شارك الرئيس عبدالفتاح السيسي، اليوم الأربعاء، في الجلسة الافتتاحية للقمة الأفريقية العربية الرابعة المُنعقدة في عاصمة غينيا الاستوائية مالابو تحت شعار "معًا من أجل التنمية المستدامة والتعاون الاقتصادي"، التي حضرها عدد من رؤساء الدول العربية، منهم أمير الكويت، والرئيس السوداني عمر البشير، والرئيس الموريتاني محمد ولد عبدالعزيز، بالإضافة إلى عدد كبير من رؤساء الدول الأفريقية منهم تشاد ونيجيريا وزامبيا والكونجو وزيمبابوى وكوت ديفوار. صرح السفير علاء يوسف المتحدث الرسمي باسم رئاسة الجمهورية، بأن مشاركة الرئيس فى القمة الأفريقية العربية جاءت لتعكس حرص مصر على تعزيز التعاون الأفريقي العربي المشترك من أجل تحقيق التنمية المستدامة ومواجهة مختلف التحديات التي تواجه الشعوب العربية والأفريقية في هذا الخصوص، مشيرًا إلى أن السيسي تابع الاتصالات التى تمت قبل انعقاد القمة لمحاولة إيجاد مخرج للأزمة التي شهدها الاجتماع الوزاري أمس تحضيرًا للقمة اتصالًا بمشاركة الجمهورية الصحراوية. وتجدر الإشارة إلى أن مصر لا تعترف بالجمهورية الصحراوية، ولكنها تحظى بوضعية دولة عضو بالاتحاد الأفريقي. وأضاف المتحدث الرسمي أنه من منطلق المسئولية الخاصة التى تضطلع بها مصر كدولة عربية أفريقية، فقد حرصت على المشاركة فى القمة، خاصة وأنها هي التي دشنت الشراكة الأفريقية العربية المهمة من خلال استضافة القمة الأولى عام 1977، كما أنها تحرص دومًا على إرساء آليات لتعزيز العلاقات بين الأمة العربية والقارة الأفريقية في مرحلة تستدعي تكاتف جميع الجهود من أجل وحدة الصف والتضامن فى مواجهة التحديات المختلفة. وألقى السيسي كلمة أمام القمة، فيما يلي نصها: " فخامة الرئيس تيودورو اوبيانج رئيس جمهورية غينيا الاستوائية فخامة الرئيس أدريس ديبي رئيس جمهورية تشاد ورئيس الاتحاد الأفريقي فخامة الرئيس محمد ولد عبدالعزيز رئيس جمهورية موريتانيا الإسلامية ورئيس مجلس جامعة الدول العربية أصحاب الجلالة والفخامة رؤساء الدول والحكومات السيدات والسادة.. اسمحوا لي في البداية أن أُعرب لكم، فخامة الرئيس تيودورو اوبيانج، عن بالغ سعادتي بوجودي مُجددًا في مالابو، تلك المدينة الجميلة التي شهدت أولى مشاركاتي منذ عامين في قمم الاتحاد الأفريقي. وأود أن أشيد في هذا الإطار بحرصكم على استضافة القمم الأفريقية وقمتنا الحالية، الذي يعكس التزام بلدكم الشقيق بالعمل الأفريقي المشترك، وتعزيز علاقات التعاون بين الدول الأفريقية والعربية. كما أُعبر عن خالص تقديري لرئيسي الدورة الثالثة للقمة الأفريقية العربية، أخي صاحب السمو الأمير/ صباح الأحمد الجابر الصباح، أمير دولة الكويت الشقيقة، وأخي رئيس الوزراء الإثيوبي/ هايلاماريام ديسالن، على جهودهما الحثيثة لتطوير التعاون الأفريقي -العربي منذ انعقاد قمة الكويت في عام 2013. أصحاب الجلالة والفخامة رؤساء الدول والحكومات يأتي انعقاد القمة الأفريقية العربية الحالية تحت عنوان "معًا من أجل التنمية المستدامة والتعاون الاقتصادي"، ليعكس إدراكنا المشترك بأن الأهداف المتعلقة بتحقيق التنمية المستدامة وتحسين مستوى معيشة شعوبنا ورفاهيتها هي أهداف مشتركة، لا يمكن الوفاء بها إلا من خلال التعاون الفعّال لتحقيق مصالحنا المشتركة. وبالمثل، فإن التحديات التي يفرضها الواقع الحالي عابرة للحدود بطبيعتها، وتحتاج لتضافر كافة الجهود الإقليمية