ودع الثوار المعتصمون أمام مبنى الإذاعة والتليفزيون، ليلتهم السادسة التي بدأت بالدماء على خلفية اشتباكات وقعت جراء مهاجمة عدد من البلطجية للمعتصمين، وانتهت بهدوء حذر طوال ساعات الليل، مصحوبا بالهتافات الساخنة المنددة بحكم العسكر، والمطالبة بتطهير الإعلام حتى شروق شمس اليوم الإثنين. ولم يهدأ التناقض في محيط "ماسبيرو" بين "الثوار" الذين يواجهون البرد القارص بالهتافات الساخنة، والمراكب النيلية التي مابرحت غدوا ورواحا على سطح النهر، محملة ب"الأغاني الصاخبة". زحف آلاف المتظاهرين إلى مبنى "ماسبيرو" في موجات متعاقبة، للتضامن مع المعتصمين، ليتراجع "بريق" ميدان التحرير، أمام سخونة الأحداث في منطقة مبنى الإذاعة التليفزيون ذات التمركز الثوري البعيد عن "مشهد الانقسام"، الذي سيطر على الميدان قرابة 3 أيام. ونظم شباب بولاق أبو العلا عدة مسيرات تهدف إلى إسقاط تهمة "البلطجة"، وشكوك تورطهم في فض الاعتصام بالقوة، ورددوا هتافات "قالوا علينا بلطجية واحنا تاريخ الوطنية، لاخوف لا رعب السلطة والثروة ملك الشعب، بولاق تريد تطهير الإعلام، عاش شباب بولاق الأحرار".. وحملت المسيرات القادمة من ميدان التحرير لافتة تحمل عبارة "تحليل كلمة عسكر"، مفصلة على نحو حروفها الهجائية الأربعة ،"ع" عرى أختي، و"س" سرق ثورتي، و"ك" كسر عضمي "، و"ر" رماني في الزبالة. أغلق المعتصمون الشارع الجانبي المؤدي إلى "هيلتون رمسيس"، حفاظا على تأمين الاعتصام، وتمكنت اللجان الشعبية من القبض على شاب ضبط بحوزته 8 أنواع من الأقراص المخدرة، مستغلا الزحام اللافت لترويجها بين المعتصمين، وأودع "بائع المخدرات" بمستشفى ميداني مواجه ل"ماسبيرو"، وحرص الأطباء على استجوابه لمساعديه، فيما نفى "الشاب" قيامه ببيع الأقراص المخدرة أو تعاطيها، مطالبا بإجراء تحليل دم، للتأكد من صحة أقواله. قرابة العاشرة والنصف مساء أمس الأحد، وزع "الاشتراكيون الثوريون"، بيانا على الثوار، والمارة، طالبوا خلاله بضرورة الاستمرار في الاعتصام، ومحاصرة ماسبيرو لتطهير الإعلام، لافتين إلى أن الشعب المصري الذي يدفع رواتب العاملين في مبنى الإذاعة والتليفزيون من حصيلة الضرائب، له الحق في التمتع بإعلام مستقل. وعدد البيان ما أسماه ب"جرائم الإعلام الحكومي"، معلقا انتصار الثورة المصرية بتطهير التليفزيون، المعادي للثورة "على حد وصفه". وأعرب الاشتراكيون الثوريون عن تضامنهم مع شرفاء ماسبيرو، الذن انتفضوا احتجاجا على السياسات الإعلامية الفاضحة التي ينتهجها إعلام الدولة، الذي تفرغ لتشويه الثوار، وإشعال الفتن بين أبناء الشعب الواحد وطمس الحقائق. وفي الوقت الذي يطرب فيه قطاع عريض من الثوار، لأغاني الشيخ إمام "المطرب الرسمي للثورة"، ويرددونها كما "الهتافات"، يتوسط شاب سلفي يدعى "سيف الدين خطاب"، حلقة نقاشية، مسترسلا في عرض أفكاره ومشروعه "السلفي الجهادي"، لافتا إلى أن السلفية الجهادية تختصم "الإخوان المسلمين، والسلفيين"، إزاء صعودهم إلى البرلمان عبر الصناديق، بما يتنافى مع الشريعة "على حد زعمه". الشاب "ذو اللحية الخفيفة"، قال إن السلفية الجهادية لاتدعم البرلمان، باعتباره يحتكم إلى القوانين