لحوم فاسدة ودواجن منتهية الصلاحية وقمح مسرطن، وسلع رخيصة ورديئة.. تلك كانت أهم المنتجات التى غزت أسواق مصر مؤخرًا على أيدى المستوردين. الذين استغلوا غياب الرقابة والأوضاع المعيشية الصعبة التى يمر بها المواطنون، وقاموا بجلب سلع رخيصة الثمن رديئة الجودة، لإغراء المواطن بشرائها.. والغريب فى الأمر أن المستهلك يتهافت على شرائها لضيق ذات اليد، دون الاهتمام بمدى خطورتها على الصحة، فأصبح البحث عن الأرخص شعار البسطاء للشراء من الأسواق. تشير البيانات إلى أن عدد المستوردين فى مصر يصل لنحو 800 ألف مستورد رسمى، يستوردون مختلف المنتجات من الخارج، وأكد تقرير صدر مؤخرًا من الاتحاد العام للغرف التجارية أن جميع المنتجات الصينية الرديئة التى تدخل للسوق المحلي، تتم عن طريق التهريب، وطبقًا للاحصائيات فإن اجمالى استيراد مصر للسلع الصينية يقدر بما يزيد على 60 مليار جنيه سنويًا هذا فضلا عما يتم تهريبه وإدخاله للأسواق. بما أن المنتج الأرخص هو الذى يجذب أنظار المستهلك، فقد انتهز أغلب المستوردين تلك الذريعة، وقاموا باستيراد سلع غذائية، ومنتجات، وبضائع رديئة وفاسدة، وبيعها بأرخص الأسعار، فى الأسواق المصرية، وتجد تلك السلع اقبالًا كبيرًا من المواطنين، رغم كونها مجهولة المصدر، وبعضها يتم تهريبه وأوشكت صلاحيته على الانتهاء، فى الوقت الذى نجد فيه أسعار المنتجات المحلية الصنع، أضعاف المنتجات المستوردة! شهدت السنوات الماضية دخول البلاد سلع رديئة ورخيصة، أصابت المصريين بالعديد من الأمراض، بينما جنى المستوردون الأرباح الطائلة من ورائها، ففى شهر سبتمبر الماضى تم رفض شحنة قمح روسى تقدر بنحو 60 ألف طن لاحتوائها على فطر الارجوت وسبقت تلك الشحنة أخرى قادمة من رومانيا كانت تقدر بنحو 63 ألف طن، وفى نهاية شهر سبتمبر الماضى أعدمت سلطات مطار القاهرة 2000 كرتونة دواجن بداخلها 250 ألف «بطة» كانت قادمة من فرنسا لصالح إحدى شركات الاستيراد فى مصر، والتى تبين بعد إجراء التحاليل عليها، احتواؤها على دواجن غير صالحة للاستهلاك الآدمى، هذا فضلا عن سلع ومنتجات أخرى يتم إدخالها للبلاد بطرق ملتوية وتباع أمام أعين الأجهزة الرقابية.. وكانت شحنات الدواجن البرازيلية الفاسدة التى تم رفضها مؤخرًا من أهم الشحنات التى أثارت جدلا كبيرًا بعد رفض دخولها إلى مصر والتى سعى التجار لبيعها فى الأسواق إلا أن مخططاتهم باءت بالفشل، فضلا عن صفقات اللحوم الفاسدة، والتى كانت أشهرها اللحوم الهندية، والدواجن المهرمنة غير الصالحة للاستهلاك الآدمى، فضلاً عن الأدوات الكهربائية والمنزلية التى يتم استيرادها من الصين بجودة أقل وأسعار أرخص كثيرًا من المنتجات المحلية، ومع الأسف يقبل البسطاء على شراء تلك الأغذية والمنتجات بغض النظر عن مستوى جودتها، فالأسعار الرخيصة دائمًا تلفت أنظار المستهلك، والخطير فى الأمر أن ما يحدث يؤكد على تراخى دور الأجهزة الرقابية فى القيام بدورها الرقابى على الواردات . فى البداية تقع مسئولية دخول تلك السلع للبلاد على المستوردين ثم الحكومة، فأغلب الدول الأوروبية ترفض دخول أى شحنات غير مطابقة للمواصفات، أما فى مصر فيتم تمرير العديد من الصفقات الفاسدة بطرق ملتوية، حتى تحولت الأسواق فى مصر، لمقلب قمامة تباع بداخله مخلفات وبواقى الدول الأوروبية، وتعد الصين من أكبر الدول التى نستورد منها السلع الرديئة والرخيصة، فبين الحين والآخر تتوالى شحنات القمح الفاسدة والمصابة بفطر الأرجوت، والتى تدخل البلاد أمام أعين المسئولين. غياب الضمير ومن جانبه أكد الدكتور عبدالمطلب عبدالحميد، أستاذ الاقتصاد والإدارة بأكاديمية السادات للعلوم الإدارية، أن المستوردين فى مصر لا يهتمون باستيراد أجود أنواع السلع، فهم لديهم قناعة بأن المستهلك يبحث عن الأرخص، وليس الأجود، فضلا عن إيمانهم بأن «معدة المصريين تهضم الزلط»، لذا نجد أن