لم يخبر فاطمة - زوجته - أنه سيبيع الحمار لأنه عشرة عمر، وهى التى ربته بعد أن نفقت أمه ولا يهدأ لها بال إلا بعد أن تطعمه وتطمئن عليه فى المكان المخصص له فى ركن الدار.. لكن ما باليد حيلة ولم يعد أمام عوض سوى الحمار ليبيعه ويكمل ثمن السماد والتقاوى، التى تلزم زراعة الأرض التى يستأجرها من سنوات طويلة. يؤكد «عوضين» أن الفلاح المصرى لا ينتظر معونات من أحد، لكنه يطالب بألا يتحمل ضرائب أو ديوناً، خاصة بعد ارتفاع سعر تأجير الفدان من 1000 جنيه إلى 4 آلاف، غير السماد والتقاوى.. وضع «عوضين» يده على خده الأيمن قائلاً: والواحد كبر وعجز والعيال مش لاقية تتعلم ومافيش تأمينات ولو فيه هتعمل إيه ال200 جنيه فى الغلاء اللى كاوى الكل كل شىء بالديون، بنزرع القيراطين بالدين ونيجى نبيع شوية الخضار التاجر يخسف بيهم الأرض. وضع «عوضين» يده على رأسه وقال: النتيجة أن فيه ناس هتتحبس والحكومة زودت الضرائب. ايشى ربط ضريبى وابصر إيه!! فيه ناس عليها فلوس للبنك.. أنا بقى مديون لطوب الأرض. لأنى استلفت 2000 جنيه من ابن خالى وزيهم من نسيبى على حس الزرع ويادوب ما جابش التكاليف».. ويضيف: «زرعنا شوية خضار طماطم وكوسا التاجر حملهم على عربية ورمالى 500 جنيه وقالى مشى حالك.. الدنيا فى مصر مولعة وكل خطوة بالفلوس وما قدرتش أتكلم لأنى محتاج أى قرش وعلى أمل إنه يكملى الفلوس لما يرجع لكن بصراحة الحال كدة ما ينفعش وهنموت من الجوع. وورانا عيال بتتعلم وبتاكل وتلبس هنعمل فيهم إيه. وما حدش بيساعدنا لا حكومة ولا غيرها وأنا مش صاحب أطيان ولا زارع قطن ولا قمح هما شوية خضار كل موسم اللى بقدر عليهم. لكن أكتر من كده مش هقدر. ويختتم «عوضين» حديثه قائلاً: أبيع إيه تانى.. مش كفاية لا مية حلوة ولا صرف لسة بنستعمل الترمبة وحريمنا بتغسل المواعين فى الترعة» يعنى مش مكلفين الحكومة حاجة حتى العيال بتاخد دروس علشان تاخد شهادة يمكن تبقى حاجة كويسة بالعلام بدل الفلاحة والأرض اللى بقت ماتأكلش عيش!!». أما فاطمة «أم العيال» فكانت تكنس دارها وتقول فى أسى: «لا فرخة ولا كتكوت» كنت أربى وأدبح للعيال ياكلوا يوم الخميس على شوية طماطم وخضرة من الغيط والرز بقى غالى، إحنا ماعندناش بطاقة تموين كانت بتاعة حماتى وضاعت مش عارفين نعمل غيرها علشان نجيب الزيت والسكر اللى مش لاقيينه.. دمعت عين الفلاحة الفقيرة وأخذت تمسح دموعها بطرف طرحتها السوداء قائلة: الفلاحين أغلب من الغلب. وماحدش سائل فيهم ولا شايفهم. كانوا زمان بيحسدونا على حتة الجبنة القريش. مابندوقهاش ولو عملنا شوية نستخسرهم فى نفسنا ونبيعهم فى السوق ونجيب عيش لأن مافيش دقيق نخبز، خير الفلاحين كان زمان، واليومين دول الفلاح مش لاقى العيش الحاف والأرض بقت زى العيال حمل تقيل مش قادرين نشيله.. واحدة هانم من المركز كان عندها فرح بعت لها الطيور كلها ودبحتها ونضفتها واخدت قرشين حلويين علشان درس محمد. أصله فى الثانوية العامة وبيقول عاوز يبقى دكتور.. طيب منين؟! ده أبوه باع الحمار اللى حيلتنا وبرضه الزرع خاب.. والسكر هد حيلة ما بيقدرش يمشى وكتير بيستلف حمار أخويا يشيل عليه حمل البرسيم أو حمار جارنا ومافيش غنى عن الركوبة.. وتساءلت فاطمة ببؤس شديد وتلقائية مفرطة: هو إحنا مش ولاد مصر وياما البلد أكلت من إيد الفلاحين؟!