراميك» بالقاهرة زبائنه من مختلف الأعمار، حيث التعبير عن النفس عن طريق الرسم والتلوين على قطع سيراميك مختلفة الأشكال والأحجام، مما يوفر طريقة جيدة للاسترخاء وقضاء وقت ممتع مع من تحب، بعيدا عن مشاغل الحياة اليومية. ويعد «البنللو» المقتبس من اسم فرشاة الألوان باللغة الإيطالية أول مقهى بالقاهرة من هذا النوع. وهو مصمم على الطابع السويسري الهادئ الذي يمزج الخشب بقطع الطوب. ويقوم الكافيه بتقديم مئات الأشكال من السيراميك الخام بلونه الأبيض، وأكثر من 30 لونا مختلفا، بالإضافة إلى تقديم المأكولات والمشروبات الساخنة والمثلجة أثناء قيام الزائرين برسم قطعهم الفنية. ومن أجل الاستمتاع بقضاء يومك داخل الكافيه، عليك أن تتبع 6 خطوات وهي: أن تختار قطعة من السيراميك والتي يتراوح ثمنها ما بين 40 و250 جنيها، ثم تقوم برسم ما تشاء على قطعتك بالقلم الرصاص، ويتم تثبيته فور ملامسته للنار داخل الفرن الخاص بالفخار، وبعد ذلك عليك أن تختار ما تشاء من الألوان المتاحة وتقوم بتلوين قطعتك الفنية، وعقب الانتهاء من عملك الفني يقوم الكافيه بتغطيته بطبقة من الجليز، وأخيرا حرقه في الأفران الخاصة ليصبح تحفة فنية يمكنك الاحتفاظ بها للذكرى. وقد تستغرق عملية الجليز والحرق عدة أيام، قد تصل إلى خمسة وأكثر. محمد فؤاد، مسئول أحد أفرع الكافيه بالقاهرة، يقول: «الكافيه يهتم بتعلم الأطفال أهمية اللجوء للرسم والتلوين للتعبير عما يدور بداخلهم، لذلك نقوم بتوفير فرصة استقبال أفواج من التلاميذ من خلال رحلات مدرسية ونقدم لهم عرضا ثمنه 60 جنيها مصريا مكونا من (قطعة سيراميك وطبق تشيكن كرسبي وعصير)». أضاف فؤاد أن «زائري الكافيه لا يقتصرون فقط علي المصريين، بل يشمل أيضا الأجانب بمختلف الجنسيات، ولكن قلت نسبة الأجانب عقب ثورة «25 يناير» وانتشار الانفلات الأمني داخل القاهرة. وأصبح أغلب الزوار من الشباب والأهالي مع أطفالهم، وتعد أيام الخميس والجمعة والسبت أكثر أيام الأسبوع إقبالا من الزوار». وهناك ثلاثة أفرع للكافيه داخل القاهرة، واحد في منطقة المهندسين (شارع المحروقي) والآخر في مصر الجديدة (ميدان هارون الرشيد)، والثالث في منطقة المعادي (شارع 9). وقد جاء بتلك الفكرة إلى مصر المهندس ماهر بغدادي عقب انتشارها بنجاح في الولاياتالمتحدة الأميركية. في «البنللو» بفرع المهندسين، تلاحظ إنه يتكون من طابقين خشبيين وحجرة في الهواء الطلق تزينها الأشجار على الجانبين. وفي الطابق السفلي حجرة تضم قطع السيراميك الخام التي يختار الزوار من بينها ما يناسبهم، بالإضافة إلى تعليق صور توضيحية باللغة الإنجليزية توضح مراحل صنع وتلوين السيراميك، حيث تعريف أهم المصطلحات الخاصة بتلك العملية الفنية، فعلى سبيل المثال «The Kiln» وهي تعني حجرة الفرن المستخدم في تحويل قطعة السيراميك إلى تحفة فنية غنية بألوان الجليز، و«Ornamenter» وهي كلمة نرويجية تمثل الحلي وقطع الديكور التي يقوم الشخص بتصميمها، وأيضا «Dish Maker» وهو الشخص الذي يقوم بصنع قطعة السيراميك بيديه. أما الطابق العلوي فهو يضم أماكن جلوس الزوار وأدوات الرسم والتلوين المستخدمة في العملية الفنية، بالإضافة إلى مكان لإعداد المأكولات والمشروبات، وكذلك عرض الكثير من الأعمال الفنية داخل براويز من الزجاج الأمامي للكافيه كفرصة لجذب انتباه المارة بالشارع وأيضا تتيح للزوار اختيار التصميم الخاص بقطعتهم الفنية. وتقسم قائمة الطعام إلى عدة وجبات، فتتميز وجبة الإفطار بمأكولاتها الخفيفة والقليلة الثمن، والتي تضم الأومليت والكروسون بأنواعه، وتتراوح أثمانها ما بين 8 و22 جنيها مصريا. وتقدم تلك الوجبة في العاشرة صباحا وحتى الواحدة ظهرا. أما وجبة الغداء، فيشتهر المقهى ببستا الأربياتا ومقبلات دجاج الكرسبي الخفيفة، وذلك بالإضافة إلى سلطة البنللو الخاصة والتي تتكون من (خس وتفاح وذرة ومشروم وطماطم وجبن بارميزان). إلى جانب شربة الطماطم والدجاج. ويمكنك أيضا تناول الأكلات السريعة من ساندويتشات وكريب متنوع الأطعمة. وإن أردت بعض الحلوى عقب تناول الطعام، فالكافيه يقدم أشهى الحلويات، ومن أبرزها الكيك البروني، والآيس كريم، وسلطة الفواكه الطازجة. وذلك بالإضافة إلى بعض المشروبات الساخنة والباردة، والتي يتراوح ثمنها ما بين 8 و12 جنيها مصريا. يرافق كل هذا اهتمام الكافيه بتنمية موهبة الزوار، خاصة الأطفال على روح الابتكار والفن، فهو أيضا يهتم بصحتهم الغذائية من خلال تخصيص قائمة طعام خاصة بهم، وتضم تلك القائمة وجبة دجاج البنللو المكون من دجاج بانيه وبطاطس محمرة، بالإضافة إلى ساندويتش هوت دوغ، وإسباغيتي نابوليتان. ومن الزوار المعتادين على البنللو كافيه، سارة ربيع، محررة بمؤسسة صحافية خاصة، والتي أوضحت أنها تستمتع بتذوق الطعام وسط استخدام فرشاة التلوين ووضعها على قطعة السيراميك. وأضافت أنها كثيرا ما تذهب للكافيه لتبحث عن منفذ تعبر من خلاله عن مشاعرها الداخلية من خلال الرسم والتلوين. وتضيف زميلتها ماري منير «أعجبتني بشدة فكرة تلوين قطعة السيراميك، خاصة أنها تتيح لي فرصة الاستجمام مع الفن، والتي تجعل عقلي صافيا من جميع المشاكل الحياتية الخاصة بالعمل أو البيت». *نقلا عن صحيفة الشرق الأوسط اللندنية بتصرف.