أغلب المستوردين حرصوا على جلب السلع الرديئة من الخارج على حساب صحة المواطنين، لذا فإن مسئولية انتشار الأغذية والسلع الفاسدة تقع أولا على المستورد الذى يستورد سلعًا درجة ثالثة، وأحيانا يتم استيراد مخلفات الدول الأوروبية والسلع التى أوشكت صلاحيتها على الانتهاء، لبيعها بالأسواق الشعبية بأرخص الاسعار ويجنى من ورائها الارباح الطائلة، وقد شهدت البلاد فى السنوات الأخيرة العديد من قضايا الفساد التى كشفت عن دخول لحوم ودواجن فاسدة وأغذية منتهية الصلاحية وكان آخرها القمح المسرطن، ومن ناحية أخرى يرى الدكتور عبدالمطلب ان هناك ضعفًا رقابيًا من قبل المسئولين بالرقابة على الواردات والسلع الجمركية والحجر البيطري، وهذا ما أدى لغزو الاغذية الفاسدة والسلع الرديئة الرخيصة التى يتم تهريبها من حين لآخر، فالدول الأوروبية لا تقبل بدخول سلع غير مطابقة للمواصفات وترفض دخولها البلاد بل وتقوم بإرجاعها إلى البلد المصدر فوراً. ويتساءل «عبدالمطلب» لماذا لا تقوم الحكومة باتخاذ نفس الاجراء للحفاظ على صحة المواطنين، ويطالب بضرورة تشجيع الحكومة للمنتج المحلى وتفعيل دور الجهات الرقابية ومحاسبة المقصرين، وشدد على أهمية تطبيق المواصفات القياسية ومعايير الجودة على جميع السلع التى تدخل للأسواق المصرية فنحن بحاجة لوقفة جادة لمنع دخول المنتجات الرديئة والتى يأتى أغلبها من الصين بمليارات الجنيهات. سلع رديئة الدكتور عادل عامر، مدير مركز المصريين للدراسات السياسية والاقتصادية، يؤكد أن هناك معايير للجودة تختلف من سلعة لأخرى، وكلما انخفضت تلك المعايير انخفض سعر المنتج أو السلعة وقد انتشرت مؤخراً سلع عديدة غزت الأسواق كانت أقل جودة، ويرى أن المستوردين سعوا لجلب السلع الأقل جودة من أجل احداث توازن فى الاسواق وأملاً فى خفض أسعار المنتج المحلى وحتى لا تنتج ممارسات احتكارية، لكننا أصبحنا بحاجة لمزيد من الرقابة الجادة حتى لا يتم استيراد سلع تضر بصحة المصريين وتلك المسئولية تقع على عاتق الأجهزة الرقابية التى يجب عليها رفض ادخال السلع غير المطابقة للمواصفات فهى التى تتولى فحص الواردات سواء من الناحية الصحية أو المواصفات القياسية وأن يتم الالتزام بالحد الأدنى للجودة قبل الاستيراد من الخارج فالدول الأوروبية سوق مفتوح والمستورد هو الذى يختار البلد الذى يقوم بالاستيراد منه كما يحدد جودة المنتج أيضاً. أما أحمد شيحة، رئيس شعبة المستوردين، فيرفض ما يقال عن وجود سلع رديئة تباع بأسعار رخيصة فى الأسواق المصرية، مؤكداً أن جشع التجار هو السبب الرئيسى فى ارتفاع أسعار المنتجات المحلية بالمقارنة بالسلع المستوردة، وأوضح أنه لا يتم قبول أى سلعة غير مطابقة للمواصفات القياسية لأن السلع التى يتم استيرادها من الخارج يتم فحصها من قبل الجهات الرقابية ووزارة الصحة والحجر البيطري، حيث يتم فحصها قبل تعبئتها وشحنها ويعاد الفحص مرة أخرى بمجرد وصولها للموانئ المصرية وتقوم لجان الصادرات والواردات بمنع دخول السلع الرديئة ويؤكد على أن ما يثار حول دخول شحنات من الدواجن الفاسدة هو مجرد شائعات لا أساس لها من الصحة أطلقها التجار حتى يتسنى لهم احتكار الاسواق، فالسلع المستوردة ليست أرخص من السلع المحلية لأن تكلفتها تعد أعلى من السلع المصرية والتجار فى مصر يرفعون الاسعار من أجل تحقيق أكبر قدر من المكاسب على حساب المستهلك. ومن ناحية أخرى، أكد مختار الجمل، أحد المختصين فى صناعة الدواجن، خلال تصريحاته مؤخراً ان ما يتم استيراده من دواجن من الخارج لا نعلم مصدرها، حيث يتم استيرادها من جهات عديدة وتكون محقونة بمواد وهرمونات لا تكتشف إلا مع الغليان، حيث تفقد نحو 15٪ من وزنها فنحن نشترى وزنًا أكبر ولحمًا أقل، وطالب خلال حديثه بدعم المنتج المحلى لأنه لا يوجد مبرر اقتصادى لفتح المجال لاستيراد الدواجن من الخارج وإعفائها من الجمارك.