بكام الفراخ البيضاء؟.. أسعار الدواجن والبيض في الشرقية اليوم الإثنين 21 أكتوبر 2024    صندوق الإسكان الاجتماعي يكشف شروط الحصول على شقة في الإعلان الجديد (فيديو)    مصادر أمنية لبنانية: إسرائيل تفجر قرى بأكملها في جنوب لبنان    سعر الذهب في مصر اليوم الاثنين 21-10-2024 في بداية التعاملات الصباحية    حالة الطقس ودرجات الحرارة المتوقعة اليوم الاثنين 21-10-2024    الصحة: تقديم الخدمة لأكثر من 2.4 مليون حالة بقوائم الانتظار    اللواء وائل ربيع: بيان الخارجية بشأن فلسطين قوي وجاء في توقيت مناسب    مشعل يرثي زعيم حماس يحيى السنوار.. ماذا قال؟    الزمالك ينتقد مستوى التحكيم في مباراة بيراميدز.. ويحذر من كارثة بنهائي السوبر.. عاجل    عاجل.. كولر «يشرح» سبب تراجع أداء الأهلي أمام سيراميكا ويكشف موقف الإصابات في نهائي السوبر    «زي النهارده».. تدمير وإغراق المدمرة إيلات 21 أكتوبر 1967    مقتل سائق «توك توك» بسبب خلافات الأجرة بعين شمس    حظك اليوم برج القوس الاثنين 21 أكتوبر 2024.. مشكلة بسبب ردود أفعالك    علي الحجار يستعد لتقديم موهبة جديدة في حفله بمهرجان الموسيقى العربية    أبرزهم هشام ماجد ودينا الشربيني.. القائمة الكاملة للمكرمين في حفل جوائز رمضان للإبداع 2024    عمرو مصطفى يكشف ذكرياته مع الراحل أحمد علي موسى    المتحف المصري الكبير يفتح أبواب العالم على تاريخ مصر القديمة    ماذا كان يفعل رسول الله قبل الفجر؟.. ب7 أعمال ودعاء أبشر بمعجزة قريبة    هل النوم قبل الفجر بنصف ساعة حرام؟.. يحرمك من 20 رزقا    فصائل عراقية تعلن شن هجوم على موقع عسكري إسرائيلي في الجولان    طريقة عمل الكريم كراميل، لتحلية مغذية من صنع يديك    وجيه أحمد: التكنولوجيا أنقذت الزمالك أمام بيراميدز    حسام البدري: إمام عاشور لا يستحق أكثر من 10/2 أمام سيراميكا    المندوه: السوبر الإفريقي أعاد الزمالك لمكانه الطبيعي.. وصور الجماهير مع الفريق استثناء    الاحتلال الإسرائيلى يقتحم مدينة نابلس بالضفة الغربية من اتجاه حاجز الطور    ناهد رشدي وأشرف عبدالغفور يتصدران بوسترات «نقطة سوده» (صور)    وزير الزراعة: توجيهات جديدة لتسهيل إجراءات التصالح في مخالفات البناء    إصابة 10 أشخاص.. ماذا حدث في طريق صلاح سالم؟    حادث سير ينهي حياة طالب في سوهاج    غارات عنيفة على الضاحية ببيروت وحزب الله يستهدف منطقة عسكرية.. فيديو    6 أطعمة تزيد من خطر الإصابة ب التهاب المفاصل وتفاقم الألم.. ما هي؟    «العشاء الأخير» و«يمين في أول شمال» و«الشك» يحصدون جوائز مهرجان المهن التمثيلية    هيئة الدواء تحذر من هشاشة العظام    نقيب الصحفيين يعلن انعقاد جلسات عامة لمناقشة تطوير لائحة القيد الأسبوع المقبل    قودي وذا كونسلتانتس: دراسة تكشف عن صعود النساء في المناصب القيادية بمصر    أحمد عبدالحليم: صعود الأهلي والزمالك لنهائي السوبر "منطقي"    تابعة لحزب الله.. ما هي مؤسسة «القرض الحسن» التي استهدفتها إسرائيل؟    