مدير الكلية العسكرية التكنولوجية: مناهج الدراسة مواكبة لأحدث الأسلحة المنضمة للقوات المسلحة    تعرف على إجراءات حوكمة استيراد سيارات ذوي الهمم.. أبرزها سحب كارت "تكافل وكرامة" حال المخالفة    الجيش الإسرائيلي يعترف بمقتل ضابط برتبة نقيب في معارك جنوب لبنان    قائمة منتخب موريتانيا لمواجهتي مصر في تصفيات أمم إفريقيا    تطورات أحوال الطقس في مصر.. قائمة بدرجات الحرارة    ريادة في تطوير العقارات.. هايد بارك تحقق نمو استثنائي في المبيعات لعام 2024    أسرتي تحت القصف.. 20 صورة ترصد أفضل لحظات وسام أبوعلي مع عائلته والأهلي    مباحثات خليجية إيرانية تؤكد ضرورة الحفاظ على سلامة واستقرار المنطقة    محافظ الإسماعيلية يتابع نتائج الجرد ربع السنوي بالصوامع (صور)    قبل عرضه في "الجونة السينمائي".. إطلاق الإعلان التشويقي لفيلم "الفستان الأبيض"    آية سماحة: "عمر أفندي" نقطة تحول في مسيرتي    اجتماع موسع لقيادات مديرية الصحة في الإسكندرية    ضبط 17 مخبزا مخالفا في حملة على المخابز في كفر الدوار    إنزو ماريسكا يُعلن تشكيل تشيلسي لمواجهة جينت في دوري المؤتمر الأوروبي    المؤتمر: مبادرات الدولة المصرية بملف الإسكان تستهدف تحقيق رؤية مصر 2030    ممدوح عباس يهاجم مجلس إدارة الزمالك    مدير كلية الدفاع الجوي: خريج الكلية قادر على التعامل مع أحدث الصواريخ والردارات الموجودة في مصر    إيمان العاصي تكشف عن مفاجأة في الحلقات القادمة من مسلسل برغم القانون    أمين الفتوى: الاعتداء على حريات الآخرين ومجاوزة الحدود من المحرمات    دينا الرفاعي وجهاز الفراعنة تحت 20 عاما يحضرون مباراة وادي دجلة والطيران (صور)    قافلة طبية لأهالي «القايات» في المنيا.. والكشف على 520 مواطنًا    تكريم أوائل الطلاب بالشهادات الأزهرية ومعاهد القراءات بأسوان    3 وزراء يفتتحون مركزًا لاستقبال الأطفال بمقر "العدل"    أمين عام الناتو يزور أوكرانيا ويقول إنها أصبحت أقرب لعضوية الحلف    لهذا السبب.. منى جبر تتصدر تريند "جوجل"    «الثقافة» تناقش توظيف فنون الحركة في فرق الرقص الشعبي بمهرجان الإسماعيلية    "القاهرة الإخبارية": الحكومة البريطانية تطالب رعاياها بالخروج الفورى من لبنان    عضو المجلس العسكري الأسبق: مصر لديها فرسان استعادوا سيناء في الميدان والمحاكم - (حوار)    صندوق النقد الدولي يؤكد إجراء المراجعة الرابعة للاقتصاد المصري خلال الأشهر المقبلة    افتتاح المؤتمر الدولي السابع والعشرون لأمراض النساء والتوليد بجامعة عين شمس    أضف إلى معلوماتك الدينية| فضل صلاة الضحى    رئيس الطائفة الإنجيلية يشهد احتفال المستشفى الأمريكي بطنطا بمرور 125 عامًا على تأسيسها    شيخ الأزهر يستقبل سفير سلطنة عمان بالمشيخة    حكم صلة الرحم إذا كانت أخلاقهم سيئة.. «الإفتاء» توضح    