لم يعد قطع الطريق بمحافظة قنا مرتبطاً بحدث كبير، فتحولت لعمل مجانى تستطيع أية مجموعة، أو أفراد غاضبون من أى شىء تنفيذه فى أى وقت وبأى مكان. لم تعرف قنا قبل ثورة 25 يناير حوادث مشابهة إلا ما ندر، ومنها قطع أهالى قرية الجبلاو جنوب شرق قنا طريق أسوانالقاهرة الشرقى لعدة ساعات، على خلفية أزمة مع قبيلة الأشراف، ووقتها انتهت الأزمة خلال ساعات، بعد تدخل دوائر شعبية وشرطية، أقيم صلح بعدها، فتصافحا الطرفان، وعادت الأمور لمجراها، وبعد ثورة 25 يناير تم تعيين محافظ قبطى للمرة الثانية، فوقعت احتجاجات عنيفة، واتخذ المحتجون ديوان عام المحافظة مقراً لاعتصامهم، ومع مرور الوقت لم يستجب المجلس العسكرى لمطالبهم، فاقترح بعض الشباب الغاضب قطع الطريق، وتدخل بعض العقلاء وحاولوا منعهم على خلفية التركيبة القبلية للمحافظة، وما قد يثيره قطع الطريق من احتقان بين القبائل، لاعتبار الطرق التى تقع فى الحيز السكنى تابعة لهم، وعندما وجد هؤلاء الشباب الأمر صعباً عليهم لأنهم جماعة صغيرة، صرفوا النظر عن قطع الطريق البرى مؤقتاً وقاموا بقطع شريط السكة الحديد شرق مدينة قنا، باعتباره موقعاً محايداً عن مناطق القبائل، بالإضافة إلى كونه ورقة ضغط لا يستهان بها ضد حكومة د. عصام شرف، رئيس الوزراء، وقتها، والمجلس العسكرى، وفعلاً أفلح الشباب فى المثابرة لفترة دامت 11 يوماً تكبدت فيها الدولة ملايين الجنيهات بسبب قطع خطوط السكة الحديد، فسحبت الحكومة قرار تعيين المحافظ القبطى وأسندت للسكرتير العام مهام المحافظ حتى تم تعيين اللواء عادل لبيب، محافظاً لقنا، للمرة الثانية وسط ترحيب من الدوائر القبلية والشعبية. على تلك الخلفية أصبحت السكك الحديدية منبراً للاحتجاج العنيف وورقة ضغط قوية على الدوائر القاهرية ومراكز صنع القرار فى العاصمة، ولكن فى أى اتجاه تسير تلك الاحتجاجات؟ من قراءة الواقع فى محافظة قنا ومعها محافظات الصعيد يتخذ الأمر منحدراً ضيقاً يصعب الخروج منه فى ظل الأوضاع الراهنة التى تمر بها البلاد، وتراجع هيبة السلطة المركزية، وبالتالى السلطة المحلية وأدواتها مثل الشرطة، فصار قطع خطوط المواصلات العامة ومنها السكك الحديدية والطرق البرية، يحدث على خلفيات مطالب فئوية مثل نقص أسطوانات الغاز فى الأيام الأخيرة، وانقطاع التيار الكهربائى، وتكرر ذلك أكثر من مرة الشهر الجارى فى قوص ونقادة، ودخلت نتائج الانتخابات كسبب من أسباب قطع السكة الحديد وهو ما حدث فى 6 يناير الجارى، عندما قام المرشحون وأنصارهم بدائرة «دشنا والوقف ونجع حمادى وفرشوط وأبوتشت» بقطع شريط السكة الحديد لمدة يومين احتجاجاً على نتيجة «الفردى» وتعطلت حركة القطارات لمدة 33 ساعة، رغم أن المرشحين يدركون تماماً أن الاعتراض على نتائج الانتخابات مكانه الطبيعى محكمة القضاء الإدارى، وهو ما حدث فعلياً بإعادة الانتخابات فى الدائرة الشمالية بعد تقديمهم 33 طعناً فى نتيجتها، وتمت إعادة الانتخابات يومى السبت والأحد الماضيين وانتهت بهزيمة عبدالرحيم الغول، القيادى بالحزب الوطنى المنحل، وإجراء إعادة بين 4 من المرشحين. وفى كل حوادث قطع الطريق لا يغيب دور المحرض الذى يستخدم الشباب الغاضب من الأوضاع فى البلاد والبطالة لتحقيق مآربه الخاصة، ومثالاً لذلك عندما احتج الشباب القبطى على خطف شابين منهم وتجمهروا أمام مركز شرطة نجع حمادى فى منتصف ديسمبر الماضى، نصحهم عقيد متقاعد فى الجيش أن يقطعوا الطريق داخل المدينة للضغط على الشرطة لإرجاع الشابين، وكانت نصيحة الضباط المتقاعد محاولة منه لكسب أصوات الناخبين قبيل الانتخابات البرلمانية فى المحافظة التى أجريت فى 3 يناير الجارى، ومن الغريب أن يكون المحرض فى أكثر تلك الحوادث شريكاً رئيسياً مع الوسطاء التنفيذيين أو الشعبيين فى إنهاء الأزمة وتسيير الطرق! كما يبدو أن عدم اتخاذ إجراءات ضد المحرضين جعلهم يتمادون فى استخدام ذلك الشكل من الاحتجاجات لتحقيق مصالحهم الشخصية، فقد كانت آخر حلقات مسلسل قطع السكة الحديد، قيام أهالى قرية «المصالحة» مسقط رأس مرشح قائمة المصريين الأحرار بشمال قنا والذى يلقب ب«ملك القصب» على خلفية كونه أحد أهم مصدرى محصول القصب إلى دول الخليج، بقطع خطوط السكة الحديد منذ ظهر الأحد الماضى احتجاجاً على تأجيل نظر القضية التى أقامها المرشح فى الدائرة الشمالية، التى تضم: دشنا والوقف ونجع حمادى وفرشوط وأبوتشت إلى 10 مارس المقبل، والتى يطلب فيها شطب حزب المصرى الديمقراطى من الكتلة المصرية على خلفية انسحاب إحدى المرشحات من قائمة الأخير، فافترش الأهالى خط السكة الحديد ووضعوا فوقه أسطوانات بوتاجاز مهددين بإضرام النار فيها وتفجيرها إذا ما تعرض لها أحد، كما نصبوا سرادقاً وأسِّرة للمبيت فوق القضبان.