هدم 40 محلاً وإزالة 40 ألف متر دون تعويضات عادلة الأهالى: الحكومة وعدتنا ب20 ألف جنيه تعويضًا عن المتر.. واكتفت ب7 آلاف محال مُغلقة، حواجز حديدية تعلوها أتربة تتصاعد للسماء من أعمال الحفر لإنشاء مول ومحطة مترو أنفاق «ماسبيرو» بالقرب من وزارة الخارجية بوسط القاهرة، وبالتحديد فى وكالة البلح، على مساحة 40 ألف متر بحسب ما أكده اللواء طارق جمال الدين، رئيس الهيئة القومية للأنفاق. حالة من الاستياء والضيق سكنت قلوب أصحاب 40 محلاً، يعمل بها نحو 200 أسرة، لما تعرضوا له من خسائر فادحة، وأشاروا إلى أن الحكومة سبق أن وعدتهم بإعطاء كل صاحب محل، سواء إيجار أو ملك 20 ألف جنيه على المتر الواحد، ولكن منذ أن تم تنفيذ قرار إخلاء المنطقة، فوجئ أصحاب المحال بأن الحكومة تعرض عليهم 7 آلاف جنيه مقابل المتر لأصحاب المحال المستأجرة. «الوفد» التقت عددًا من أصحاب محال وكالة البلح، الذين وصفوا مشاهد مأساوية لخروج أصحاب المحال المغلقة أثناء عمليات التهجير لهم. وأشاروا إلى أن أصحاب هذه المحال تكبدوا خسائر فادحة، فى مقابل ما تلقوه من تعويضات من قبل الحكومة، وفجروا مفاجأة أخرى وهى عدم قدرة أصحاب المحال على صرف شيكات التعويضات فى البنوك. «البنك قالهم لما تخلصوا اللى عليكم نبقى نديكم التعويض».. بهذه الكلمات استهل حديثه رامى أحمد، صاحب محل ملابس، وقال إن أصحاب المحلات المستأجرة هم الأكثر خسارة من عملية إنشاء مول ومحطة مترو «ماسبيرو»، وذلك لعجزهم عن شراء محل آخر فى منطقة حيوية مثل وسط القاهرة. «ربع مليون جنيه خسائر أقل محل نضيف».. وحول قيمة الخسائر التى تعرض لها أصحاب المحال، قال إنها تقترب من ربع مليون جنيه، وهناك العديد منهم قد جهزوا المحلات على أحدث طراز وأنفقوا آلاف الجنيهات على التطوير، وقيمة أقل محل من حيث التجهيزات الداخلية خلال أعوام ربع مليون جنيه. وقال على طارق، صاحب محل ملابس، إنه مع دخول شهر رمضان يستعد أصحاب المحال لشراء كميات كبيرة من الملابس لتجهيزات العيد، وعند علمهم بهذا القرار أصيبوا بحالة ذهول شديد. «أى محل فى منطقة شعبية مش أقل من 30 ألف جنيه ده لو لقيت».. يستكمل «طارق» حديثه، وقال إن ما تلقاه أصحاب المحال المغلقة من تعويضات لا يكفيهم مطلقًا لشراء محل تجارى فى منطقة شعبية وليس فى منطقة حيوية، مثل وسط القاهرة. وأضاف: «المشكلة الأكبر أن أصحاب هذه المحال عجزوا عن صرف قيمة هذه التعويضات من البنوك، وقالوا لما تحضروا آخر وصولات الكهرباء والمياه تم دفعها غير ذلك ممنوع». يشير الشاب الثلاثينى إلى أن عددًا من المحال قد تصل قيمة الديون عليها بعد الركود إلى ما لا يقل عن 30 ألف جنيه، فضلاً عن قيمة الوصولات التى تراكمت عليهم ومنها قد تكون التعويضات التى تلقوها من الحكومة مجرد قيمة سداد الوصولات والديون فقط. وقال مراد كامل، صاحب محل ملابس: «شكل أصحاب المحلات لما كانوا بيخرجوا من المحلات ما يتوصفش: بؤس وخراب ودمار».. ووصف مشهد الإخلاء لأصحاب المحلات وقال: «الشرطة لما جت وبدأوا يهجروا الناس، والله كان شكلهم بؤس وحسبنا الله ونعم والوكيل كانت الدعوة الغالبة على ألسنتهم، ده غير اللى أغمى عليه من الرجال ذوى الأعمار الكبيرة». واستكمل صاحب ال37 عامًا حديثه، مشيرًا إلى أن قرار الإخلاء للمحال جاء لهم منذ عام 2012، وقالت الحكومة إنها ستصرف تعويضات لأصحاب المحال، على أن يكون المتر الواحد ب20 ألف جنيه، ولكن الواقع الذى كان أمام أصحاب المحلات هو ما بين 3 و7 آلاف فقط. وقال «مراد» إن هناك جلسات عديدة تمت بين الحكومة وأصحاب المحلات، ولكنها كانت ودية، ولم تأت بإخطارات رسمية لهم فى ذلك الوقت، ومنها وافق أصحاب المحال على التهجير، حينما علموا بقيمة التعويض المناسب لهم، مشيرًا إلى أن عددًا من أصحاب المحلات المغلقة لجأوا إلى القضاء لاسترجاع