حذّر الكاتب جمال الغيطانى من اختفاء أعمال كبار الأدباء والمبدعين المصريين بسبب عدم الاهتمام بطباعتها وطالب وعدد من أساتذة الجامعات والمثقفين بضرورة جمع أعمال أمير المهمشين خيرى شلبى وتدريسها لطلاب المدارس عرفانا بدور هذا المبدع الذى ظلمته الظروف. جاء ذلك خلال المؤتمر الأول الذى أقامته لجنة الشباب باتحاد الكتاب بقاعة المؤتمرات بالمجلس الأعلى للثقافة تحت عنوان "الوتد خيرى شلبى ..مدارات الإبداع .. وأحلام البسطاء " على مدى يومين وأنهى أعماله اليوم الأربعاء. حضر الافتتاح أمس الثلاثاء الدكتور شاكر عبد الحميد وزير الثقافة ود.عماد أبو غازى وزير الثقافة السابق، ورئيس المؤتمر الكاتب والروائى جمال الغيطانى وأمين عام المؤتمر د.شريف الجيارمقرر لجنة الشباب باتحاد الكتاب ،والدكتورة كاميليا صبحى امين المجلس الأعلى للثقافة ونخبة من المبدعين. تحدث فى بداية جلسة الافتتاح د.شاكر عبد الحميد وقال:"أقدم جزيل الشكر للجنة الشباب باتحاد الكتاب على بدء نشاطها بمؤتمر خيرى شلبى، لأن الراحل سيظل قامة كبيرة فى الأدب المصرى بأعماله التى أضافت للثقافة المصرية، وأحب أن أتكلم عن إحدى شخصيات خيرى شلبى الروائية الذى يعتبره شقيق روحه، وهو "أحمد السماك" الذى اشترى مقبرة وعاش أمامها واجتمع بأصدقائه عندها ؛ فلقد تكلم خيرى بطلاقة لأن بداخله حكّاء عظيم، وفى أعماقه روائى مُحبط لم ينل حظه من الحياة ولكنه محب لها ومؤمن بالأحلام وصدقها، يشعر دائما بالموتى وقربه منهم هناك فى المقابر حيث المكان يجمع الموتى بالأحياء ويجمع النقيضين، ويتعايشان عبر تفاصيل معمارية بناها "شلبى" بذكاء، فهناك ممارسة للحياة والموت، وكأن القصة تحكى مرة أخرى، فى قصة هذا الرجل غياب لإدارك العالم الخارجى تدريجيا وحضور العالم الداخلى وكأن هناك نوعًا من الإدراك مختلف ممتع وغير مخيف يشعر الإنسان معه بالراحة على النقيض من العالم الخارجى المخيف، وعالم الموتى عند شلبى مريح ومتآلف معه وتتسم أعماله بما يسمى وحدة الوجود". وقال الكاتب جمال الغيطانى رئيس المؤتمر:" عندما أتحدث عن "شلبى" كأنما أتحدث عن نفسى وعن مسيرة حياة كاملة ؛ فأنا أنتمي لهذا الجيل الذى كان مرفوضًا وعاش تراجيديا فى بدايته ؛ ولقد ربطتنى به صداقة قوية عندما التقيت به عام 62 على "فرشة " للكتب بالازهر ومن وقتها بدأت علاقة حميمة لآخر لحظة فى حياته، وكلما كنت أستمع إليه أشعر بدافع للكتابة وحب للحياة، فهو من أكبر الحكّائين فى العالم، وأعماله بدأت تلقى رواجًا فى عدة دول ك"وكالة عطية". وأضاف الغيطانى: "شلبى كان وسيظل ذاكرة للأدب الشعبى ولا أظن أن كاتبًا تعرض للشخصية المصرية مثل خيرى شلبى؛ إضافة إلى أنه كان مُلماً بالتراث الشعبى". وأكد الغيطاني أن مكتبة شلبى الشخصية تعد من أكبر المكتبات فى الوطن العربى، مطالبا وزارة الثقافة أن تعهد إلى مجموعة من الأدباء بتجميع أعماله التى لم تنشر لتصنيفها وتجهيزها للنشر فهناك دائما إبداع سري لدى أى كاتب بل و يجب تدريسها للطلبة. وانتقد الغيطاني الضجة التي تحدث بعد الرحيل والتي دائما بعدها يذهب الكاتب الى غياهب النسيان، مشيرا إلى ضرورة وجود آلية لاستكمال وربط الذاكرة الأدبية. وحذر الغيطانى من اختفاء بعض اعمال المبدعين وضرب مثلا بأعمال يحيى حقى التى كادت ان تختفى لولا قيام احدى دور النشر بإعادة طبعها وطرحها بالاسواق، فهناك حوارا اجراه مع شلبى عندما كان يقدم برنامجا على قناة النيل ولم يعاد اذاعته لانهم فى التليفزيون المصرى يهتمون بالمشاهير "اللميع" فقط . وقال الدكتور شريف الجيار الأمين العام للمؤتمر ان اللجنة تتشرف باحتفائها