مزارع الشاي في «لونج وو» الصينية مزار سياحي وتجاري.. صور    للمرة الرابعة تواليا.. إنتر يواصل الفوز على روما ولاوتارو يدخل التاريخ    واحة الجارة.. حكاية أشخاص عادوا إلى الحياه بعد اعتمادهم على التعامل بالمقايضة    تصادم قطار بضائع بسيارة نقل في دمياط- صور    كيف تعاملت الدولة مع جرائم سرقة خدمات الإنترنت.. القانون يجب    هل كثرة اللقم تدفع النقم؟.. واعظة الأوقاف توضح 9 حقائق    ملخص مباراة برشلونة ضد إشبيلية 5-1 في الدوري الإسباني    تصادم قطار بضائع بسيارة نقل ثقيل بدمياط وإصابة سائق التريلا    حبس المتهمين بإلقاء جثة طفل رضيع بجوار مدرسة في حلوان    النيابة تصرح بدفن جثة طفل سقط من الطابق الثالث بعقار في منشأة القناطر    النيابة العامة تأمر بإخلاء سبيل مساعدة الفنانة هالة صدقي    نجم الأهلي السابق: هدف أوباما في الزمالك تسلل    وفود السائحين تستقل القطارات من محطة صعيد مصر.. الانبهار سيد الموقف    قوى النواب تنتهي من مناقشة مواد الإصدار و"التعريفات" بمشروع قانون العمل    نائب محافظ قنا يشهد احتفالية مبادرة "شباب يُدير شباب" بمركز إبداع مصر الرقمية    عمرو أديب بعد حديث الرئيس عن برنامج الإصلاح مع صندوق النقد: «لم نسمع كلاما بهذه القوة من قبل»    جاهزون للدفاع عن البلد.. قائد الوحدات الخاصة البحرية يكشف عن أسبوع الجحيم|شاهد    بالفيديو| أمين الفتوى: لهذا السبب يسمون الشذوذ "مثلية" والزنا "مساكنة"    أمينة الفتوى: هذا الحل الوحيد لمشاكل الزوجين ولحفظ أسرار البيوت.. فيديو    مجلس جامعة الفيوم يوافق على 60 رسالة ماجستير ودكتوراه بالدراسات العليا    جامعة الزقازيق تعقد ورشة عمل حول كيفية التقدم لبرنامج «رواد وعلماء مصر»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الجذور التاريخية لجماعات الإرهاب والتكفير فى الإسلام (5-5)
نشر في الوفد يوم 20 - 12 - 2017

مؤخرًا اعلنت كل من العراق وسوريا القضاء على تنظيم الدولة الاسلامية «داعش»، بعد سنوات من المعارك والمواجهات التى أسفرت عن مقتل عشرات الآلاف من المواطنين، وتشريد الملايين فى شتى بقاع العالم، وتدمير البنية التحتية للدولتين، وإهدار عشرات المليارات من الدولارات، والإساءة إلى قيم الاسلام ومبادئه بممارسات لا تمت اليه بصلة.. نجحت محاولة استعادة الدولة فى الحالتين لعد معاناة شديدة وتدخلات سمحت لاطراف الصراع الدولى سواء أمريكا وحلفاءها أو روسيا فى ان تضع قدمها عسكريًا من جديد فى قلب الوطن العربى.
بينما تواصل مصر معركتها التى تزداد شراسة ضد محاولات اسقاط الدولة الوطنية المصرية، لا جديد فى تاريخنا فى مواجهة جماعات الإرهاب المتسربلة بالدين وإقامة الخلافة ودولة الشريعة، فهذه الجماعات تدرك ان عملياتها مهما تعاظمت فليس بمقدرها تحقيق اهدافها، ومصر نجحت عبر عقود طويلة فى مواجهة هذه المعارك وكسر شوكة الإرهاب.
