تزايدت ظاهرة الانتحار، وانتشرت بشكل ملحوظة خلال الأيام الماضية وخاصة بين الشباب والطلاب فى عمر الزهور، وتظل علامات التعجب والاستفهام تحيط بالمقدمين على الانتحار والتخلص من حياتهم، بطريقة درامية. فقد شهد الأسبوع الماضى وقوع حالات انتحار بمختلف محافظات الجمهورية جسد بطولتها شباب لم يتخطوا العقد الثانى من أعمارهم، بسبب الظروف المحيطة بهم، كان من بينها انتحار طالب 14 عاماً بمدينة المحلة الكبرى بمحافظة الغربية، وكانت آخر كلماته على صفحته بموقع «فيس بوك» «أيها الأموات تحت الأرض إنما الذين عاشوا فوق الأرض أموات». كما شهدت أمس محافظة الشرقية ضحية جديدة للانتحار بعدما أقدمت طالبة بالمرحلة الثانوية الفنية على التخلص من حياتها شنقاً فى سقف غرفتها بمركز أولاد صقر، كان اللواء رضا طبلية تلقى إخطارا بالعثور على جثة «نورا» طالبة بالثانوية التجارية معلقة فى سقف غرفتها، وأكد الدكتور عصام فرحات مدير الطوارئ، أنه تم التحفظ على الجثة بثلاجة الموتى تحت تصرف النيابة العامة، التى أمرت بانتداب الطبيب الشرعى لتحديد اسباب الوفاة، والتأكد من وجود شبهة جنائية من عدمه، كما طالبت تحريات المباحث، وصرحت بدفن الجثة، ونفت اسرة الطالبة اصابتها بأى أمراض نفسية . ومع تفشى تلك الظاهرة وخاصة بين الشباب، رصدت «الوفد» أراء عدد من الأطباء النفسيين، والأساتذة وخبراء علم النفس، لمعرفة بواعث هذه الظاهرة الخطيرة. أكد الدكتور سعيد عبد العظيم أستاذ الطب النفسى بجامعة القاهرة أن الاطفال مثل الكبار يصابون بالاكتئاب الشديد وهو ما يتسبب فى إقدامهم على الانتحار مضيفا أن الوالدين يشغلان دورًا رئيسيًا لهذه الظاهرة بسبب سوء معاملتهما وجهلهما التعامل مع أبنائهما، مشيرا الى أن الظاهرة تبدأ من سن العاشرة وهي السن التى يدرك فيها الطفل معنى الموت والحياة أما قبل ذلك فهم لا يدركون هذه التفاصيل. وأوضح عبد العظيم أن هناك أسبابًا كثيرة تدفع الطفل للاقدام على التخلص من حياته منها حرمانه من بعض المتطلبات الخاصة به، وعدم تلبية طلباته مما يدفعه للانتحار، بالاضافة الى غياب الديمقراطية فى البيوت بمعنى أن الاهالى يرفضون الاستماع الى الطفل ويصرون على تنفيذ الاوامر دون مناقشة كأنه إنسان لا يملك حق الحوار، مطالبا بضرورة إعطاء الطفل ومنحه الفرصة المناسبة للتعبير عن النفس مع مراعاة توجيهه. وأضاف أن هناك أطفالًا تتعرض لانتهاكات جسدية وعضوية عن طريق الضرب بصورة وحشية مما يؤدى فى بعض الاحيان يؤدى إلى إصابتهم بجروح أو كسور، وليت الأمر يقتصر على ذلك فقط.. فهناك أطفال تصاب باثار نفسية وعصبية شديدة. وتطرق إلى ذكر أن هناك بعض الأسر تفرق بين الابناء مما يثير شعور الحقد والضغينة بينهم بالإضافة إلى تأثيره النفسى الخطير على الأطفال.. و أن الطفل فى هذه الحالة يشعر أنه مكروه وغير مرغوب فيه دون أسباب معلنة فيتأثر نفسيا خاصه أنه يشعر دائما أنه لابد ان يكون محور اهتمام عائلته وأنه محبوب ومميز لديهم بالإضافة إلى أنهم يحبون الشعور بالحنان والدفء الأسرى وفور حرمانهم من ذلك يكرهون حياتهم ويقدمون على الانتحار. وفى نهاية كلامه اكد أن الاسرة المتهم الرئيسى فى تلك الحوادث ولابد من استصدار عقوبات للأسر التى يقدم أو يشرع ابناؤهم على الانتحار وطالب بضرورة منح الأمهات والأباء دروسًا تثقيفية وتربوية يتعلمون من خلالها كيفية التعامل مع أولادهم خاصة وان هناك الكثير من أولياء أمور تعرضوا فى صغرهم الى الضرب والاهانة. ومن جانبه تعجب الدكتور وليد مجدى أستاذ الطب النفسى من حالة الصمت،حيال ظاهرة انتحار الأطفال ويرى أن ما يحدث كارثة لا يقبلها العقل وتستحق محاسبة المسئولين فالمدارس على حد قوله أصبحت بيئة غير صحية وطاردة للطلبة فضلاً عن تكدس الفصول بالتلاميذ فلا يستطيع الطفل أن يمارس هواياته، يضاف الى ذلك اهمال المدرسين وعدم إلمامهم بالعملية التعليمية والتربوية. وأضاف أن الجميع معرضون للإصابة بأمراض الاكتئاب خاصة فى ظل مجتمع يعانى الجزء الأكبر من سكانه من الفقر وعدم قدرة الأسر على الوفاء باحتياجات أبنائها أثناء الدراسة أو بعدها، ويشكل هذا ضغطا على الآباء ما يجعلهم ينشغلون عن حاجة أبنائهم إليهم، غير مدركين أن أبناءهم ينتمون إلى جيل جديد مختلف ويعانون من مشاكل مختلفة بالطبع ولذا تحدث حالة من الجمود فى قنوات التواصل بين الآباء والأبناء وينعدم الحوار الأسرى، وهذا يصيب الأبناء بالعزلة عن جو الأسرة، ونتائج ذلك تكون وخيمة عليهم. وبشكل عام فإن المرض النفسى لا يفرق بين صغير وكبير، وأوضح إنه حينما يصاب الأطفال بالاكتئاب أو أى من الأمراض النفسية يكونون فريسة سهلة للانتحار، حيث يظهر لديهم تغير سلوكى بشكل سريع، أما الكبار فيؤدى الاكتئاب لديهم إلى اضطرابات بيولوجية مثل الأرق وفقدان البهجة والسعادة، وقد يتأخر إقدامهم على الانتحار بسببه. كما ألمح أحمد عبد الله الخبير النفسى إلى أن للانتحار أسبابٍا بيولوجية واجتماعية واقتصادية، فمن بينها تلوث الهواء والغذاء فتتراكم مواد بالمخ تجعل الإنسان يميل الى العنف، الى جانب التفكك الأسري، علاوة على عدم اشعار الطفل أو الطالب بذاته بين أهله، وغياب التحفيز والاحترام، مطالبا الآباء بمراعاة أبنائهم إضافة الى التثقيف الديني.