والدولية للتعامل معها. ولعل أزمة اللاجئين والهجرة غير الشرعية، فضلًا عن تطور نشاط جماعات الجريمة المنظمة العابرة للحدود في تهريب المخدرات والاتجار في البشر وممارسات التنظيمات الإرهابية البشعة، لهي أبلغ دليل على ذلك. ومن هنا، تتأكد الأهمية القصوى لتعزيز سبل التواصل والتعاون بين دولنا، ودعم منظومة تبادل الخبرات والتجارب، الأمر الذي أدركه المؤسسون لمنظماتنا الإقليمية، حين أقدموا على إنشاء جامعة الدول العربية عام 1945 ومنظمة الوحدة الأفريقية عام 1963 للدفاع عن مصالح دولنا واستقلالها، وهو الدور الذي يتعين أن يتطور ليتواكب مع متطلبات الحاضر وتحدياته، وأن يعمل على دعم التكاتف والتكامل فيما بيننا في إطار يتسم بالاستمرارية والفعّالية المنشودة. السيدات والسادة... إن العلاقات الأفريقية العربية لهي علاقات تاريخية متراكمة متعددة الأوجه، رسمها التلاحم الجغرافي والتمازج الثقافي والحضاري، فلقد هاجر المسلمون الأوائل من شبه الجزيرة العربية إلى الحبشة قبل أكثر من ألف وثلاثمائة عام بحثًا عن الحماية لدى أهلها الكرام. كما شهدت العلاقات التجارية والثقافية بين الجانبين رواجًا تعكسه شواهد ملموسة في مدن أفريقية مثل تمبكتو وزنزبار وأسوان، وأخرى عربية مثل عدن وصلالة، بل إن اللغة السواحيلية بمفرداتها العربية التي يتحدث بها ملايين من الأفارقة لهي أبرز مثال لهذا التمازج . وفي هذا السياق، تفتخر مصر بكونها دولة أفريقية وعربية، وجسرًا بين الجانبين، وتعتز بجذورها وانتمائها لمنطقتين شهدتا مهد الإنسانية وبزوغ الحضارة الأولى والديانات، الأمر الذي كان له بالغ الأثر في إثراء الهوية المصرية وفهم أعمق للتحديات التي تواجهها شعوبنا، والطموحات التي نتطلع لتحقيقها. ومع منتصف القرن الماضي، تبلورت وحدة المصالح العربية الأفريقية على الساحة الدولية، من خلال الاتفاق على مبادئ العلاقات الدولية بعد الحرب العالمية الثانية وبدء تحرر شعوبنا من الاستعمار، حيث التف الأفارقة والعرب حول مبادئ حق تقرير المصير، والسيادة الوطنية، ودعم حركات التحرر الوطني، ومناهضة التمييز العنصري، ثم تطورت المبادئ والأهداف مع بدء حركة العولمة لتتمحور حول الحق في التنمية المستدامة وإتاحة فرص عادلة للدول النامية لتحقيقها، ولتتلاقى المواقف في أغلب القضايا الدولية وعلى رأسها تغير المناخ، والتجارة الحرة، وحقوق الإنسان وغيرها. الأخوة والأخوات... لقد كشفت التجربة وجود علاقة تلازم بين تدهور حالة السلم والأمن الدوليين، والتحديات المتصلة بالفقر والجهل وتراجع معدلات التنمية، حيث تؤثر كل منهما على الأخرى، الأمر الذي يفرض علينا التعامل مع تلك التحديات من منظور متكامل. ومن هذا المنطلق، تضع مصر تحقيق السلم والأمن والاستقرار في ربوع العالمين الأفريقي والعربي في صدارة أولويات سياستها الخارجية، إيمانًا منها بمحورية السلام كأساس لتحقيق الرخاء والتنمية المستدامة. وتعمل مصر على خدمة هذه الأهداف خلال المرحلة الراهنة من خلال تمثيلها للمجموعتين الأفريقية والعربية في مجلس الأمن الدولي بالتزامن مع عضويتها في مجلس السلم والأمن الأفريقي. وترحب مصر في هذا السياق، بما ورد في خطة العمل المشتركة بشأن تعزيز التعاون بين الأجهزة المعنية بالسلم والأمن في الاتحاد الأفريقي وجامعة الدول العربية. السادة ملوك وأمراء ورؤساء الدول العربية والأفريقية الشقيقة.. لقد تابعت بكل