ارتفعت، أمس، أسعار عدد كبير من السلع الأساسية في الأسواق بنسبة زيادة تصل إلي 20٪، خاصة السلع الكهربائية والغذائية، وكان المبرر للتجار الجشعين زيادة أسعار الدولار. وفجأة ودون سابق إنذار صدم أصحاب بطاقات التموين بارتفاع أسعار السلع التموينية بنسبة تتراوح ما بين 20 و50٪ عن آخر زيادة حدثت لنفس السلع قبل شهر واحد، وبعد قرار الحكومة المصرية تعويم الدولار واختفاء السكر من الأسواق ثم عودته بأسعار مضاعفة، وبهذه الزيادة الجديدة التي رفعت سعر الزيت التمويني إلي 10 جنيهات تكون الحكومة نفذت قراراتها الصادمة برفع الدعم التدريجى عن السلع الأساسية. وشملت الزيادة، أيضاً، اللحوم السودانية، حيث ارتفع سعر الكيلو في المجمعات إلي 75 جنيهاً بدلاً من 60 جنيهاً، وبواقع 15 جنيهاً زيادة للكيلو الواحد. الناس تسأل.. إلي متي هذه الصدمات من حكومة «إسماعيل» وإلي متي يتحمل المواطن السياسات والقرارات المتخبطة؟ وهل 3 جنيهات زيادة في الدعم السلعي ستمكن المواطن الغلبان ومحدودي الدخل من مواجهته الحياة؟.. وهل حتي الزيادة المتوقعة في الزيت من أول يناير القادم بعد ضم العلاوات ستمكن المصريين من مواجهة هذه الصدمات الاستفزازية.. حالة الانفلات في الأسعار التي تعيشها مصر منذ تحرير سعر الصرف جعلت الكثيرين يتساءلون عن دور الدولة في تحديد هامش الربح علي السلع، خاصة أن مصر هي الدولة الوحيدة التي لا يوجد فيها أي قانون أو عرف لتحديد هامش الربح، ومن ثم حدثت ارتفاعات غير مبررة في أسعار كل شيء وتركت الدولة المواطنين وجهاً لوجه مع غول الجشع والاستغلال الذي راح يلتهم كل دخولهم المحدودة، وأصبح الأمر في حاجة إلي تدخل الدولة لحماية المواطنين. الخبراء أكدوا أن دور الدولة ضروري، فحتي في أعتي الدول الرأسمالية لا تترك الدولة مواطنيها «عزل» في مواجهة جشع التجار والمنتجين الذين يريدون تحقيق الثراء السريع علي حساب المواطنين، ومن ثم أصبح إيجاد صيغة لتحديد هامش الربح ضرورة لحماية المواطنين. في شهر أكتوبر الماضي، ونتيجة ارتفاع أسعار العديد من السلع نتيجة تحريك سعر الجنيه أمام الدولار جزئياً فكرت الحكومة في تحديد هامش للربح، وأصدر مجلس الوزراء قراراً يحمل رقم 2648 لسنة 2016 بتشكيل لجنة برئاسة المهندس شريف إسماعيل، رئيس الوزراء، لتحديد هامش الربح علي المنتجات والسلع الأساسية سواء المحلية أو المستوردة علي أن يرتبط هذا بنظام متطور لتسعير هذه المنتجات بالتنسيق مع اتحاد الصناعات المصرية والاتحاد العام للغرف التجارية. وقتها أكد رئيس الوزراء، أن قرار تشكيل لجنة تحديد هامش الربح يستهدف وضع ضوابط لمنع الاستغلال والاحتكار، وأن الدراسة الحالية تتم في إطار تحديد هامش الربح لأهم السلع الاستراتيجية، مشيراً إلي أن هذا قد يتم لفترة محددة، ولكن اللجنة التي تضم كلاً من وزراء التنمية المحلية، التجارة، المالية، التموين، الاستثمار، رئيس جهاز الأمن القومي، ممثل عن هيئة الرقابة الإدارية، ممثل عن وزارة الدفاع، رئيس جهاز حماية المنافسة ومنع الاحتكار، ورئيس جهاز حماية المستهلك لم تقدم شيئاً، ويبدو أن اعتراض اتحاد الصناعات علي وجود مثل هذه اللجنة كان له صدي لدي الحكومة فلم تقم اللجنة بعملها بل والأخطر أنه بعد ذلك بأيام قليلة تم تحرير سعر الصرف تماماً وصاحبه قرار برفع أسعار المحروقات، وهو ما انعكس علي أسعار كل شيء في مصر، بدءاً من «الجرجير» وحتي أسعار السيارات، وما بين استغلال التجار للظروف ولجنة الحكومة التي اختفت في ظروف غامضة راح المواطن ضحية، وأصبح ارتفاع الأسعار هو حديث الصباح والمساء، فلا حديث لهم غيره فالكل يعاني مهما كان مستوي الدخل والحكومة «ودن من طين وودن من عجين». ولأن مصر هي الدولة الوحيدة التي لا يوجد