إصابة شاب بسبب خلافات الجيرة بسوهاج    سفير السويد: نسعى لإقامة شراكات دائمة وموسعة مع مصر في مجال الرعاية الصحية    لطفي لبيب عن نصر أكتوبر: بعد عودتي من الحرب والدتي صغرت 50 سنة    تأهل علي فرج وهانيا الحمامي لنصف نهائي بطولة قطر للإسكواش    تعديلات قطارات السكك الحديدية 2024.. على خطوط الوجه البحرى    العرض العالمي الأول لفيلم المخرجة أماني جعفر "تهليلة" بمهرجان أميتي الدولي للأفلام القصيرة    باحث: الدولة تريد تحقيق التوزان الاجتماعي بتطبيق الدعم النقدي    الرئيس السيسي يستقبل رئيس الإمارات الشيخ محمد بن زايد آل نهيان بمطار القاهرة    تعدد الزوجات حرام في هذه الحالة .. داعية يفجر مفاجأة    محافظ الغربية يبحث سبل التعاون للاستفادة من الأصول المملوكة للرى    رئيس الوزراء ورئيس ولاية بافاريا الألمانية يترأسان جلسة مباحثات مُوسّعة لبحث التعاون المشترك    منها «الصبر».. 3 صفات تكشف طبيعة شخصية برج الثور    اتفاق بين منتخب فرنسا والريال يُبعد مبابي عن معسكر الديوك في أكتوبر    "الشيوخ": حسام الخولي ممثل الهيئة البرلمانية لحزب مستقبل وطن    وزير الخارجية السعودي: لا علاقات مع إسرائيل قبل قيام دولة فلسطينية مستقلة    ضبط 17 مليون جنيه حصيلة قضايا اتجار بالنقد الأجنبي خلال 24 ساعة    نحاس ودهب وعُملات قديمة.. ضبط 5 متهمين في واقعة سرقة ورشة معادن بالقاهرة    الصحة: تطعيم الأطفال إجباريا ضد 10 أمراض وجميع التطعيمات آمنة    نائب وزير الصحة يوصي بسرعة تطوير 252 وحدة رعاية أولية قبل نهاية أكتوبر    مركز الأزهر للفتوى يوضح أنواع صدقة التطوع    بالفيديو.. استمرار القصف الإسرائيلي ومحاولات التسلل بلبنان    4 أزمات تهدد استقرار الإسماعيلي قبل بداية الموسم    الحالة المرورية اليوم الخميس.. سيولة في صلاح سالم    أستون فيلا يعطل ماكينة ميونخ.. بايرن يتذوق الهزيمة الأولى في دوري الأبطال بعد 147 يومًا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



من مصر المخطوفة‮.. إلي مصر المحروسة
نشر في الوفد يوم 05 - 02 - 2011

قبل‮ 25‮ يناير،‮ لم تكن مصر دولة قانون بالمعني المتعارف عليه في الدساتير‮.. كانت مصر مخطوفة من عصابة،‮ برلمانها مشكوك في شرعيته،‮ حكومتها تتقلب في فراش الأغنياء،‮
‬أحكام القضاء لا تنفذ،‮ العدالة الاجتماعية مفقودة،‮ حزب واحد يحتكر السلطة لمدة‮ 60‮ عاما‮!! والأمن لم يكن للجميع‮. كل هذه المظاهر التي فرضها النظام علي الشعب،‮ أدت إلي أن الفقراء ازدادوا فقرا،‮ والأغنياء ازدادوا‮ غني،‮ وحولت المواطنين إلي مجرد أرقام في دفاتر الحكومة‮.‬