التقدير ما صدر عن الاجتماعات السابقة من قرارات لدعم الشراكة بين المجموعتين الأفريقية والعربية بما يتناسب مع حجم طموحات شعوبنا نحو مستقبل أفضل. وأود أن أشيد بجهود مجلس وزراء الخارجية، ووزراء الاقتصاد والتجارة والمالية، وما صدر عن اجتماعاتهم من توصيات، وعلى رأسها إعلان وخطة عمل مالابو، واللذين يتناولان مختلف مجالات التعاون الاقتصادي، بما في ذلك التجارة والاستثمار والتنمية الصناعية، فضلًا عن مواصلة الجهود لتفعيل أهداف التنمية المستدامة 2030. وتشيد مصر أيضًا بالتقدم الذي تم إحرازه في تطوير آليات الشراكة المعنية بالاقتصاد والتنمية، بما في ذلك دورية انعقاد منتدى التعاون الاقتصادي الأفريقي-العربي، وبدء الاجتماعات المشتركة لوزراء الاقتصاد والتجارة والمالية الأفارقة والعرب على هامش قمتنا. واسمحوا لي أن أعرب عن تقديري مجددًا لصاحب السمو الأمير/ صباح الأحمد الجابر الصباح، أمير دولة الكويت، على مبادرته الكريمة التي اعتمدتها القمة الثالثة لتمويل التنمية والاستثمار في أفريقيا، والتقدم الذي حققته المبادرة منذ إطلاقها وحتى اجتماعنا اليوم. وفي هذا الإطار، ستواصل مصر جهودها لدعم برامج التنمية والتعاون الاقتصادي الأفريقي والعربي بهدف تنفيذ برامج الاندماج الاقتصادي والتجاري والتكامل بين الأسواق، وهو ما يتطلب العمل الدؤوب على إزالة معوقات التجارة، وتعزيز قدراتنا للنفاذ إلى الأسواق العالمية والإقليمية وتحقيق التنمية الصناعية وإضفاء المزيد من القيمة المضافة على إنتاجنا الوطني. الأخوة والأخوات... إن تعزيز التعاون الاقتصادي والتكامل بين الأسواق يستلزم توافر البنية التحتية الإقليمية اللازمة للارتقاء بمستوى التبادل التجاري والتكامل الاقتصادي المنشودين، وهو الأمر الذي كان محورًا للنقاش خلال منتدى التعاون الاقتصادي المنعقد على هامش أعمال هذه القمة، والذي تناول كذلك ضرورة الاستثمار في مشروعات البنية التحتية الإقليمية، وهو هدف تؤيده مصر وتسعى لتحقيقه خدمةً للمصالح المشتركة ولتحقيق الأهداف التنموية التي تصبو إليها شعوبنا. ولقد جاءت جهود مصر لتطوير منطقة قناة السويس في هذا الإطار، حيث تهدف إلى إنشاء منطقة اقتصادية خاصة تستفيد منها المنطقتان العربية والأفريقية معًا، وتشمل بناء عدد من الموانئ والمراكز اللوجستية والتجارية، والتي نتطلع إلى مساهمتها بفعّالية في زيادة معدلات التبادل التجاري المشترك. وينطبق ذات الأمر على مشروع الخط الملاحي النهري بين بحيرة فيكتوريا والبحر المتوسط الذي يهدف إلى تعزيز البنية التحتية للتجارة الإقليمية. وفي ضوء أهمية توفير التمويل المنتظم لدعم برامجنا المشتركة، تتطلع مصر إلى تنفيذ الاقتراح الذي تقدمت به أثناء قمة الكويت بإنشاء شبكة للتنسيق بين الصناديق والآليات التنموية والتمويلية العربية والأفريقية، وذلك بهدف تعظيم الاستفادة من المساعدات التي تقدمها تلك الآليات، وعقد اجتماعاتها دوريًا لتحديد أوجه الاستفادة المشتركة. وأرحب في هذا السياق، باستضافة الاجتماع الأول لتلك الشبكة في مصر لوضع أُسس التعاون بين مختلف الصناديق، وإقامة قاعدة بيانات حول المتطلبات التنموية لمختلف الدول الأفريقية والعربية. السيدات والسادة... يطيب لي في نهاية كلمتي، أن أشكر كل من ساهم في نجاح هذه القمة، متمنيًا عقدها بشكل منتظم، لما في صالح ازدهار ورخاء كافة الشعوب الأفريقية والعربية. وشكرًا جزيلًا".