ما إن استخدمت روسيا والصين حق النقض "الفيتو" ضد إدانة الرئيس بشار الأسد في مجلس الأمن الدولي, إلا وأكد كثيرون أن الأزمة السورية دخلت النفق المظلم، بل وباتت مفتوحة أيضا على سيناريوهات كارثية. ففي 7 فبراير, نقلت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية عن خبراء في الشئون السورية قولهم إن الإطاحة بالأسد في ظل الفيتو الروسي والصيني وبالتالي غياب مجلس الأمن يعني البحث عن سبل أخرى مثل الموافقة الضمنية على تسليح المعارضة السورية, ولكن مثل تلك الخطوة ربما تفضي إلى حرب أهلية، أو تهيئ مسرحا لحرب بالوكالة في منطقة هشة، لا سيما أن الولاياتالمتحدة وحلفاءها في أوروبا والخليج يؤيدون المعارضة السورية ضد نظام الأسد المدعوم من قبل إيران. وتوقع المحلل الأمريكي ثيودور كاراسيك - بحسب الصحيفة - أن يخوض طرفا النزاع في سوريا "المعارضة والنظام" مواجهة أكثر دموية، بعد الفيتو الروسي والصيني في مجلس الأمن. كما نقلت الصحيفة الأمريكية عن الخبير في الشئون السورية بمعهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى أندور تابلر القول إن ما سيحدث بعد الفيتو هو أن جهات خارجية ستدعم أحد الأطراف في الداخل، حيث يقف الإيرانيون والروس في خانة مع النظام السوري، مقابل الأتراك والعرب فى خانة أخرى مع المعارضة، محذرا من أن الأخطار كبيرة في سوريا الآن. وأشار تابلر إلى أن إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما حرصت منذ اندلاع الاحتجاجات في سوريا قبل نحو عشرة أشهر على ألا تبدو وكأنها تحاول أن تؤثر في النتائج المنشودة في سوريا، خشية أن يلحق التدخل الأمريكي ضررا بالمعارضة السورية, إلا أنه مع استمرار دوامة العنف هناك, فإنها قد توافق على دعم الجيش السوري الحر المنشق عن نظام الأسد بالعتاد والتدريب. ومن جانبه, أكد الكاتب عبد الباري عطوان رئيس تحرير صحيفة "القدس العربي" التي تصدر في لندن في مقال له أن الفيتو الروسي الصيني يعتبر نقطة تحول مفصلية في العلاقات الدولية، وبداية صفحة جديدة من حرب باردة من نوع مختلف. وتابع " من استخدم الفيتو لم يستخدمه انتصارا للرئيس الأسد، ولا حرصا على سوريا، فليس في سوريا نفط ولا ودائع مالية بمئات المليارات، وإنما هو تأسيس لنظام عالمي جديد متعدد الأقطاب، وصعود لقوى عظمى جديدة، اقتصاديا وعسكريا، تريد وضع حد للهيمنة الأمريكيةالغربية على مقدرات العالم". واستطرد عطوان " النظام السوري يخطئ إذا اعتقد أن الفيتو المزدوج هو ضوء أخضر له لمواصلة استخدام حلوله الأمنية الدموية وارتكاب مجازر في حق الأبرياء، مثلما حصل في حمص في 3 فبراير، بل هو مقدمة لوضعه بقوة تحت الوصاية الروسية الصينية وسلبه قراره المستقل في التعامل بدموية مع الثائرين ضده". واختتم قائلا إن مجزرة واحدة أخرى يرتكبها النظام ستكون بداية النهاية له، حتى لو جاءت ردا على استفزاز من هنا أو هناك، فالشعب الذي صمد عشرة أشهر، وقدم ستة آلاف شهيد حتى الآن، لن يتوقف في منتصف الطريق. بل وذهبت صحيفة "الدستور" الأردنية إلى التحذير من احتمال تفكيك سوريا, قائلة :" من يتابع إصرار بشار وأركان حكمه على التصعيد والقمع والقتل يجد أن تفكك سوريا ونشوء دولة العلويين مرة أخرى، هو الاحتمال الأقرب للأسف, علماً بأن دولة بهذا الاسم كانت موجودة