لم يكن النظام الذي استمرأ عبودية الشعب ينوي القيام بأية إصلاحات،‮ وتخيل أنه مخلد،‮ ولم يلتفت حوله جهة الغرب ليرقب بوصلة التغيير التي لا تتوقف‮. كان صوت التوريث هو الأعلي قبل‮ 25‮ يناير لم يصارح مبارك الشعب بالتصريح والتلميح أنه لن يرشح نفسه لولاية سادسة‮. كان خطابة في افتتاح الدورة البرلمانية يوحي أنه مستمر،‮ أو أنه يدير مع نظامه خطة تجهيز نجله للمرحلة القادمة‮. وصف مبارك الغاضبين من تزوير الانتخابات بعد سعيهم لتشكيل برلمان شعبي بأنه بيتسلوا،‮ وصدق كذب نظامه بأن أغلبية الوطن في البرلمان جاءت بإرادة الشعب‮.‬
قبل‮ 25‮ يناير كان النظام يسير علي قضبان بلا نهاية أو محطات للمراجعة‮. ومن نماذج ذلك‮.. تقدمت الحكومة خلال الأسابيع الماضية بمشروع قانون إلي مجلسي الشعب والشوري لتعديل قانون تنظيم الانتخابات الرئاسية تنفيذا لتعديل المادة‮ 76‮ من الدستور الذي تم خلال التعديلات الأخري عام‮ 2007.‬‮ ولأنها مادة دستورية فلا يجوز تعديلها في المجلسين،‮ وكانت قد أحيلت لإضافتها كما هي في قانون تنظيم الانتخابات الرئاسية‮. تحمل المادة القيود المانعة للترشح والتي كشفت عنها أول انتخابات رئاسية عام‮ 2005.‬
وأخذت لجنة الشئون التشريعية بمجلس الشوري برئاسة المستشار رجاء العربي زمام المبادرة باعتبار أن قانون الرئاسة من القوانين المكملة للدستور والذي يلزم موافقة مجلس الشوري عليه،‮ ودعت اللجنة المستشار ممدوح مرعي وزير العدل لمناقشة المشروع،‮ وحالت ظروف خاصة بوزير العدل دون عقد الاجتماع‮. كانت في نهاية الخط تقف اللجنة التشريعية بمجلس الشعب برئاسة الدكتورة آمال عثمان تنتظر رأي الشوري لإقرار المادة‮ 76‮ من الدستور كما وردت من الحكومة لأن الأمر لا يرتبط بتعديلات دستورية جديدة‮. والمادة بشكلها الحالي هي تفصيل علي مقاس مرشح النظام،‮ وتلزم قبول الترشيح لرئاسة الجمهورية أن يؤيد المتقدم للترشيح مائتان وخمسون عضوا علي الأقل من الأعضاء المنتخبين لمجلسي الشعب والشوري والمجالس الشعبية المحلية للمحافظات علي ألا يقل عدد المؤيدين عن خمسة وستين من أعضاء مجلس الشعب وخمسة وعشرين من أعضاء مجلس الشوري،‮ وعشرة أعضاء من كل مجلس شعبي محلي للمحافظة من أربع عشرة محافظة علي الأقل،‮ وتزيد هذه النسبة بما يعادل نسبة ما يطرأ من زيادة علي عدد أعضاء أي من المجلس‮ »‬كما حدث في الكوتة‮« هذا بالنسبة للمرشحين المستقلين للرئاسة‮. أما بالنسبة للمرشحين الحزبيين فإن لكل حزب من الأحزاب السياسية التي مضي علي تأسيسها خمسة أعوام متصلة علي الأقل قبل إعلان فتح باب الترشيح واستمرت طوال هذه المدة في ممارسة نشاطها مع حصول أعضائها في آخر انتخابات علي نسبة‮ 3٪‮ علي الأقل من مجموع مقاعد المنتخبين في المجلسين أو‮ يتساوي وذلك في أحد المجلسين،‮ أن يرشح لرئاسة الجمهورية أحد أعضاء هيئته العليا وفقا لنظامه‮. الأساس متي مضت علي عضويته في هذه الهيئة سنة متصلة علي الأقل‮.. واستثناء من حكم هذه الفقرة يجوز لكل حزب من الأحزاب السياسية التي حصل أعضاؤها علي مقعد