لابد من «الميدان» وإ طال السفر! هكذا نزلت إلى ميدان التحرير يوم 25 يناير لأشارك فى الحشد الكبير بمناسبة مرور عام على الثورة المجيدة. بيد أنى وجدت الميدان هذه المرة غير كل مرة! وكأن الثورة قد أخرجت أثقالها من كل بيت وشارع وزنجة! فامتلأت ميادين مصر كلها واكتظت وفاضت إلى شوارعها الجانبية والرئيسية وغير الرئيسية، لقد شققت طريقى ومعى ابنى الكبير حاتم، بينما كان الابن الصغير شريف فى مسيرة أخرى، بكل صعوبة ومشقة ذكرتنى بحشد مناسك الحج.. ملايين فى الميادين والشوارع.. ومئات الآلاف عادوا غاضبين بعد أن لم يجدوا سبيلاً إلى دخول الميدان. كان المشهد إحياء جديداً لثورة عظيمة حاولوا على مدى عام أن يخنقوها بلا جدوى.. فقد فشل القمع فى إثناء الثوار الذين حطموا حائط الخوف فى 25 يناير 2011 فخرج الشعب بملايينه وكسر الطوق بعد أن ذاق طعم الحرية وتنسم أكسجين الكرامة. التحرير هو اسم كل ميادين مصر خرج الشعب بكل أطيافه لافتات مرفوعة، ورايات مرفرفة، وهتافات مدوية تزلزل الأرض وتخلع قلوب المرجفين، هؤلاء هم المصريون لم يخضعوا للاستقطاب أو الإرهاب ورفضوا أن تفرقهم الأحزاب واستعصموا بالسلمية شعاراً أو سلوكاً فتوحدوا فى مشهد جليل يترحم على أرواح الشهداء وينعى جراح المصابين ويطالب باستكمال الثورة وإنقاذها من أيدى السارقين. قضيت وقتاً وسط الثوار.. بعضهم طلب التقاط صور معى مع أن حقيقة إنى أنا الذى تمنيت أن التقط صورتى معهم! كدت أختنق من شدة الزحام وكدت أُصم من رعد الهتافات ولكن ما أطيبها خنقة وما أحلاها زنقة وما أعذبه من صمم نبيل! لقد كانت مسيرة فى زحام أبناء مصر أحلى على قلبى من نزهة على نهر السين وأطيب من النسائم على شاطئ الريفيرا وأكثر إمتاعاً من أغانى عبدالحليم حافظ! اشتعلت جذوة الثورة من جديد ولا أظنها ستنطفئ.. وها قد مضت أيام والثورة مستمرة.. هذا نبض الشعب الثائر.. هنا أرض الثورة، بل أرض الثورات منذ عصر الفراعنة إلى الآن، هنا الشعب المعلم، صاحب أول صفحة فى أى كتاب تاريخ، والآن أصبح صاحب آخر صفحة فى أى كتاب تاريخ يدرس فى أمريكا وأوروبا والعالم أجمع. لقد أثبت شعبنا فى 25 يناير 2012 والأيام التالية أنه أكثر تحضراً وذكاء ممن حاولوا تصوير ذلك اليوم بأنه فزاعة وحرائق وتخريب.. فانتصر الشعب المعلم وخاب سعى خائنى الثورة. ما أجدر حكامنا بأن يصغوا إلى الشعب وأن يحنوا رءوسهم أمامه لا أن يستعلوا عليه بالصلف والعناد.