العودة إلى قراءة التاريخ تؤكد فشل هذه الجماعات فى تحقيق اغراضها، فمنذ مقتل «عثمان» والخروج على «على» رضى الله عنهما، وخلال حكم الدولة الأموية ولفترة طويلة من حكم الدولة العباسية، فشلت جماعات الخوارج الأولى فى تحقيق أى أهداف لها على أرض الواقع، باستثناء انهم لعبوا الدور الأكبر فى انهاك الدولة الاسلامية فى صراعات داخلية لا تنتهى، ومعارك شبه دائمًا لا تتوقف يقتل فيها الشيوخ والأطفال وتسبى النساء وتستحل الأنفس والأعراض والأموال، وتزرع الخوف بين الامنيين.
المتابع لتاريخ هذه الجماعات سيدرك ان ذات السيناريو من ألف وأربعمائة سنة يتم استعادته واستدعائه مع رتوش متعلقة بتطورات الحياة وأدوات الصراع، فما اجتمع نفرًا منهم لا يتجاوز فى أحيان كثيرة المائة، حتى يرفعوا شعار الخروج والعداء للحاكم والمجتمع، فى معارك لا تنال إلا من الأمة ومقدرات شعوبها، ولا تصب فى النهاية إلا لصالح اعدائها المتربصين بها وبثرواتها.. والمثير ان هذه الجماعات منذ نشأتها لم تطلق قديما سهمًا واحدًا باتجاه أعداء الأمة، وإنما أعملت القتل والتخريب فى المدن والقرى ورقاب المسلمين وحتى المصلين فى المساجد... وحتى هذه اللحظة ما تزال اعمال التفجير والتفجير والإرهاب وقتل المصلين فى المساجد هى المستمرة فى ربوع البلاد الاسلامية ولم تطلق رصاصة واحدة دفاعا عن قضايا الامة الحقيقة.
واليوم تواصل «الوفد» عبر «مرصد مكافحة الإرهاب»، البحث فى الجذور التاريخية لجماعات الإرهاب والتطرف، من خلال عرض لأهم ثورات الخوارج خلال عصرى الدولة الأموية والعباسية لبيان الدمار الذى الحقته هذه الجماعات بالأمة الاسلامية والذى تواصل رسالته الفاسدة حتى الآن، بالإضافة إلى تقديم رؤية مستنيرة لمفهوم الدعوة، وبيان قواعد اليسر والتيسير التى حفلت بها الشريعة الاسلامية.
ثورات الخوارج.... رمح مسموم فى قلب الدولة الأموية
على مدار 91 عاما هى عمر تاريخ الدولة الأموية، خاض الأمويون مئات المعارك في مواجهة حركات الخوارج التى لم تتوقف لحظة واحدة، بل خرجوا علي خامس الخلفاء الراشدين عمر بن عبد العزيز، الذي امسك عن قتالهم ودعاهم للحوار وبيان لهم عوار وفساد موقفهم وحججهم الواهية، ومنذ ان بويع معاوية بالحكم بعد تنازل الحسن بن على له رضي الله عنهما، اندلعت ثورات الخوارج التى شهدت اعاقة نمو الدولة الاسلامية وأشاعت الخوف والفزع، وقتلت الآلاف من المسلمين دون ذنب او جريرة واستباحت الاموال والأعراض، وطبقا لكتب التاريخ الكامل لابن الأثير والبداية والنهاية لابن كثير كانت البداية خروج فروة بن نوفل الأشجعي، الذى اعتزل في خمسمائة من الخوارج قتال «على» فلما تولى معاوية خرجوا عليه سنة 41ه وتحركوا نحو الكوفة فأرسل اليهم معاوية جيشا فهزمه الخوارج، فأمر معاوية أهل الكوفة بقتال الخوارج وهددهم إن لم يفعلوا، فخرج الكوفيون لقتال الخوارج، فأخذت قبيلة أشجع ابنهم فروة فحادثوه ووعظوه فلم يرجع، فأخذوه قهراً وحبسوه فى الكوفة، فجعل الخوارج قائدا عليهم هو عبد الله بن أبي الحوساء الطائى، وقاتلهم أهل الكوفة وهزموهم وقتلوا ابن أبي الحوساء، في ربيع الأول سنة 41ه ،وسرعان ما عاد فروة للخروج ثانية فى ولاية المغيرة بن شعبة على الكوفة، فأرسل إليه المغيرة جيشا فالتقيا فى مكان يسمى بشهرزور فقتل فروة.
