«الواقع مؤلم.. مزعج.. يدعو للانتفاض.. للثورة على الأوضاع الرخوة المتكلسة, لإزاحة القيادات البيروقراطية منتهية الصلاحية.. وخلخلة حالة الانهزامية, والانبطاح، والسلبية التى عششت فينا، وخيمة على البلاد سنوات، وسنوات. 3500 كيلو متر على امتداد طول البلاد وعرضها شواطئ تطل على البحرين الأحمر, والأبيض المتوسط، ولا نستفيد منها سوى فى الجلوس تحت أشعة الشمس، والعوم – ليس إلا - ونستورد أكثر من ثلثى استهلاكنا من الأسماك. فليس لدينا أسطول للصيد، وتصنيع وتعليب الأسماك فى عرض البحر مثل تايلاند، أو غيرها، لأننا - يا دوب - نصطاد بمراكب، ولنشات فقيرة متواضعة مملوكة لأفراد، يتسولون ثمن «النشوق» من فرط النشاط، والصيد «اللى نازل على ودنه». وليس احتجاز الصيادين، ومصادرة مراكبهم فى تشاد، والصومال، وليبيا، واليمن، والسعودية، والسودان، وحتى جزر القمر. وفى الوقت الذى نسعى فيه إلى تعظيم حركة التجارة مع دول العالم لتصدير منتجاتنا، واستيراد احتياجاتنا من الخامات ومستلزمات الإنتاج والمعدات الثقيلة،على اعتبار أن «المصريين أهمة عزم وهمة وقوة». ويجارى المسئولون الحالة الحماسية فى إبراز إمكانياتنا العملاقة والجرارة فى قطاع النقل البحرى، متوهمين امتلاكنا أسطول نقل « بجد»مثل بقية دول العالم المتقدم، أو حتى «زمايلنا» من دول العالم الثالث, لنفاجأ أن سفن، وناقلات بضائعنا «عد غنماتك يا جحا» منها جزء «نايم», وجزء حاله مايل.. متهالك يسير على بركة «اللى يحب النبي يزق»، وآخر وعدده قليل يتحدى الظروف الصعبة لإثبات حب العمل. والكذب «خيبة» نمتلك بلا فخر أسطول نقل بحرى ركاب معقول «يؤدى الغرض والسلام» شغال رايح جاى.. جاى رايح من ضبا فى السعودية، وخليج العقبة فى الأردن، إلى سفاجا، والسويس، ونويبع بمصر. وفى الآخر طلع أسطول الركاب إيه» قول إن «عبارات معظمها ترفع أعلام جنسيات أخرى ليست مصرية «آى والله», وتخص دول «إشى بنما، وإشى كمبوديا، وإيشى مالطة، وإيشى ليبريا، وجورجيا, وقبرص». وتفتقر لإجراءات السلامة البحرية، أو الإبحار الآمن. وعبارة السلام 98 مثال ليس ببعيد. والخلاصة أن قطاع النقل العنصر الهام والحيوى فى مثلث نهضة الاقتصاد غير كفء، ويعد الملاحة البحرية أحد أسباب ضعف انسياب حركة التجارة، وانخفاض القدرة التنافسية فى أسواق الخارج النقل البحرى. ونتيجة لحالة الإهمال والتجاهل تحول النقل البحرى من داعم ومساهم فى الاقتصاد القومى إلى عبء، وطاقة مهدرة, وللاقتراب من مشاكل قطاع النقل البحرى، ودوره كشريك فى تنمية حركة التجارة وانتقال الأشخاص، ومورد هام للاقتصاد القومى، تلتقى الوفد بخبير النقل البحرى الدولى ومستشار مجلس الشعب فى ملف العبارة السلام 98 الدكتور ربان منتصر السكرى. لماذا قطاع النقل البحرى دائما بعيدا عن قائمة الأولويات؟ - قطاع النقل البحرى قطاع مهمل، ويتم تهميشه بصورة تكاد تكون متعمدة. لافتقاد دائرة صناعة القرار الاقتصادى الرؤية الكاملة عنه، وعن مشاكله، واقتصار تركيز اختيارات وزراء النقل على مجالات بعيدة عن النقل البحرى فبعد اختيارهم فى مجال الطرق. تم الاستعانة ببعضهم فى مجال الطيران، وصناعة السيارات. مما يؤدى إلى عدم الإلمام بطبيعته، وبالتالى وضعه فى ترتيب متأخر فى قائمة الأولويات. ما حجم مساهمته فى الدخل القومى؟ - تقدر بنسبة 10 % بما يعادل 30 مليار جنيه من إجمالى ميزانية الدولة، والتى تبلغ 350 مليار جنيه. وهى عبارة عن 20 ملياراَ مساهمة مباشرة من الشركة القابضة للنقل البحرى وشركاتها التابعة، والباقى إيرادات هيئة السلامة البحرية، والقطاع الخاص. وتتمثل فى رسوم الموانئ، وإيجارات الساحات، والأراضى والمخازن، ورسوم تسجيل السفن والوحدات البحرية، و«مكوث» رسو السفن على الأرصفة البحرية داخل الموانئ، وإصدار شهادات الدخول والمغادرة. إلى جانب نولون الشحن والتفريغ، وتداول الحاويات، ومقابل الانتفاع، وأتعاب الوكالات عن التصاريح، وخدمات السفن، ومستخلصات الإفراج عن الشحنات الواردة، والصادرات. هذا بخلاف الضرائب. ولكنه قطاع غير جاذب للاستثمارات؟ - بسبب حالة الإهمال والتجاهل التى تتعامل بها الدولة مع هذا القطاع، والقيود المفروضة على تملك السفن لرفع العلم المصرى عليها. ورغم ذلك يتراوح حجم الاستثمارات فيه ما بين 250 ملياراً و300 مليار جنيه. وما هذه الاستثمارات؟ - تتمثل فى 40 سفينة وعبارة لنقل البضائع، والركاب بحمولات مختلفة ملكية عامة وخاصة، والأجهزة والمعدات اللوجستية لعمليات النقل، والشحن والتفريغ، وورش إصلاح وصيانة السفن، بالإضافة إلى 64 ميناء موزعة ما بين موانئ رئيسية، ومتخصصة. منها 21 ميناء للصيد، و13 لخدمة شركات وحقول البترول، و9 تعدينية، و5 لليخوت السياحية، و16 ميناء رئيسياً. وتستوعب هذه الاستثمارات 2.5 عامل فى مجال قطاع النقل البحرى، وصيادين. بماذا تفسر انتشار الأعلام الأجنبية على عبارات نقل الركاب فى مصر؟ - بسبب القيود التى يفرضها القانون المصرى على السفن والعبارات التى ترفع العلم المصرى. حيث يشترط ألا تقل نسبة ملكية المصريين للسفن عن 51 % وألا يتجاوز عمر العبارات وقت التسجيل فى مصر عن 15 سنة. والعيب فى ذلك؟ - العبرة ليس فى سنوات عملها، أو تصنيعا. وإنما العبرة فى مدى جهوزيتها على العمل، ومدى مطابقتها لشروط السلامة البحرية، وقدرتها على الإبحار الأمن، التزامها بالصيانة الدورية. بما يجعلها فى استعداد تام لعمليات الفحص والتفتيش، فى أى وقت. والدليل على ذلك طائرات جلاكسى الأمريكية القوة الضاربة لنقل المعدات الثقيلة، عمرها 32 سنة، وتعمل بكفاءة عالية. وتمتلك منها أمريكا 40 طائرة. والسفينة إليزابيث لنقل الركاب عمرها 60 سنة. ما سر تصدر علم دولة بنما على السفن المقدمة فى مصر ودول العالم؟ - نتيجة للتسهيلات التى تمنحها بنما لشركات النقل البحرى لتسجيل ملكيات السفن. وتستحوذ بنما نسبة 18,5 % من أعلام الدول التى ترفع علمها على مستوى أسطول النقل البحرى العالمى، وتستحوذ اليونان على 6 % من هذا الأسطول. ويتراوح حجم الأسطول العالمى التجارى بين 110 آلاف، و120 ألف سفينة. وتصل عدد الدول التى ترفع أعلامها على السفن المصرية، إلى 8 دول. تشمل بنما، وتحتل المركز الأول، ثم بدون ترتيب مالطة، وقبرص، وكمبوديا وجزر القمر، وجورجيا، وليبريا. وما الفرق بين جنسية العلم وجنسية دولة الميناء؟ - دولة العلم هى التى ترفع السفينة علمها، أما دولة الميناء فهى الدولة التى تعمل بموانيها السفينة، وتتواجد فيها. أسباب إدراج مصر فى القائمة السوداء؟ - مصر ضمن ثلاث دول تم قيدها فى القائمة السوداء فى مجال النقل البحرى، وتم إدراج مصر فى القائمة منذ عام 2002 من خلال مكتب متابعة حركة السفن بباريس. ويرجع الأسباب إلى، غياب شروط السلامة البحرية فى معظم أسطول النقل البحرى المصرى، وتسجيل جهات المتابعة تكرار العيوب، وعدم الالتزام بالمعايير والاشتراطات والمواصفات العالمية للإبحار الأمن فى تحركات المصرية فى موانئ العالم. وقد ترتب على ذلك حجز معظم السفن المصرية التى تتردد على دول أوروبا، دون التقيد بجنسية العلم المرفوع عليها. إلى أى مدى تأثرت حركة الملاحة البحرية المصرية من القائمة السوداء؟ - أدى قرار الإدراج فى القائمة السوداء، إلى فقد الثقة فى الأسطول المصرى، وزيادة شركات التأمين العالمية من قيمة التأمين المفروض على السفن المصرية مما يضيف أعباء مالية إضافية على أصحاب الشركات المالكة للسفن سواء كانت شركات قطاع أعمال عام، أو خاص. بالإضافة إلي فرض رسوم مقابل إعادة إجراءات الفحص والتفتيش بالموانئ الخارجية. ما مدى تأثير تكلفة النقل على أسعار السلعة بالأسواق؟ - يوجد تأثير ملموس. فأى زيادة تطرأ على تكلفة المنتج المحلى، أو الخدمات، أو الواردات نتيجة عمليات النقل. يتم إضافتها كمصاريف شحن، أو نقل على أسعار السلع. ويتحملها المستهلك فى صورة زيادة فى الأسعار. وتمثل تكاليف النقل ما بين 7%، و10% فى أسعار السلع بالأسواق. وهل هناك فروق فى تكاليف النقل داخل مصر؟ - فى النقل النهرى تصل تكلفة الطن إلى 15 جنيهاً مع استهلاك أقل للوقود، وعدم إلحاق أى تأثير بالطرق. وصلت التكلفة لنفس الحمولة بقطار البضائع إلى 30 جنيها، التكلفة من خلال وسائل النقل البرى 100 جنيه. وتعد تكلفة النقل النهرى، أو البحرى هى الأقل. الممارسات الاحتكارية وماذا عن الاحتكارات فى هذا القطاع؟ - الاحتكار فى سفن شحن البضائع قاصر على الشركة القابضة للنقل الوطنية، والتى لا يستطيع القطاع الخاص منافستها، لما تتطلبه هذه السفن من تكلفة مالية، وإمكانيات لوجستية. أما فى مجال نقل الركاب فكان احتكاراً إلى وقت قريب لصالح شركات خاصة، ومنها شركة السلام المملوكة لممدوح إسماعيل حاليا خارج البلاد. والذى كان يمتلك أكثر من 18 عبارة. وهذه الممارسات الاحتكارية لا تخلق مناخ المنافسة. تعتقد أن تعويضات ضحايا العبارة كانت عادلة؟ - بالطبع لأ. وقد أدى التسرع فى امتصاص غضب أهالى الضحايا، ومحاولات جهاز المدعى العام الاشتراكى فى ذلك الوقت صرف التعويضات، والضغوط التى مارسها بعض اصدقاء صاحب عبارة السلام الغارقة من النظام السابق فى إنهاء ملف التعويضات، للحصول على مخالصات من أسر الضحايا، لإسقاط حقهم فى مقاضاة مالك العبارة مما أدى إلى ضياع حقوقهم، أو حصولهم على تعويضات هزيلة بلغت 300 ألف جنيه لأسرة كل ضحية. وما هو التعويض العادل؟ - 280 طبقا لاتفاقية أثينا لعام 86، وتعديلاتها عام 92 تبلغ قيمة تعويضات حوادث سفن نقل الركاب 280 ألف دولار بما يعادل 1.5 مليون جنيه على أساس سعر تغيير الدولار وقت الصرف، وهذه التعويضات تتحملها شركات التأمين الدولية، ويعادل 5 أضعاف ما تم صرفه من جهاز الدعى. فى رأيك ما مشكلة الصيد فى مصر؟ - أولا لا يوجد أسطول للصيد فى مصر. رغم أن مجال الصيد يعمل به ما بين 200 ألف، إلى 300 ألف صياد. وعملهم يقتصر على مراكب صغيرة متواضعة ملك أفراد، وتفتقد لأبسط إمكانيات، وتجهيزات الصيد فى المياه العادية، وليس فى أعالى البحار. بعكس سفن الصيد الموجودة فى كثير من الدول، والتى تضم مصانع لتصنيع وتعبئة وتغليف الأسماك. وكان على الدولة توفير أسطول للصيد لاستيعاب هذا العدد الكبير من الصيادين للعمل عليه، لتأمين حياتهم ضد مخاطر البحر، وعمليات القرصنة التى يتعرضون لها، ولتوفير استهلاكنا من الأسماك بدلا من استيرادها. أتعتقد أن هناك أملاً فى وجود هيئة لتصنيف السفن فى مصر؟ - الأمل وارد. ولكن فى حالة امتداد ثورة 25 يناير إلى وزارة النقل، وقطاع النقل البحرى. لأنه فى حالة بقاء الحال على ما هم عليه، واستمرار البيروقراطية والروتين، لا شىء سيتغير، أو يتطور. وستبقى قوة الدفع الذاتى هى المحرك الأساسى للعمل، وتسيير الأمور. إذ ليس فى الإمكان أبعد مما كان؟ - كل شىء مرهون بالإرادة السياسية. وقد تبنى مجلس وزراء النقل العرب أخيرا الدعوة لفكرة إنشاء هيئة تصنيف سفن عربية، لخدمة نشاط النقل البحرى فى دول المنطقة. ظل تزايد نشاط الملاحة البحرية. ولأهمية وجود مثل هذه الهيئة أصدر المجلس بالتعاون مع جامعة الدول العربية عام 1980 اتفاقية، لإنشائها، ولعدم توافر الدراسات والخبرات الفنية تم تجميد الفكرة. وفى عام جدد مجلس وزراء النقل العرب الفكرة، والسماح للقطاع الخاص بتنفيذها. وفى عام 2008 أوصى اتحاد الموانئ العربية، ووزراء النقل العرب بقبوله الدراسات والإجراءات المقدمة من القطاع الخاص المصرى، لإنشاء هيئة يكون مقرها فى مصر، وفروعها بالدول العربية. ويتم اعتمادها بمجرد موافقة الحكومة المصرية. وهل سارعت مصر باقتناص هذه الفرصة؟ - للأسف مازالت الموافقة معلقة دون أى مبرر رغم انتهاء إجراءات التأسيس، واعتمادها من أكبر الجهات الدولية، وحصولها على الأيزو فى السلامة والمعاينات البحرية. د. منتصر السكرى خبير النقل البحرى اثناء حديثة مع الوفد