فيها هامش للربح في أي شيء أصبح الحبل علي الغارب للتجار والمنتجين يفعلون بالمصريين ما يشاءون، ويكفي أن نذكر بعض الأرقام التي تكشف حجم الاستغلال الذي يتعرض له المصريون كل يوم، فعلي سبيل المثال تبلغ أرباح صناعة المنتجات الغذائية في مصر 100٪، بينما لا يزيد معدل الربح في العالم كله على 25٪، أما صناعة الأدوية فالأرباح فيها تصل لمئات الأضعاف، بل إن تقريراً لمركز الحق في الدواء وصفها بأنها تفوق أرباح تجارة المخدرات، ومن الصناعة إلي التجارة فنسبة الربح غير المحددة جعلت نفس السلعة تباع بأسعار مختلفة علي حسب المكان، وهو الأمر الذي تنفرد به مصر دون بلدان العالم أجمع، ويكفي أن نذكر أن سعر كيلو العدس ارتفع من 12 جنيهاً قبل تحرير سعر الصرف إلي 26 جنيهاً في بعض المناطق ويصل إلي 30 جنيهاً في مناطق أخري وفي ثالثة يباع ب42 جنيهاً وكذلك أسعار الأرز والسكر والدواجن واللحوم وكل السلع تقريباً تتفاوت أسعارها من مكان إلي آخر حسب هوي البائع وطبيعة الحي. وإذا كان اتحاد الصناعات اعترض علي لجنة رئيس الوزراء التي لم تعمل بعد متذرعاً بالمادة رقم 10 من قانون الاستثمار التي تنص علي أنه لا يجوز لأي جهة إدارية في مصر التدخل لتسعير منتجات الشركات والمنشآت وتحديد أرباحها، فإن حالة الاستغلال التي يتعرض لها المواطن كل لحظة، تتطلب غير ذلك، وفقاً للدكتورة كريمة الحفناوي، أمين عام الحزب الاشتراكي المصري، التي أكدت ضرورة وجود آلية لتحديد هامش الربح لكل سلعة بدلاً من أن يقع المواطن فريسة لجشع التجار. وأضافت أنه حتي في أعتي الدول الرأسمالية لا تترك الأمور دون تحديد مثل ما هو موجود في مصر، فمن المعروف أن هامش الربح في العالم كله لا يزيد علي 25٪، عدا بعض السلع ذات التكنولوجيا العالية التي يصل فيها الربح إلي 35٪، أما في مصر فكل شيء يسير بطريقة عشوائية، حيث يصل الربح إلي 100٪ و200٪ في بعض الصناعات. وأكدت أن الدول الرأسمالية جميعاً لديها قوانين تحمي المنافسة وتجرم الممارسات الاحتكارية، وهذا القانون معطل في مصر، موضحة أن ترك اقتصادات السوق دون حماية للمواطنين يؤدي إلي حدوث أزمات كبري مثلما حدث في أمريكا عام 2008، لذلك أصبحت الحكومات تتدخل لحماية مواطنيها، أما في مصر فرغم كل الأزمات فالدولة لا تتدخل وتترك المواطنين فريسة لجشع التجار بل والأكثر من ذلك أنها أصبحت تساند المحتكرين علي حساب الشعب المصري بمعني آخر فالحكومة تعمل لصالح 1٪ من الشعب، ولا تتدخل لصالح ال99٪. وأشارت إلي أن تدخل الدولة لصالح المواطنين أمن قومي، ومن ثم فلا بد أن تعمل لصالحهم وليس لصالح قلة من رجال الأعمال المنتفعين. لكنَّ الدكتور صلاح الدين فهمي، أستاذ الاقتصاد بجامعة الأزهر، أكد أنه وفقاً لقواعد النظم الرأسمالية، فإن تحديد السعر يتم وفقاً للعرض والطلب، ومن ثم فلا يمكن للحكومة التدخل بسن قانون بهذا الشكل، ولكن يمكن أن يتم ذلك بشكل ودي من خلال الغرف التجارية واتحاد الصناعات، علي أن يكون هامش الربح في حدود 10٪ أو 15٪ وبذلك فالمستهلك سيشتري من التاجر الملتزم بهامش الربح، ومن ثم سيسعي الجميع للالتزام به، ولكن بشكل اختياري دون فرض سعر من الدولة. وأكد الدكتور «صلاح»، قيام الحكومة بفرض رقابة علي الأسواق من خلال مفتشي التموين الذين يجب أن يمروا علي الأسواق مع تحديد حد أدني وأعلي للسعر ومن يزد عليه يعاقب. وأضاف أن هذا لا يعني العودة للنظم الاشتراكية، ففي الدولة الرأسمالية هناك دور قوى للدولة في حماية مواطنيها من خلال مراقبة الأسعار لمنع الاستغلال، والتجار والمنتجون هناك ملتزمون بالأسعار دون مبالغة؛ لأن النظام الرأسمالي قوامه عبارة «اعمل.. تنتج.. تربح»، وهذا الشعار يجب أن يطبق في مصر مع ضرورة وجود رقابة علي الأسواق.