ولما قتل ابن أبي الحوساء اجتمع الخوارج فولوا أمرهم حوثرة بن مسعود، واتجهوا نحو الكوفة، فدعا معاوية أبا حوثرة وقال له اخرج إلى ابنك فلعله يرق إذا رآك، فخرج إليه وكلمه وناشده وقال ألا أجيئك بابنك فلعلك إذا رأيته كرهت فراقه؟ فقال أنا إلى طعنة من يد كافر برمح أتقلب فيه ساعة أشوق مني إلى ابني، فسير معاوية إليهم عبد الله بن عوف، وبارز حوثرة عبد الله بن عوف فطعنه ابن عوف فقتله وقتل أصحابه.
ثم خرج شبيب بن بجرة، وكان مع ابن ملجم حين قتل عليا ولكنه نجح فى الهرب، وكان إذا جن عليه الليل خرج فلم يلق أحدا إلا قتله، فأرسل اليه المغيرة والي الكوفة جيشا فاقتتلوا فقتل شبيب وأصحابه.
وخرج سهم بن غالب الهجيمي في سبعين رجلا، فنزلوا بين الجسرين والبصرة، فمر بهم الصحابي عبادة بن فرص الليثي ومعه ابنه وابن أخيه، فقال لهم الخوارج: من أنتم ؟ قالوا قوم مسلمون، قالوا : كذبتم، قال عبادة: سبحان الله! اقبلوا منا ما قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم مني، فإني كذبته وقاتلته ثم أتيته فأسلمت فقبل ذلك مني، قالوا أنت كافر وقتلوه وقتلوا ابنه وابن أخيه، فخرج إليهم ابن عامر والى معاوية على البصرة فقتل منهم عددا كبيرا، وعرض على الآخرين الأمان فقبلوه ومنهم سهم فآمنهم فرجعوا.
ثم خرج ثانية فاجتمع حوله جماعة، فأقبل بهم إلى البصرة، فأخذ قوما فقالوا نحن يهود فخلاهم، بينما قتل مولى قدامة بن مظعون احد الصحابة رضي الله عنهم، فلما وصل إلى البصرة تفرق عنه أصحابه، فطلب الأمان فلم يؤمنه زياد والى البصرة، وبحث عنه حتى قبض عليه فقتله وصلبه في داره عام 45 ه.
خرج الخوارج بزعامة المستورد بن علفة في ثورة كبيرة عام 43 ه، فأرسل المغيرة بن شعبة اليهم جيشا بقيادة معقل بن قيس، واقتتلوا طويلا أشد قتال، ثم نادى المستورد نادى معقلا ليبرز إليه فبرز إليه فطعنه المستورد برمحه فخرج السنان من ظهره، وتقدم معقل والرمح فيه إلى المستورد فضربه بالسيف فخالط دماغه فوقع المستورد ميتا ومات معقل أيضاً.
ثم خرج قريب بن مرة وزحاف بن زحر الطائي سنة 50ه، فأعملوا القتل فى كل من وجدوه امامهم، وقتلوا شيخا كبيرا متعبدا من بني ضبيعة، وكان رجل من بني قطيعة حين سمع بهم أخذ سيفه فناداه فنادوه وقالوا له نحن من الشرطة فلا تخف ثم قتلوه، فثار عليهم الناس وهاجموهم وقتلوهم جميعاً.
فى عام 52 ه خرج زياد بن خراش العجلي في ثلاثمائة فأرسل اليه زياد جيشا بقيادة سعد بن حذيفة فقتلوهم.