علي الأقل في أي من المجلسين في آخر انتخابات أن يرشح في أي انتخابات رئاسية تجري خلال عشر سنوات اعتبارا من أول مايو‮ 2007‮ أحد أعضاء هيئته العليا وفقا لنظامه الأساسي متي مضت علي عضويته في هذه الهيئة سنة متصلة علي الأقل‮. وتكشف هذه الشروط أنها قاسية جدا علي تشجيع المستغلين لأنهم بكل بساطة لا يستطيع أحد منهم إقناع هذه الأعداد من مجلسي الشعب والشوري أو المجالس الشعبية بتأييده بسبب سيطرة الحزب الوطني علي معظم أغلبية المجلسين،‮ ويعد النواب المستقلون والمعارضون علي الأصابع‮! وتمثل المادة بشكلها الحالي حرمانا لفئة من الشعب من الترشيح للانتخابات الرئاسية لأن الدستور في هذه المادة اعترف بالمستقلين،‮ عندما خاطب في فقرة‮ »‬المتقدم للترشيح‮« وهو‮ يفيد المستقل وخاطب في الفقرة الأخري الأحزاب السياسية‮. كما جاءت المادة قاسية علي الأحزاب السياسية لأنه في ظل التزوير الفاضح الذي يمارسه الحزب الوطني ورجاله ونظامه لن يستطيع أي حزب الحصول علي نسبة‮ 3‮ ٪‮ من مقاعد المنتخبين وهو حوالي أكثر من‮ 15‮ عضوًا منتخبًا والدليل ما حدث في الانتخابات الأخيرة علي اعتبار أن الفقرة الأخيرة التي تتحدث عن عضو واحد هي فقرة استثنائية مدتها‮ 10‮ سنوات فقط‮!!‬
نفس الوضع ينطبق علي البرلمان فهو موصوم بعدم الشرعية في جميع فصوله التشريعية،‮ واتخذ من مقولة سيد قراره سدا لإجهاض أحكام القضاء وتقارير محكمة النقض،‮ واستمر المجلس مزورا حتي هذه اللحظة بعد أن ضرب المجلس بكل الأحكام والتقارير عرض الحائط،‮ وأصدر قرارات لمصادرة إرادة الشعب في سبيل الدفاع عن أجندات الحزب الوطني التي وضعت جميع القوي السياسية خارج حساباتها،‮ لنزع أنياب المجلس التي يستخدمها في الرقابة علي أعمال الحكومة،‮ وحتي تصبح الحكومة والحزب الوطني والبرلمان شيئا واحدا،‮ وهو ما حدث،‮ وسمح بالفساد الذي ضرب جنبات الوطن بسبب‮ غياب الرقابة القوية والمحاسبة الجادة‮.‬
وسمعنا في مجلس الشعب قبل‮ 25‮ يناير من يقول إن القوي السياسية التي أيدت المظاهرات وطالبت بحل البرلمان لجأت إلي ذلك لعدم توقيعه رموزها في الانتخابات لسبب أو آخر وكان أمراً‮ طبيعيا أن تنادي بحل البرلمان الذي عجزت عن التمثيل فيه‮.. وكان مثل هذا الكلام قديماً‮.. ويستمر البرلمان المزور رغم معرفة من اتهم القوي السياسية بأنها تطالب بحل البرلمان لعجزها عن الحصول علي نسبة معقولة من مقاعده أن أمام محكمة النقض أكثر من‮ 1526‮ طعنا انتخابيا تطول أكثر من‮ 486‮ نائبا بالإضافة إلي قيام محكمة القضاء الإداري بإصدار أحكام وصلت إلي حوالي‮ 120‮ حكما بوقف الانتخابات وبطلان إجرائها‮. وأغمض البرلمان الأعين والآذان عن هذه الأحكام وهذه الطعون،‮ واستمر كما كان يفعل في السابق بإلقائها‮ -‬تقارير محكمة النقض‮- في الزبالة استنادا إلي سيد قراره وإلي الأغلبية المتحكمة في تمثيل المجلس،‮ كما بدأت الحكومة برفض تنفيذ الأحكام بوقف الانتخابات‮.‬