الوضعية، والديمقراطية التي تعرف بأنها "حكم الشعب بالشعب، بينما الأصل هو حكم الشعب بالشرع". خطاب الذي رفض الإفصاح عن اسمه الحقيقي لدواعٍ أمنية، قال "إن التيارات الإسلامية الصاعدة إلى البرلمان لن يطبقوا الشريعة، وفي ذلك هم مضللون للشعب المصري الذي صوت ل"الإسلاميين" رغبة في الاحتكام للشرع"، لافتا إلى أن الإخوان يبحثون عن رئيس "توافقي"، في حين أن السلفية الجهادية تدعوا إلى "البيعة"، محذرة الشيخ حازم صلاح أبو إسماعيل المرشح المحتمل للرئاسة من اللجوء للصناديق. وأضاف "نحن لاننتخب، والشريعة ليس فيها تدرج، لكن الحدود لن تطبق إلا بعد توفير الحاجات الأساسية للمواطنين". الأغرب في حديث "خطاب"، هو تأكيده على أن "سلمية الثورة"، لن تسفر عن نتائج إيجابية، وأن الحركة متضامنة مع الإعتصام، طالما أنه سيحقق مطالب الثورة "، ثم مغادرته في لمح البصر كأن لم يكن. حوار "السلفي الجهادي"، لم يعبأ به الثوار المنخرطون، في الهتافات المطالبة ب"إنهاء حكم العسكر"، وتطهير الإعلام، والمراقبين عبر اللجان الشعبية التي تنظم حركة المرور، على الرصيف المواجه للمبنى، ل" هجوم متوقع" من قبل بعض البلطجية ، تكرارا لمشهد فض اعتصام الأقباط قبل عدة اشهر. على مقهى بالقرب من ماسبيرو، كان بيشوي تمري، الناشط القبطي، منسق اتحاد شباب ماسبيرو، جالسا في استراحة قصيرة، للاستعداد للسفر إلى مسقط رأسه نجع حمادي، كان السؤال ملحا، إلى أي مدى يمكن أن يصل الاعتصام ذو الأربعة أيام؟ بيشوي ذو الدراية الكاملة باعتصامات ماسبيرو، وما يحيطها من مناطق توتر، قال "أعتقد أن الأمر سيصل إلى تفويض عدد من أعضاء مجلس الشعب، للتفاوض مع المجلس العسكري بشأن، تسليم السلطة بشكل عاجل، حقنا للدماء". وأضاف "ربما يعلن عن تلك الخطوة صباح الغد، قبيل فعاليات مليونية الإصرار" واستطرد قائلا "مطلبنا الأساسي غير القابل للتفاوض هو "لادستور في ظل حكم العسكر". فترة مابعد منتصف الليل، إلى جوار الخيام المواجهة للمبنى، والبالغ عددها مايقرب من "5 خيام"، كانت الفنانة جيهان فاضل واقفة بصحبة عدد من أصدقائها، طرحت عليها فكرة "التفاوض" عبر ممثلي الشعب مع قيادات المجلس العسكري ، امتعضت قليلا من الطرح، واستدركت قائلة "دول ناس بتوع تفاوض"! في إشارة إلى الثوار، لافتة إلى أنها ترفض مبدأ المفاوضات. جيهان فاضل التي شاركت في ثورة يناير منذ انطلاقتها، قالت أنا هنا علشان المعتصمين، والاعتصام هيحقق نتائجه، لأنه في النهاية الكلمة للشعب، واستطردت قائلة "اللي عايز يتفاوض، يروح يتفاوض براحته". قبيل الثالثة، تناقصت أعداد المعتصمين تدريجيا، واحتشد المئات أمام مبنى الإذاعة والتليفزيون، مرددين هتاف "العساكر دول غلابة، وطنطاوي ملك الغابة"، بينما واصل بعض الثوار مغازلة كاميرات "التليفزيون" بأقلام الليزر الخضراء. يتواصل الحديث بين أفراد الجان الشعبية من المعتصمين، والسيارات المارة، حول ضرورة الحضور إلى ميدان التحرير، للمشاركة في مليونية الإصرار، التي ربما يعقبها "جمعة الرحيل"، ليتكرر مشهد 25 يناير 2011، حسبما يرغب الثوار، بينما تبقى عيادة الدكتور علاء عبدالهادي "شهيد مجلس الوزراء"، خالية لعدم وقوع إصابات.