من بنات أفكار «رجل مصر» أنور السادات انشاء «بنك فكري» في مصر علي غرار الاكاديمية الفرنسية والاكاديمية الملكية البريطانية.. وهو بنك تضم خزائنه مجموعة الافكار والدراسات التي يمكن علي أساسها توصيف الاستراتيجيات والسياسات الضرورية لانطلاقة مصرية خالصة نحو مستقبل رائد ومزدهر!!.. ومن هنا تضمن دستور 1971 في مادته (164) نصاً بأن «تنشأ مجالس متخصصة علي المستوي القومي تعاون في رسم السياسة العامة للدولة في جميع مجالات النشاط القومي، وتكون هذه المجالس تابعة لرئيس الجمهورية ويحدد تشكيل كل منها واختصاصاته قرار من رئيس الجمهورية. وعهد الرئيس السابق ذو البصيرة المنطلقة أنور السادات الي الدكتور محمد عبدالقادر حاتم بانشاء هذه المجالس، أي انه اختار رجلاً مصرياً مخلصاً.. قدم الكثير لمصر خاصة أيام حرب العزة والكرامة في أكتوبر 1973 حين تولي منصب نائب رئيس الوزراء للرئيس الذي ولي بشخصه رياسة مجلس الوزراء!!. وعلي مدي أكثر من 35 عاماً قاد مسيرة المجالس الدكتور حاتم ثم تبعه المرحوم الدكتور عاطف صدقي - عالم اقتصادي جليل - وتلاهما المرحوم الاستاذ كمال الشاذلي.. مسيرة تمخضت عن مكتبة ضخمة - تمثل ثروة قومية حقيقية في مختلف مجالات الحياة وذلك من خلال مجالس أربعة وشعبها وهي: (1) المجلس القومي للانتاج والشئون الاقتصادية. (2) المجلس القومي للتعليم والبحث العلمي والتكنولوجيا. (3) المجلس القومي للخدمات والتنمية الاجتماعية. (4) المجلس القومي للثقافة والفنون والآداب والاعلام. واحقاقاً للحق فان الدراسات والتقارير التي أعدتها المجالس القومية المتخصصة.. تميزت بأنها كانت تتعرض للداء بدون مواربة.. وبالتالي.. كانت تصف الدواء بوضوح وصراحة.. ودون مجاملات!!.. ولابد أن نذكر هنا الدور الذي كان - ولا يزال - يؤديه «مستشار» المجالس المستشار أحمد رضوان علي مدي حوالي (15) عاماً كان خلالها نعم «الفني» و«الاداري».. وهو الرجل الذي عمد قبل 3 أشهر من الثورة وحرق مقر المجالس في المبني المجاور لمقر الحزب الوطني علي كورنيش النيل.. عمد - بوحي غريب - الي تسجيل كل تقارير المجالس علي اسطوانات مدمجة واحتفظ بها في إحدي خزائن البنوك.. أي انه.. أنقذ مكتبة كاملة من نتاج الفكر المصري الخالص!!. وكادت المجالس القومية المتخصصة أن تكون المؤسسة الوحيدة في الدولة التي لم تكن تتلقي «توجيهات» أو «تعليمات».. بل ان تقارير المجالس أوضحت اتجاهاً صريحاً وجريئاً لانتقاد بعض السياسات الرئيسية السائدة في ذلك الوقت - أي قبل ثورة 25 يناير.. وفي مقدمتها: (1) خفض قيمة الجنيه المصري، (2) سوء فهم «الاقتصاد الحر» بما يؤدي الي التركيز علي «النمو الاقتصادي».. مع اهمال «التنمية» أي العدالة الاجتماعية، (3) عدم وضوح سياسات زيادة تنافسية الانتاج المصري (صناعة، زراعة) كماً ونوعاً وكيفاً وسعراً، (4) التضخم وانفلات الاسعار، (5) البطالة...الخ... وكان عقاب المجالس.. حفظ التقارير في الادراج.. ومع كل فان المجالس لم تتوقف عن التعبير عن «الضمير المصري» الذي يستهدف.. نهضة مصرية أصيلة!!. ومع ثورة 25 يناير.. فقدت المجالس امكانيات «مادية».. ولكنها حافظت علي امكانياتها «الفكرية» و«الوطنية».. وظل فكر المجالس متوازياً مع «الفكر المصري الاصيل».. ولابد هنا أن أذكر أن الفضل في ذلك يعدو الي اصرار المستشار أحمد رضوان ومساندة «كبير الاطباء» الدكتور ابراهيم بدران.. ومعهما مجموعة من مقرري شعب المجالس!!.. وبمجرد تخصيص مقر جديد للمجالس تدفقت التقارير التي يتطلبها الموقف أذكر منها: (1) تفعيل تنمية وتعمير سيناء كاستراتيجية حتمية لمصر..(2) الاطار العام لاستراتيجية النهوض بالاقتصاد المصري، (3) صناعة الاسمنت، (4) صناعة الحديد والصلب...الخ!!.. وتمشياً مع متطلبات المرحلة فقد قدمت المجالس مجموعة من «خرائط الطريق» متضمنة حلولاً عاجلة.. وعلي المدي القصير!!.. تمهيداً للمستقبل!!. أما وقد تمخضت الثورة عن تطور فكري جديد.. فان الامر أصبح يستلزم اعطاء دفعة جدية للمجالس القومية المتخصصة.. حتي تؤدي دورها كاملاً.. ونحن نتجه نحو بناء «مصر الالفية الثالثة».. وحتي يمكن «تفعيل» هذا الدور.. لتصبح مساهمة المجالس في العمل الوطني أكثر ايجابية.. وأقوي نتاجاً.. وأوسح أفقاً!!.. ومن هذا المنطلق فانني أورد هنا بعض المقترحات التي قد تفيد في دعم هذه المؤسسة الشامخة والحيوية وهي مقترحات أضعها أمام نظر المجلس الاعلي للقوات المسلحة علي اعتبار أن المجالس تتبع رئاسة الجمهورية: (1) تعيين «مشرف عام» للمجالس القومية المتخصصة وسيناط به عرض محتوي المقترحات التالية.. ونظراً للمكانة العلمية المميزة للمشرف العام علي المجالس فانني أقترح العديد من الاسماء.. في مقدمتهم العالم والانسان المصري الصميم والطبيب البارع.. الدكتور ابراهيم بدران.. وبصفة احتياطية (بلغة القانون) الدكتور يحيي الجمل!!. (2) تحديد قنوات واضحة ومحددة الاجراءات بين المجالس القومية وبين المؤسسات التنفيذية لارساء مقدرات التعاون الكامل والتكامل المطلق عند وضع الاستراتيجيات والسياسات والبرامج القومية. (3) تقدم «المجالس القومية» تقريراً سنوياً الي «مجلس الوزراء».. تتم مناقشته تفصيلاً لدعم التكامل المنشود بين مؤسسات الدولة.. أو بمعني التكامل بين «الانجاز الفكري» و«العمل التنفيذي»!!.. وقد يعني هذا - في جزء منه - تخويل المجالس مسئولية متابعة التوصيات التي تقدمها في تقاريرها!!. مؤسسة كبري.. تحتاجها مصر.. ومن هنا لابد من دعمها وتوفير المناخ المناسب لها.. لتؤدي دوراً أثبتت التجربة في كثير من الدول المتقدمة.. انه أساسي.. وحيوي.. لبناء الدولة الحديثة.. القادرة.. والفاعلة!!.. رسالة حق.. أقدمها إلي من يستطيع ارساء هذا الحق!!.. سلام للمجالس القومية المتخصصة.. وسلام لمصر!!.