وساعد الوضع المزري والذي خلقته حكومة مخطوفة من رجال الأعمال سواء ممثلين فيها أو مسيطرين علي سياساتها من خارجها،‮ ووجود برلمان ضعيف لم‮ يأت بإرادة الشعب المصري عن قيام شاب طائش يتقلد منصبا قويا في الحزب الحاكم بامتطاء ظهر النظام الهش وسخر السياسة والاقتصاد علي هواه،‮ مارس الاحتكار من أوسع أبوابه،‮ ودافع عن تجارة الآثار،‮ وتحكم في سوق أهم سلعة استراتيجية وهي الحديد يرفع سعره بالآلاف كما يحب،‮ ويخفضه مئات الجنيهات عندما يريد،‮ ثم أصبح في الأيام الأخيرة يحتكر كل شيء،‮ حتي البرلمان احتكر تشكيله،‮ وخصخصة لصالح الحزب الوطني بنسبة‮ 99٪‮.‬
وإذا كان آخر نفوذ عز هو القضاء نهائيا علي الأمل في تداول السلطة بعد إصراره علي تشكيل برلمان منزوع المعارضة‮.‬،‮ إلا أن هذا التصرف الأحمق عجل بنهاية النظام ونهاية عز الذي وضع رهن التحقيق والتحفظ علي ثرواته التي جمعها بالمخالفة للقوانين كما كانت آخر جرائم عز هي الشرارة التي أطلقت ثورة شباب‮ 25‮ يناير بعد أن أدت سياسة حزب عز وحكومته إلي تدهور جميع الأحوال السياسية والاقتصادية والاجتماعية،‮ واضطر شباب الجامعات حتي الذين تخرجوا في جامعات القمة إلي قبول أعمال مهينة لجمع قوت يومهم،‮ وبعد أن اكتشفوا أن أحلامهم لن تتحقق في وجود هذا النظام الذي قسم البلد إلي سادة وعبيد‮.. خرج الشباب إلي ميدان التحرير وجميع ميادين المحافظات الأخري يطالب بإسقاط النظام،‮ واستعادة مصر المخطوفة إلي مصر المحروسة،‮ وإلي حضن أبنائها الحقيقيين الذين صبروا طوال‮ 60‮ عاما حتي جاء اليوم الذي تمكنوا فيه من تحريرها من أيدي هذه العصابة‮.‬
لم يتحرك شباب مصر من فراغ،‮ ولكنه مارس دور القوة والعنفوان بعد فشل دور العقل الذي مارسته الأحزاب السياسية الشرعية علي مدي العقود السابقة في اقناع النظام بإنشاء محطات للقطار الذي يقوده النظام بسرعة فائقة وكاد أن يدوس به الشعب تحت عجلاته‮. كانت المعارضة المصرية تريد أن يركب في هذا القطار الإصلاح السياسي جنبا إلي جنب مع الإصلاح الاقتصادي،‮ وأن يسير القطار بسرعة عادية تتفق مع إمكانياته التكنولوجية حتي لا يترك علي المحطات فئات الشعب المهمشة‮.. كانت المعارضة تريد أن يركب الفقراء قطار الحضارة مثل الأغنياء‮.. صحيح أنهم سيكونون في نهاية الطابور لكنه الطابور الواحد الذي يصطف فيه الجميع بغض النظر عن الترتيب،‮ بدلا من طوابير عدة صفها النظام،‮ وتعامل مع الطابور والأول،‮ وتجاهل الطوابير الأخري،‮ التي يفشلت حتي في ركوب قطارات السبنسة‮.‬