وفى عام 58 ه خرج طواف بن غلاق، وكان قوم من الخوارج بالبصرة يجتمعون إلى رجل، فأخذهم ابن زياد فحبسهم ثم دعا بهم وعرض عليهم أن يقتل بعضهم بعضا ويخلي سبيل القاتلين، ففعلوا، فأطلقهم، وكان ممن قتل طواف فعابه أصحابهم وقالوا: قتلتم إخوانكم! قالوا: أُكرِهنا وقد يكره الرجل على الكفر وهو مطمئن بالإيمان، وندم طواف فدعا أصحابه إلى الخروج للفتك بابن زياد، فبايعوه ومضوا ودخلوا البصرة وذلك يوم عيد الفطر فقاتلهم اهلها حتى قتلوا طواف وصلبوه.
وفى عام 61 ه خرج أبو بلال مرداس فى أربعين رجلا إلى الأهواز، فكان إذا اجتاز به مال أخذ منه عطاءه وعطاء أصحابه ثم يرد الباقي، فأرسل اليه ابن زياد جيشا عليهم أسلم بن زرعة، فهزمه ابو بلال وأصحابه، فوجه اليهم ابن زياد جيشا بقيادة أسلم بن زرعة الكلابي فهزمه بلال، فأرسل اليهم جيشا اخر بقيادة عباد التميمي، فهاجمهم وقتلهم اثناء الصلاة.
نجدة...قاد أخطر الثورات وقتله أصحابه
هو نجدة بن عامر بن عبد الله بن ساد بن المفرج الحنفي،و وكان مع نافع بن الأزرق ففارقه،واستولى على اليمامة، وسبى ما يزيد على أربعة آلاف من الرجال والأطفال والنساء وقسمه بين أصحابه، وسطا على قافلة خرجت من البحرين كانت ذاهبة للزبير بمكة.
وأعمل القتل فى بني كعب بن ربيعة، واستولى على البحرين بعد أن قاتل قبائل عبد القيس وقتل وسبى منهم أعدادًا كبيرة، وأرسل سرية إلى الخط فظفر بأهله، فأرسل إليه مصعب بن الزبير عبد الله بن عمر الليثي في أربعة عشر ألفا فغافله نجدة ليلا وأعمل القتل في معسكره وهزمهم.
وبعث نجدة جيشًا إلى عمان بقيادة عطية بن الأسود فاستولى عليها، ثم أغار نجدة على بني تميم بكاظمة، وأهل طويل فقتل منهم اربعين رجلا وسبى، ثم سار نجدة إلى صنعاء فبايعه أهلها خوفا منه ،وبعث نجدة أبا فديك إلى حضرموت فجبى صدقات أهلها.
وقيل إنه حج لمكة وصالح ابن الزبير على أن يصلي كل واحد بأصحابه، ثم سار للمدينة فتأهبوا لقتاله وعلم أن عبد الله بن عمر يقودهم فخشى ورجع للطائف، فأتاه عاصم بن عروة بن مسعود الثقفي فبايعه نيابة عن اهلها فلم يدخلها ورجع نجدة إلى البحرين فقطع الميرة عن أهل الحرمين منها ومن اليمامة، فكتب إليه ابن عباس : إن ثمامة بن أثال لما أسلم قطع الميرة عن أهل مكة وهم مشركون، فكتب
إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إن أهل مكة أهل الله فلا تمنعهم الميرة، فجعلها لهم، وإنك قطعت الميرة عنا ونحن مسلمون. فجعلها نجدة لهم.
وسرعان ما دب الخلاف بينه وبين اصحابه، لأسباب نقموها منه، فمنها أن أبا سنان حي بن وائل أشار عليه بقتل من أجابه تقية، فشتمه نجدة وهمَّ بالفتك به، وأن نجدة سير سرية بحرا وسرية برا، فأعطى سرية البحر أكثر من سرية البر، فنازعه صاحبه عطية بن الاسود حتى أغضبه، فشتمه نجدة، فغضب عليه عطية وعمل على تأليب الناس عليه،وقيل لنجدة إن رجلًا شرب الخمر في عسكره فقال : هو رجل شديد النكاية على العدو وقد استنصر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالمشركين.