بالعظماء، وأولهم فيلسوف المهمشين خيرى شلبى، والذى جعل من يعيش على الهامش متناً لعالمه الروائى، مؤكدا على سعيهم لإقامة مؤتمرات تعمل على تفعيل العلاقة بين الأجيال، والخروج إلى الجمهور، والتفاعل معهم بعيدًا عن جدران الاجتماعات. كما ألقت الشاعرة شيرين العدوى بيان المؤتمر، الذي اشار الى تواصل اللجنة مع شباب مصر المبدعين، لتوفير عدد من برامج فنية لاستيعاب المواهب الفنية، من خلال المؤسسات الثقافية الرسمية، وعدد غير قليل من مؤسسات المجتمع المدنى. ووجه الدكتور عماد أبو غازى وزير الثقافة السابق الشكر إلى لجنة الشباب لمجهودها فى التأكيد على تواصل الأجيال، وعلى بداية نشاطها بالاحتفاء بوتد من أوتاد الثقافة المصرية وهو الأديب الراحل خيرى شلبى، مضيفًا أن عطاء شلبى للرواية والأدب عطاء كبير، وأن دوره فى جمع التراث الشعبى كان بالغ الأهمية. كما شكر المجلس الأعلى للثقافة الذى كان شلبي أحد أعضائه، وقال :"أضم صوتى للكاتب الكبير جمال الغيطانى فى أهمية جمع تراث خيرى شلبى". وأهدى الدكتور شاكر عبد الحميد وزير الثقافة درع مؤتمر الشباب لنجل الراحل زين خيرى شلبى، كما أهدى الوزير درعاً أخر لوزير الثقافة السابق الدكتور عماد أبو غازى. و سلم كل من الدكتور شاكر عبد الحميد وزير الثقافة والكاتب جمال الغيطانى والدكتور صابر عبد الدايم، راعى جائزة الشعر التى تقيمها لجنة الشباب باتحاد الكتاب جوائز المسابقة للفائزين ، حيث فاز بالمركز الأول الشاعر عبد الله صبرى راغب، والمركز الثانى الشاعر محمود مصطفى محمد السيد، و فاز الشاعر مراد ناجح عزيز بالمركز الثالث والشاعر محمد بهاء الدين برى بالرابع. وفي الجلسة الثانية للمؤتمر طالب الدكتور سامى سليمان بتدريس رواية "أُنس الحبايب" لخيرى شلبى لطلاب الثانوية العامة، قائلا :" شلبى كاتب منقوع فى طين الأرض المصرية، يفهما جيدًا ويعرف إلى أين تمتد جذور الشخصية المصرية، وكان قريبًا من حياة البسطاء". كما تناول سليمان الذاكرة وتشكيل السرد فى "أُنس الحبايب" حيث قال: " اذا أردنا أن ندرس تحولات المجتمع من الثلاثينيات حتى الخمسينيات ليس هناك أفضل من هذا العمل". كما قدمت د.أمانى فؤاد ورقة عن شخصية "إسطاسيا" الروائية وارتكزت مداخلتها على موقع الذات فى أعمال خيرى شلبى وعلاقتها بالعالم وانصهارها فى الذوات الأخرى مع الحفاظ على فرديتها فى الانا. وتكلم د. السعيد الباز عن شعرية اللغة فى روايات خيرى شلبى، حيث يرى أن العامية التى يستخدمها ليست هى العامية المبتذلة بل هى العامية الشاعرة، واللغة الشاعرة التى حملت خياله المحلق، واللغة عند شلبى ليست منفصلة عن الشخصية التى تتحدث فى رواياته بل يخلق اللغة المناسبة للشخصية، فهو يمتلك باقتدار "لعبة الرواية". وقال الدكتور حسام بربر إن الكاتب الكبير الراحل "خيرى شلبى" حينما تحدث عن البورتريه الكتابى، اكد إنه لم يبتكره ولكنه وضع قواعد جديدة له، وأضاف:"فرّق شلبى بين السير وبين البورتريه، إذ يجب أن يكون شخصاً حقيقياً، ومعنى بتسجيل لحظة معينة وتحويل الصورة البصرية إلى صورة قلمية". وأضاف بربر أن شلبى رسم 88 بورتريه "صورة الشخصية" وقدمهم فى مجلة الإذاعة والتليفزيون، واتجاهه لهذا الفن يرجع لأنه كان مهموماً بفكرة النهضة العربية، وشاهد التأزم والانكسار فى الوطن العربى وهجرة العقول والفساد، وكان يرى ان سبب الانكسار هو التقليد والتبعية للقديم والتقليد والتبعية للآخر، لذلك قرر أن يكون له مشروعه الخاص، وأعجبته فكرة "البورتريه" التشكيلية، وأراد أن يقدم بها النماذج التى تمثل جوهر الشخصية المصرية التى رأى أنها تمثل مشروع النهضة.