طالبت‮ »‬المعارضة‮« بدستور جديد ينهض بالبلاد وحكومة من الشعب تدير أملاكه،‮ كما طالبت بتداول السلطة وعدم تركيزها في حزب واحد،‮ ودعت إلي إجراء انتخابات برلمانية حرة تعتمد علي رأي المواطن الحرفي صناديق الاقتراع،‮ ولا تعتمد علي هراوات الحكومة وبلطجية حزبها الحاكم حتي يتم تشكيل برلمان يمثل جميع الأطياف السياسية التي تمارس دور التنفيس تحت القبة،‮ وتعبر عن آهات الشعب المطحون تحت الراية المكسورة‮.‬
وقبلت المعارضة المصرية حوارات مع النظام عدة مرات بعضها لتعديل الدستور وتم الاتفاق علي أشياء محددة لم تنفذ عند التنفيذ،‮ وقام مجلس الشعب الملاكي بتعديل الدستور مرتين في عامين،‮ وحافظي كل منهما علي إرضاء النظام‮. ولم تتخل أحزاب المعارضة عن دورها وساندت ثورتها التي نفذها الشباب،‮ ورفض الحوار الذي دعا إليه نائب رئيس الجمهورية قبل أن يرحل مبارك‮.‬
كان النظام المصري قبل عام‮ 2005‮ يتعامل مع مطالب المعارضة بتعديل الدستور باستخفاف شديد،‮ وكان أذناب النظام يعتقدون أن الدستور قرآن لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه‮. وفوت النظام عليه فرصة وضع دستور جديد عن طريق جمعية تأسيسية،‮ وفجأة أعلن الرئيس مبارك عام‮ 2005‮ عن تعديل بعض مواد الدستور ومنها المادة‮ 76‮ حتي يأتي الرئيس عن طريق الانتخاب المباشر وليس عن طريق الاستفتاء،‮ ورفض النظام وبرلمانه مطالب المعارضة بتعديل المادة‮ 77‮ أيضا للنص تحديد مدة الرئاسة بدلا من المدد المفتوحة احتراماً‮ لمبدأ تداول السلطة،‮ وجاءت المادة‮ 76‮ مانعة للترشيح،‮ وأجريت خلالها انتخابات‮ 2005‮ وفاز الرئيس مبارك علي‮ منافسيه‮.‬
ولكن في‮ عام‮ 2007‮ وافق النظام علي‮ تعديل الدستور وخفف من قيود المادة‮ 76‮ لكنه ارتكب جريمة أكبر وهي‮ الغاء المادة‮ 88‮ الخاصة بالاشراف القضائي‮ الكامل علي‮ الانتخابات،‮ واجريت انتخابات‮ 2011‮ بإشراف شكلي‮ وحدث ما حدث وتم خطف مجلس الشعب‮.‬
وحلت انتفاضة شباب مصر،‮ واعتقد النظام أن ما‮ يحدث في‮ ميدان التحرير دلع شباب طائش سيزهق ويرجع بيته،‮ ولكن اصر الشباب علي‮ استعادة مصر من الخاطفين،‮ وبدأ النظام‮ يتنازل شيئاً‮.. فشيئاً‮..‬
فأعلن الرئيس مبارك إقالة الحكومة،‮ وتشكيل حكومة جديدة،‮ ثم أعلن انه لن‮ يرشح نفسه في‮ الانتخابات القادمة،‮ وانه سيحيل تعديل المادتين‮ 76،‮ 77‮ من الدستور إلي‮ البرلمان لتعديلهما بما‮ يحقق شروط الترشيح للانتخابات الرئاسية،‮ وتحديد مدة الرئاسة،‮ ورأينا قرارات النائب العام بمنع العادلي‮ وجرانة والمغربي‮ بالاضافة إلي‮ عز السفر والتحفظ علي‮ ثرواتهم‮.‬
ورأينا وزير داخلية جديداً‮ يعيد شعار‮ »‬الشرطة في‮ خدمة الشعب‮« ويعلن فتح صفحة جديدة لاستعادة هيبة الشرطة التي‮ اهدرها الوزير السابق‮.‬
