اشتعلت الحرب بين نقابة الفنانين المحترفين اللبنانية، وبين وزير الثقافة التونسي مهدى مبروك الذي ينتمي إلي حزب النهضة التونسي الإسلامي، لأن الأخير صرح لإذاعة «موزاييك» التونسية برغبته في الارتقاء بمهرجان قرطاج في دورة الصيف القادم حتي تكون خشبة المسرح تليق بتونس، وثقافتها، وأن مهرجان قرطاج لن يتحول إلي مهرجان للعُرى، وأشار إلي أن بعض الفنانين أمثال إليسا ونانسي، والمصريين تامر حسني وشيرين لن يكون لهم تواجد وعلي جثته حضورهم. في نفس الحوار قال: إنه يجري البحث لتنظيم حفلتين لملحم بركات، والثانية لفيروز. إلي هنا انتهي كلام وزير الثقافة التونسي مهدي مبروك، والغريب أن النقابة اللبنانية، وكل المواقع والصحف انشغلت بأمر منع نانسي وإليسا، وكأنهن رمز الغناء اللبنانى، رغم أننا ضد المنع لأي سبب إلا إذا تعارض وجودهما مع العادات، والتقاليد والقيم الاجتماعية، وتجاهلت النقابة أن في نفس التصريحات أكد الوزير التونسي علي رغبتهم في استضافة ملحم بركات وفيروز. وهذا الأمر يعني أن العُري أو الغناء الحديث بألوانه، وأمواجه يقاوم، ويصمد، وينتصر، في حين أن الغناء الجاد مستسلم، وكامن، ومهزوم؛ لأنه لا يجد من يتحدث عنه، فالنقابة اللبنانية حتي وإن كان دورها الدفاع عن إليسا ونانسي فكان من الضروري أن ترحب بمبادرة الوزير التونسي بالاستعانة بقيمة بحجم فيروز خاصة أن حضورها التونسي يصل إلي مليون دولار إلي جانب استضافة أكثر من مائة عازف هو قوام الأوركسترا الذي يصاحبها لقرطاج، يعني أن المهرجان بدأ يعود إلي هويته عندما كان يستعين بنجاة، وهاني شاكر وكل قمم الغناء العربي، والذين لم يعد لهم وجود علي خشبته خلال السنوات الأخيرة التي سيطرت فيها إحدي الشركات الخليجية علي هذا المهرجان وخصصته لصالح مطربيها. الغريب أن كل الصحف، والمواقع التي تدعم موقف نانسي وإليسا ألقوا بالكرة في ملعب التيار الإسلامي، وكأن وصوله للحكم حرام، وأتصور لو أن هذا التيار يحرم الغناء ما قام بتوجيه الدعوة إلي فيروز أو ملحم بركات أو السماح لابن وطنهم صابر الرباعي بالتواجد، كل ما في الأمر أن هذه التيارات تدعو إلي أن تدعم الحفلات بغناء جاد ليس فيه الرقص، والخلاعة، والعُرى، وهي الموجات الغنائية التي شوهت الغناء العربي في الربع قرن الأخير، والتي جعلت من غناء بعض الكبار موضة، وانتهت أن حاولوا تصدير، وتصوير ذلك للناس، وبالمناسبة العُرى الذي انتشر في الغناء كان مرفوضاً من غالبية الشعب العربى وكذلك من كبار المطربين، والملحنين، صحيح نانسي وإليسا غيَّرا من نوعية الأغاني وأصبح اختيار الكلمة لديهما به قدر من العمق، لكن مازالت مسألة ظهورهما بملابس عارية يثير استياء الكثيرين من الأسرة العربية. المهرجانات العربية لابد أن يعود لها احترامها ووقارها، ومن حق تونس كما أنه من حق مصر أن ترتقي بشكل الحفلات التي تقدم علي مسارحها، وكلنا نتذكر أن مهرجان الموسيقي العربية الذي تنظمه دار الأوبرا المصرية تعرض لهجوم كبير من النقاد، والجماهير قبل سنوات عندما تخلي عن فلسفته وهدفه، وأسند للمايسترو خالد فؤاد مهمة إحضار مجموعة من الأصوات العربية، فأحضر كارول سماحة، ومروان خوري وكل منهما أدي أغانيه الخاصة بما يتعارض مع سياسة المهرجان، ووقتها لم يكن التيار الإسلامي موجوداً في مصر، وكان يطلق علي الإخوان بأنهم الجماعة المحظورة ولم يكن للتيار السلفي صوت، إذن فالأمر مرتبط بالثقافة العربية التي يحاول البعض أن يُغريها، لذلك أهلاً وسهلاً بالتيار الديني إذا كان سيهاجم أن انحلالاً غنائياً يصدر إلينا، بعد أن احتلت الشاشات العربية من محيطها إلي خليجها أعمال غنائية خادشة للحياء علي طريقة نجلا والحصان، وأخرى تغرق في بحر الشيكولاتة، وأخري تقف علي التورتة بقدميها، وأخرى تنادى صديقها للصعود إلي السطوح، وآخرون يغنون للكيف والمخدرات والشبشب والبوكسر. هذا التيار الذي أزاح الغناء الجاد، ووضعه علي الهامش بالدرجة التي جعلتنا نتعود علي القبح، فالغناء الهابط أصبح مثل تلال القمامة التي احتلت شوارعنا؛ ولأننا تعودنا علي وجودها أصبحنا ننظر لها علي أنها واقع، فتحول القبح إلي أمر واقع، هكذا الغناء أصبح في وطننا العربي فاسدا، ومنحلا، وفاجرا، والأذن أصبحت متآلفة معه، وهذا هو قمة الخطر، لذلك انشغل الناس بمنع إليسا ونانسي ولم ينشغلوا بدعوة فيروز.