فعلاً في بدايات القرن الماضي 1925/1937 , ثم انضمت إلى الدولة السورية لاحقاً". وتابعت الصحيفة "إعادة الحياة للمبادرة العربية، وللجنة المراقبين العرب تصبح أمرا ضروريا ومهما كسبيل وحيد لنزع فتيل الانفجار، وحل الأزمة حلا عربيا يعيد الأمن والاستقرار لربوع البلاد، ويغلق الأبواب نهائيا أمام الحرب الأهلية، التي بدأت نذرها ترتسم في أفق الشام، مهددة بكارثة خطيرة يصل شررها إلى دول المنطقة على غرار ما حدث في العراق وفي لبنان". وفي السياق ذاته, رسم الكاتب السعودي محمد بن عبد اللطيف آل الشيخ ثلاثة سيناريوهات لما قد تؤول إليه الأوضاع في سوريا، مشيرا إلى أن تنوعها الديني والمذهبي والعرقي يجعلها مهددة بأخطار التشرذم والتفكك، وهو احتمال وارد، خاصة بعد ورود أنباء تفيد بأن الأسد بدأ فعلاً بنقل كثير من آلياته العسكرية وعتاده إلى جبال العلويين على الساحل. وأضاف آل الشيخ في مقال له بصحيفة "الجزيرة" السعودية أن الاحتمال الآخر هو على غرار الحل اليمني, حيث يتخلى بشار وأسرته عن الحكم، ويدير السلطة نائبه، حتى يتسنى إعداد دستور جديد، ومن ثم انتخابات تتحول بموجبها سوريا إلى دولة ديمقراطية. وهناك احتمال ثالث يراه آل الشيخ الأفضل ولكنه الأبعد، وهو أن يؤدي تشرذم الجيش وضعف النظام إلى قيام انقلاب عسكري يُنهي الأزمة, غير أنه احتمال ضعيف لسيطرة الضباط العلويين على مفاصل القرار والقيادة في الجيش السوري. ورغم أن البعض كان يعول على الزيارة التي قام بها وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف لدمشق في 7 فبراير بعد أيام من استخدام بلاده الفيتو في مجلس الأمن لدفع الرئيس السوري لوقف حمام الدم ضد الانتفاضة الشعبية والشروع في إصلاحات حقيقية, إلا أن تصريحاته بعد لقائه الأسد حول أن دمشق ستعلن قريبا موعد الاستفتاء حول دستور جديد تم الانتهاء من صياغته ضاعفت من التشاؤم حول ما ينتظر سوريا. بل إن التسريبات حول مضمون الحوار الذي دار بين مندوب روسيا في الأممالمتحدة فيتالي تشوركين ورئيس وزراء قطر وزير خارجيتها حمد بن جاسم خلال جلسة مجلس الأمن حول سوريا في 4 فبراير دفعت البعض لترجيح أن زيارة لافروف لدمشق جاءت لإظهار مزيد من الدعم للأسد دون البحث عن حل جذري. وكانت القناة الفرنسية الثانية نشرت مضمون الحوار الذي دار بين مندوب روسيا وبن جاسم، حيث وجه الأخير الكلام لمندوب روسيا, قائلا: "أحذرك من اتخاذ أي فيتو بخصوص الأزمة في سوريا، فعلى روسيا أن توافق القرار, وإلا فإنها ستخسر كل الدول العربية", فرد تشوركين "إذا عدت لتتكلم معي بهذه النبرة مرة أخرى، لن يكون هناك شيء اسمه قطر بعد اليوم". وخاطب تشوركين رئيس وزراء قطر, قائلا:"أنت ضيف على مجلس الأمن فاحترم نفسك وعد لحجمك وأنا أساسا لا أتحدث معك أنا أتحدث باسم روسيا العظمى مع الكبار فقط". وكان تشوركين برر استخدام بلاده للفيتو بأن مشروع القرار حول سوريا "لم يكن متوازنا", قائلا :" إن النص يدعو الى تغيير النظام مشجعا المعارضة على السعي للسيطرة على السلطة ويوجه رسالة غير متوازنة إلى الطرفين, النظام والمعارضة, ولم يكن يعكس واقع الوضع في سوريا". والخلاصة أن أياما صعبة جدا تنتظر السوريين, بل وهناك من أشار إلى أن وقف حمامات الدم هناك بات يحتاج معجزة في ظل اصرار الأسد على تحدي إرادة شعبه.