لم يمر اليوم الذي يحل فيه عيد ميلاد جارة القمر "فيروز" الحادي والثمانين مرور الكرام، إذ يرجعنا بالذاكرة للوراء ليذكرنا برمز من رموز الموسيقى العربية وهو الملحن والموسيقار حليم الرومي الذي كان يشغل رئيس القسم الموسيقي في الإذاعة اللبنانية، وهب حياته للفن ليرحل تاركا أرثا فنيا كبيرا طواه النسيان. "وراء كل ناجح عظيم شخص رائع يدعمه ويدفعه نحو الأمام" مقولة أثبتت فيروز صحتها، فنجاحها هذا وراءه ملحن عظيم وهو حليم الرومي الذي راهن على موهبتها وأثني عليها. لفتت فيروز إعجاب الرومي حينها كانت لا تزال طفلة متقدمة لامتحان القبول في إذاعة لبنان، وهي تشدو الأناشيد المدرسية والوطنية أمام لجنة الاستماع الذي كان يرأسها آنذاك، أعجب بصوتها وبأدائها، وحينما سألها إذا كانت تجيد الغناء غير الأناشيد أجابته بموال "يا ديرتي مالك علينا لوم" للمطربة أسمهان ليزداد إعجابه بها، ليحقق لها أمنتيها التي طالما حلمت بها إلا وهو العمل كمغنية في مبني الإذاعة. لم يقف دور الرومي في حياة فيروز عند هذا الحدّ فحسب، وإنما صقل موهبتها بالتدريس والتدريب، فكان بمثابة الأب الروحي لها والسند والظهر، حيثُ أعد لها أغنية "تركت قلبي" وهي أول أغنية لها في مسيرتها الفنية، ونضم لها حفلة كي تغنيها على الهواء أمام الجمهور، واقترح عليها قبل أن تصعد المسرح بأن يكون أسمها الفني "فيروز"ولم تترد ثانية في تلبية رغبته. لأنه كان مؤمن بموهبتها وصوتها، كان حريص أن يضعها في مكانة خاصة تعبر من خلالها قلوب الجماهير، ولأنه كان يرى فيها فنانة متعددة المواهب قرر أن يوظف طاقتها هذه بالشكل الذي يبرز أسمها وسط النجوم الكبار آنذاك، فقام بتلحين لها عدد من الأغاني المتنوعة التي تشمل الشعبي، والقصائد، والطرب، كما كلف عدداً من ملحني الإذاعة بالتلحين له وكان من ضمنهم زوجها عاصي الرحباني، قاصداً بذلك تنويع الأذواق في أغنياتها، بغية عدم تقييدها في مدار الذوق الواحد. الذي يجهله الكثير أن الملحن والموسيقار حلمي الرومي هو والد الفنانة ماجدة الرومي، رحل الرومي عن عالمنا تاركا لنا أرثا فنيا كبيرا من الأعمال الفنية، وصوت ملائكي راهن عليه، وقف أمام كبار الملحنين آنذاك من بينهم زوجها عاصي الرحباني الذي أخبر حليم بأنها لاتستطيع أن تقدم اللون الغنائي المعاصر الذي يطمح فيه، ولأن الرومي كان يثق في قدرات فيروز وبمواهبها اقنعهم بها بعد أن دخل معهم نقاشات جدلية، وها هي الآن تخيب ظن الكثير من الملحنين وتنصف الرومي بعدد من الأغاني تربعت من خلالها في قلوب الوطن العربي بأكمله.