فتفرق أصحابه عنه وولوا أمرهم أبا فديك عبد الله بن ثور، أحد بني قيس بن ثعلبة، فهرب نجدة وتخفى في قرية من قرى حجر، ثم هرب لأخواله من بني تميم و أراد الذهاب الى الخليفة عبد الملك، فذهب لبيته ليعهد إلى زوجته، فهاجمه اصحاب أبي فديك فقتلوه، ولما قتل نجدة انقسم بعض أصحاب أبي فديك عنه وفارقوه، وطعنه مسلم بن جبير اثنتي عشرة ضربة بسكين فقتل مسلم وبرا أبو فديك .
واستقر الامر لأبي فديك، فأرسل اليه عبد الملك بن مروان عمر بن عبيد الله في جيش به عشرة آلاف مقاتل من اهل الكوفة والبصرة، فالتقوا بأبى فديك وأصحابه بالبحرين، ودارت بينهم معركة عنيفة انتهت بمقتل معظم جيش الخوارج وقتل ابو فديك، ويقال انه قتل منهم نحو ستة آلاف وأسر ثمانمائة.
دعاة الحق.. قتلوا المصلين فى المساجد وأحرقوا القرى
وتواصل خروج الخوارج على الدولة الأموية، ولكنه ازداد عنفًا وقسوة ولم يرعوا قرابة ولا نسب و لا دين، وقتلوا المصلين فى المساجد، ففى عام 76 ه خرج صالح بن مسرح التميمى وأصحابه، فأرسل إليهم محمد بن مروان جيشا بقيادة عدى الكندى فهزموه، فأرسل إليهم جيشًا آخر بقيادة فاقتتلوا أشد قتالا، وهرب صالح وأصحابه إلى الدسكرة، فأرسل إليهم الحجاج جيشًا من أهل الكوفة فاقتتلوا وقتل صالح، فبايع أصحابه شبيب بن يزيد الشيبانى، وبايعه سلامة التيمى على أن يثار لمقتل أخاه فضالة وكان قد خرج فى ثمانية عشر رجلا، فقتلتهم قبيلة عنزة، وأرسلوا برؤوسهم لعبدالملك بن مروان، ولم ينصره أخواله من بنى نصر، فأجابه شبيب، فخرج إلى عنزة فقتلهم حتى انتهى إلى فريق منهم فيهم خالته قد أكبت على ابن لها وأخرجت ثديها وقالت أنشدك برحم هذا يا سلامة! فقال لتقومن عنه أو لأجمعنكما بالرمح! فقامت عنه فقتله.
ثم هاجم شبيب بنى شيبان واعمل فيهم القتل، فأرسل إليه الحجاج جيشا إليه بقيادة سفيان بن أبى العالية، فلحقه بخانقين وسقط فى كمين أعده شبيب فهزم سفيان وجيشه، فأرسل الحجاج جيشا آخر بقيادة سورة بن الحر فالتقوا عند النهروان فهزم وعاد إلى المدائن، فأرسل إليه الحجاج جيشا آخر بقيادة سعيد بن شرحبيل فالتقوا فى قتال شديد قتل فيه شبيب سعيد وانهزم الجيش.
ثم سار شبيب للكوفة ،والتقى بجيش للحجاج بقيادة سويد بن عبد الرحمن فهزموه ودخلوا الكوفة وبلغوا السوق واقتحموا المسجد الأعظم فيها، وكان لا يزال فيه قوم يصلون فقتلهم داخل المسجد، ثم مروا بمسجد ذهل فرأوا ذهل بن الحارث ، وكان يطيل الصلاة فيه فقتلوه ثم خرجوا من الكوفة.
