جهود المصالحة الفلسطينية تعثّرت مرة بعد مرة في السنوات الخمس الأخيرة، وخابت آمال طلابها. مع ذلك أغامر فأقول إن فرص المصالحة باتت أفضل كثيراً بعد اجتماعات الرئيس محمود عباس والأخ خالد مشعل في الشهرين الأخيرين من السنة الماضية والشهر الثاني من هذه السنة. ذهبت الى القاهرة لأطمئن إلى مصر وأهلها، وخدمني الحظ، فقد وجدت فيها أركان الفصائل الفلسطينية، بمن في ذلك أبو مازن وأبو الوليد والأخ رمضان شلّح (أبو عبدالله)، وسمعت منهم تفاصيل كثيرة، وأكتفي اليوم ببعض ما سمعت من الأخ خالد مشعل لأنني لم أرَ رئيس المكتب السياسي لحماس منذ أكثر من سنة بسبب أحداث سورية. هو قال إن المشكلة ليست أبو مازن أو أي طرف فلسطيني، وإنما هي بنيامين نتانياهو وحكومته المتطرفة، وأضاف أنه تناول مع الرئيس الفلسطيني ملفات المصالحة ثم الحكومة، وكان الخيار الوحيد أبو مازن لرئاستها، فحماس لها تحفظات على الأخ سلام فياض، والأسماء الأخرى غير مقنعة. أبو الوليد أقرّ بأن اختيار أبو مازن لم يكن قراراً شعبياً بين أنصار حماس بسبب الخلافات السابقة ورصيد المصالحة بين الناس الذين كانوا يفضلون رئيس حكومة مستقلاً. المشكلة هي انه من دون حكومة توافق وطني لن تجرى انتخابات، وعقدة الحكومة رئيسها. مع ذلك وافق المكتب السياسي لحماس من دون تردد على اختيار أبو مازن على رغم عدم الارتياح الشعبي. رئيس المكتب السياسي يعتقد أن أبو مازن يريد أن يطمئن الى ترتيبات الانتخابات ومواعيدها قبل تشكيل حكومته وإعلان أسماء الوزراء، وهو يدرك أن الأجواء الطيبة بين القادة لا تعكس حرارة مماثلة في الشارع الفلسطيني، فالملفات العالقة لا تزال من دون حل مثل قضايا المعتقلين وحرية العمل والإجراءات الأمنية وجوازات السفر والمفصولين وغيرها كثير. أبو الوليد يعترف بأنه منذ اتفاق 2005 في القاهرة وحتى 2011 لم يحصل أي تقدم على الأرض. وهو طلب الاجتماع مع أبو مازن على خلفية الانسداد السياسي مع اسرائيل وانتخابات الرئاسة الاميركية المقبلة. وجرى أول اجتماع بين الرجلين في 24/11/2011 وكانت أجواؤه إيجابية تسمح باختراقات. أبو الوليد تحدث عن لجنة تفعيل منظمة التحرير الفلسطينية، أو لجنة الإطار القيادي، التي تعمل لتطوير منظمة التحرير. فهذا ورد في اتفاق القاهرة عام 2005 من دون أن يتحقق أي تقدم بعد ذلك حتى اجتماع اللجنة في 22/12/2011، وهو اجتماع يعتبره أبو الوليد الولادة الثالثة لمنظمة التحرير بعد 1964 و1969. رئيس المكتب السياسي لحماس تحدث عن فترة انتقالية الى حين قيام لجنة تنفيذية جديدة ومجلس وطني جديد. غير أنه سجل أن المصالحة تعاني ضغوطاً اميركية وإسرائيلية. فالأميركيون هددوا بقطع المساعدات، والإسرائيليون أوقفوا تحويل أموال الضرائب الى السلطة. ثم هناك مشكلة التعاون الأمني التي لم تُحلّ بعد. كنت في آخر اجتماع لي مع الأخ أبو الوليد في دمشق سمعت منه أن الجانبين الفلسطينييَنْ اتفقا على جميع النقاط باستثناء الشراكة الأمنية. وقلت له إن حكومة اسرائيل، وأراها فاشستية مجرمة، ستستغل أي تعاون أمني لتدمر جميع الإنجازات الاقتصادية لحكومة سلام فياض في الضفة الغربية، ولن تتردد في قتل أي رجال أمن من حماس تستطيع أن تصل اليهم. وقال أبو الوليد إنه يقبل أن تشارك حماس في تخطيط الملف الأمني من دون مشاركة على الارض تعطي اسرائيل العذر لارتكاب جرائم جديدة. كنت أحدّثُ أبو الوليد فيما كان الأخ إسماعيل هنيّة يزور الأزهر فيُحمَل رئيس وزراء حماس على الأعناق وسط هتافات تطالب بتحرير القدس وبينها: «يا زهّار، يا هنيّة، أوعوا تسيبوا البندقية». ولاحظت أن تظاهرة الأزهر ضمّت شيوخاً مسلمين ورجال دين مسيحيين وجاليات عربية، والكل يهتف داعياً الى تحرير القدس. أقول في يوم قريب إن شاء الله. نقلا عن صحيفة الحياة