ثم رأينا الدكتور أحمد شفيق رئيس الحكومة الجديدة‮ يعلن أنه جاء لوضع حلول سريعة للبطالة وارتفاع الاسعار ومطاردة الفساد،‮ ورأينا تعيين نائب‮ لرئيس الجمهورية هو اللواء عمر سليمان بعد أن بح صوت المعارضة منذ‮ 30‮ عاما بالمطالبة بتعيين نائب للرئيس،‮ ووجدنا نائب الرئيس عرض حواراً‮ جديداً‮ مع المعارضة،‮ ووجدنا وزراء جدداً‮ ووزراء قدامي‮ لكن معظهم عواجيز وربما قصد تكون هناك عقدة نفسية من الشباب ورأينا نائب الرئيس‮ يعلن أيضا عدم ترشح نجل الرئيس للرئاسة ورأينا مجلس الشعب‮ يتراجع عن سيد قراره،‮ ويعلن احترامه لآراء محكمة النقض وأحكام القضاء الاداري‮ يا سبحان الله،‮ رغم أن مجلس الشعب لم‮ يكلف نفسه حتي‮ بمعرفة عدد الطعون التي‮ قدمت ضد نوابه لأنه لم‮ يتوقع ثورة الشباب،‮ وكان‮ يريد أن‮ يبقي‮ الحال علي‮ ما هو عليه،‮ ولكن وجدنا المجلس‮ يخاطب اللجنة العليا للانتخابات بموافاة المجلس بأسماء النواب الذين صدرت ضدهم أحكام قضائية بوقف الانتخابات أو وقف تنفيذها،‮ كما وجدنا البرلمان‮ يعلن استعداده لمناقشة التعديلات الدستورية التي‮ أعلن عنها الرئيس،‮ ورأينا من‮ يعلن أن الامر لن‮ يتوقف عند تعديل المادتين‮ 76،77‮ بل سيتعداه إلي‮ تعديلات أخري‮ منها المادة‮ 93‮ الخاصة بصحة عضوية نواب البرلمان لفض الاشكالية بين البرلمان ومحكمة النقض ومواد أخري‮ تضمن سهولة تبادل السلطة،‮ ورأينا نواباً‮ في‮ البرلمان‮ يقدمون استقالاتهم من المجلس أو الحزب الوطني‮ وآخرين‮ يطالبون بالاسراع في‮ تنفيذ قرارات محكمة النقض وطرد المزورين ورأينا من‮ يخاف علي‮ مصر ويخشي‮ من وقوع فراغ‮ دستوري‮ في‮ البلاد‮.‬
والسؤال هو‮.. هل‮ يستمر البرلمان لمناقشة تقارير محكمة النقض وإقرار التعديلات الدستورية أم‮ يحل وهل‮ يستمر الرئيس مبارك إلي‮ سبتمبر القادم وهو موعد انتهاء ولايته الخامسة أم سيرحل،‮ والجواب الذي‮ سيتحدد خلال الساعات القادمة والذي‮ يجب أن نصل إليه عن طريق العقل والمنطق‮ يقول ان استمرار البرلمان في‮ الفترة الحالية أهم من حله لان إقرار التعديلات الدستورية خاصة إذا تم بتحديد مدة الرئاسة بفترتين وإعادة الاشراف القضائي‮ علي‮ الانتخابات والتوصل إلي‮ فصل محدد بين محكمة النقض ومجلس الشعب فيما‮ يخص الطعون الانتخابية لتصل إلي‮ الزام المجلس بتنفيذ تقارير محكمة النقض،‮ ولا‮ يتعامل معها علي‮ أنها آراء فقط،‮ هو مكسب كبير للمرحلة القادمة،‮ وبالتالي‮ فإن استمرار مجلس الشعب لمناقشة التعديلات الدستورية وتنفيذ الطعون مرتبط باستمرار الرئيس مبارك حتي‮ نهاية ولايته لأنه هو الذي‮ سيتقدم بالتعديلات الدستورية،‮ أما الكلام عن أن ثلث أعضاء مجلس الشعب‮ يحق لهم التقدم بتعديلات دستورية لا‮ ينفذ في‮ ظل عدم وجود رئيس للبلاد‮.‬
لكن بقاء الرئيس حتي‮ انتهاء مدته أو رحيله الآن سوف تحدده ثورة شباب‮ 25‮ يناير ويتوقف علي‮ نجاح مظاهرات‮ »‬جمعة الرحيل‮« والمطلوب أن‮ يحكم الجميع العقل والمنطق قبل أن تسقط مصر‮.. أننا نطالب بعودتها إلي‮ حضن أبنائها المصريين ليستمتع بها الفقراء الذين قهرهم رجال النظام‮.‬


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.