وفى عام مائة ه خرج شوذب الخارجي واسمه بسطام من بنى يشكر ، فى ثمانين رجلا، فكتب عمر بن عبد العزيز إلى عبدالحميد بن عبدالرحمن عامله بالكوفة أن لا يحركهم حتى يسفكوا دماء، ويفسدوا فى الأرض فإن فعلوا وجه إليهم رجلا صلبا حازما فى جند، فلما مات عمر أمر عبدالحميد بمقاتلة شوذب، فاقتتلوا فانهزم أهل الكوفة، فأرسل إليهم يزيد جيشًا بقيادة تميم بن الحباب فقتلوه وقتلوا أصحابه، فأرسل إليهم يزيد نجدة بن الحكم فقتلوه وهزموا أصحابه، فوجه إليهم يزيد الشحاج بن وداع فقتلوه وهزموا أصحابه، وأقام الخوارج بمكانهم حتى دخل مسلمة بن عبد الملك الكوفة، فأرسل إليهم جيشا بقيادة مسلمة الحرشى فى عشرة آلاف، فتقاتلوا حتى قتلوهم جميعا وعلى رأسهم شوذب.
وفى عام 105 ه خرج مسعود بن أبى زينب العبدى بالبحرين وسار مسعود إلى اليمامة، وعليها سفيان بن عمرو العقيلى، فاقتتلوا بالخضرمة قتالا شديدا، فقتل مسعود وتولى بعده هلال بن مدلج فقاتلهم يومه كله فقتل من الخوارج الكثير، وتفرق عن هلال أصحابه وبقى فى نفر يسير فدخل قصرا فتحصن به، فنصبوا عليه السلاليم وصعدوا إليه، فقتلوه واستأمن أصحابه فآمنهم.
وتلاه خروج مصعب بن محمد الوالبى وأصحابه، وكان من رؤساء الخوارج، فأرسل إليهم هشام بن عبد الملك جيشا فالتقوا واقتتلوا قرب الموصل، فقتل مصعب وهزم الخوارج.
ثم خرج الصحارى بن شبيب سنة 119ه، ومعه ثلاثين فارسا حتى أتى المناذر، فأرسل إليه خالد بن عبد الله وإلى العراق جيشا، هزم الصحارى وقتله وأصحابه جميعا.
فى عام 119 ه وفى هذه السنة خرج بهلول بن بشر وأصحابه وهو من الموصل من شيبان، فقتل عامل قرية تبيع الخمر، فخرج إليهم خالد والى واسط وأتى الحيرة، فالتقوا على الفرات فانهزم جيشه وجند الشرطة، وتبعهم بهلول وأصحابه يقتلونهم حتى بلغوا الكوفة، وبلغت الهزيمة خالدا فوجه لبهلول جيشا آخر فلقيه فيما بين الموصل والكوفة فهزمه، فوجه إليه هشام بن عبد الملك ثلاثة جيوش والتقوا بكحيل دون الموصل، فقتل بهلول، وخلفه عمرو اليشكرى فلم يلبث أن قتل.
وخرج وزير السختيانى بالحيرة فى نفس العام، فكان لا يمر بقرية إلا أحرقها ولا يلقى أحدا إلا قتله، فوجه إليه خالد والى واسط جيشا فقتل أصحابه واسر السختيانى، فلم يقتله وحبسه عنده، فأمره هشام بقتله فقتله.
وفى عام 127 ه خرج الضحاك بن قيس الشيبانى، الذى خلف سعيد بن بهدل الشيبانى، فبايعه الشراة، ثم الصفرية حتى صار فى أربعة آلاف، وهزم جيوش مروان بن محمد بقيادة عبد الله بن عمر بن عبد العزيز، والنضر، والتقى بجيوش مروان فى فالتقوا بنواحى كفرتوثا من أعمال ماردين وقتل الضحاك، فى المعركة، فولى الخوارج عليهم الخبيرى فقتل الخبيرى، ثم خرج شيبان بن عبد العزيز اليشكرى، والذى بايعه الخوارج بعد قتل الخيبرى ،وظل يقاتل مروان فى نحو أربعين ألفا، ثم انصرفوا إلى الموصل، وبعد عدة معارك هزمت جيوشه ومضى شيبان إلى سجستان فهلك بها عام 130 هجريا.