حقوقهم المسلوبة، خاصة بعد علمهم بتصريحات المسئولين والذين أكدوا فيها أن قيمة التعويضات التى صرفت لهم تخطت ال10 ملايين جنيه. «لما يكون الواحد مستأجر محل من سنين وصرف عليه ألوفاً مؤلفة إزاى يرضى بهذا القرار».. يستكمل بائع الملابس حديثه، وقال إن عددًا من أصحاب المحلات التى هدمت أصابتهم بحالة جنون.. ورغم ذلك عجز عن الحديث حال تطبيق القرار حتى لا يعرض نفسه للمساءلة القانونية أو الشرطة أثناء تجمعهم حال تطبيق القرار. وأشار صاحب محل تجارى آخر إلى أن عملية التهجير كانت بمثابة عملية استثمارية لأصحاب المحال، خصوصًا من العقود القديمة، وقال: «لما صاحب محل مستأجر بقيمة 20 جنيهًا فى الشهر، وتجيله بيعة بالشكل ده يبقى هوه كسب دهب، أما الخاسر فهم أصحاب العقود الحديثة». الأمر نفسه أكده صاحب محل آخر، وقال إن عددًا قليلاً من أصحاب المحال التى هدمت حققوا مكاسب وأرباحاً كبيرة من العروض التى تلقوها من الحكومة، مشيراً إلى أن المتضررين الحقيقيين هم أصحاب العقود الجديدة، لما تضرروا به من تجهيزات المحل خلال السنوات الماضية. وأضاف: الدليل على كلامى أنه حال تنفيذ القرار مفيش حد منهم فكر بس إنه يتكلم ويقول «لا» لأنه عارف كسبان من التعويضات خاصة أنه يعانى أيضًا من الإفلاس الشديد مع حالة الركود التى أصابت الأسواق خلال الفترة الماضية». والتقت «الوفد» كريم فراج، أحد العاملين فى إنشاء محطة مترو «ماسبيرو»، وقال إنه عاجز عن نسيان مشاهد خروج أصحاب المحلات، حيث كانت مأساوية بشكل جعل دموعه تسيل عليهم من الحزن لما تعرضوا له من خسائر فادحة. وأضاف: «كان جواهم وجع ومرارة لو سابوهم كانوا قطعونا حتت وإحنا بنهد ليهم المحلات بس الحكومة والشرطة كانت بتحمينا من خلفنا، بس لو حد اعترض مكنتش أقدر أتعرض ليه لأنى كنت حاسس بيه»، مشيرًا إلى أن العمل هدم المحلات يبدأ من التاسعة صباحًا حتى الخامسة بعد العصر. «خلال شهر رمضان تكون أعمال الهدم والتسوية للأرض للبناء خلص».. يؤكد العامل أن شهراً واحداً فقط هى مهلة تسوية الأرض لبدء إنشاء المحطة والمول، مشيرًا إلى أن شركة فرنسية هى التى تولت هذا المشروع. وقال رامى عيسى، أحد العاملين، إن أصحاب المحال كانوا مستسلمين أثناء خروجهم من المحلات، وحال تسلمهم التعويضات ظهرت علامات الغضب على وجوههم، فيما تعالت أصوات البعض منهم بالدعاء «حسبنا الله ونعم الوكيل»، وآخرون فضلوا الصمت، خاصة من كبار السن حفاظًا على هيبتهم ووقارهم. وكالة البلح، والذى يعد السوق الأشهر سواء للملابس، والخردة فى السابق، ويرجع تاريخ إنشائها إلى بدايات القرن التاسع، وقد سميت بهذا الاسم لأنها كانت سوقًا مخصصة لتجارة البلح، الذى كان يأتى إليها من خلال المراكب عبر نهر النيل من الصعيد بجنوب مصر، خصوصًا من أسوان، إلا أن تجارة البلح بدأت فى التراجع تدريجيًا واقتصر بيعه فى السنوات الأخيرة على تجار الجملة فى منطقة «الساحل» التى تبعد قليلاً عن وكالة البلح. وعن زبائن الوكالة فلم يكونوا من البسطاء والفقراء فقط.. ولكن يأتى إليها الأعيان وأبناء الذوات، لتكون الوكالة محط أنظار المنتجين السينمائيين. ففى منتصف الثمانينات صورت الفنانة نادية الجندى فيلم «وكالة البلح» ودارت أحداثه حول سيطرة التجار على بعض السلع والتحكم فى السوق، وجذب الفيلم انتباه المشاهدين بحبكة درامية اختلطت فيها مشاعر الحب بصراع التجار فى الوكالة. كما تم تصوير مسلسل «لن أعيش فى جلباب أبى» للنجم نور الشريف، وذلك فى أواخر التسعينات ليحكى قصة شاب فقير قدم من الصعيد ليعمل بوكالة البلح، يجتهد ويكافح ليصل بعد تعب وجهد إلى مصاف كبار التجار والأثرياء. ومن ثم أصبحت الوكالة منجم خبرة ومكاسب مادية لكل من يقصدها سواء كان البائع أو المشترى الذى يفضل أن يشترى منها للحصول على أرخص الأسعار وأعلى الخامات.