الدولة العباسية.. تضع نهاية حاسمة لتاريخ إرهاب الخوارج وفرقهم
واصل الخوارج معاركهم ضد الدولة العباسية منذ لحظة ميلادها، كما كانوا إبان الدولة الأموية، ولكن المعارك الطويلة التى خاضوها ضد الأمويين أنهكت قواهم، وكانت أعدادهم قد تراجعت وخفت فكرهم وتأثيره، وكما قال أحمد أمين فى كتابه ضحى الإسلام واصفا وضعهم أيام الدولة العباسية مقارنة بوضعهم خلال الدولة الاموية بقوله: كان الخوارج فى حالة الاحتضار وحركاتهم التى أتوا بها فى العهد العباسى تشبه حركة المذبوح.. وكانت هذه الهزائم المتوالية للخوارج سببا فى ضعف أمرهم وقلة شأنهم، فلم يعد لهم من القوة والقتال أثر فى التاريخ كبير، ومن أهم ثورات الخوارج التى واجهتها الدولة العباسية ما يلى:
فى عام 134 ه خرج الجلندى بن مسعود زعيم الأباظية فى عمان فأرسل إليه السفاح جيشا بقيادة خازم بن خزيمة التميمى، فالتقيا فى جلفار، فقتل الجلندى وقتل معه نحو عشرة آلاف من أصحابه.
فى عام 137 ه خرج ملبد بن حرملة الشيبانى، فاستولى على الجزيرة، فوجه إليه المنصور جيشا بقيادة يزيد بن حاتم المهلبى فهزمه ملبد، فوجه المنصور جيشا بقيادة مهلهل بن صفوان فهزمه، وظل الحال كلما يرسل إليه المنصور جيشا يهزمه، تمكن جيشه بقيادة خازم بن خزيمة التميمى من قتل ملبد بالنبال وعدد كبير من أصحابه.
فى عام 148 ه خرج حسان بن مجالد، بنواحى الموصل، فخرج إليه عسكر الموصل، وعليهم الصقر بن نجدة، فالتقوا واقتتلوا وانهزم عسكر الموصل إلى الجسر، وأحرق الخوارج السوق ونهبوه، وهزم كل الجيوش التى وجهت إليه، ولكن سرعان ما داب النزاع بينه وبين أصحابه فتفرقوا عنه.
فى عام 160 ه خرج يوسف بن إبراهيم، المعروف بالبرم بخراسان على المهدى، واجتمع معه بشر كثير، فتوجه إليه يزيد بن مزيد الشيبانى، فلقاه فاقتتلا فأسره يزيد، وبعث به إلى المهدى ومعه وجوه أصحابه، فأدخلوهم الرصافة وقطعت يدا يوسف ورجلاه وقتل هو وأصحابه وصلبوا على الجسر.
فى عام 160 وفيها خرج بأرض الموصل خارجى اسمه ياسين من بنى تميم، فخرج إليه عسكر الموصل، فهزمهم وغلب على أكثر ديار ربيعة والجزيرة، فوجه إليه المهدى جيشا بقيادة أبى هريرة بن فروخ وهرثمة بن أعين فحارباه حتى قتلوه هو وأصحابه.
فى عام 178 خرج الوليد بن طريف التغلبى بالجزيرة، ففتك بإبراهيم بن خازم بن خزيمة بنصيبين، ثم دخل إلى أرمينية، وحصر خلاط عشرين يوما، فافتدوا منه أنفسهم بثلاثين ألفا، ثم سار إلى أذربيجان، ثم إلى حلوان ثم عبر إلى غرب دجلة فارسل إليه الرشيد جيشا بقيادة يزيد بن مزيد الشيبانى، فتلاقى الطرفان فهزم الوليد بن طريف وقتل.
وكان هذا آخر خروجهم المشهور، قبل أن تنجح الدولة العباسية فى الخلاص منهم، بعد أن ضعفت حركتهم واختفت تماما من المشرق الإسلامى، واتجهوا إلى شمال إفريقيا، لتضع الدولة العباسية نهاية فاصلة وحاسمة لتاريخ دامٍ من ارهاب الخوارج وفرقهم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.