ثار أعضاء مجلس النواب غضباً فى وجه حكومة المهندس شريف إسماعيل، فى خطوة اعتبرها البعض جديدة على منهج العلاقة التى تحكم البرلمان بالحكومة، منتقدين الحكومة لتقصيرها فى أزمة السيول التى وقعت منذ أيام قليلة بمنطقة رأس غارب، فضلاً عن الأزمات الاقتصادية المتلاحقة، إضافة إلى اصرار النواب على قدوم «إسماعيل» ووزرائه إلى البرلمان لبحث سحب الثقة منهم، أمس الأول، وانتهى الأمر بعد ساعات من الترقب بدعم برلمانى للحكومة. وأضاف سياسيون ان احراج الوزراء ليس مهمة البرلمان الذى يمتلك الكثير من وسائل الضغط على رجال الحكومة بداية من السؤال، مروراً بطلبات الإحاطة والاستجوابات ووصولاً لسحب الثقة، وأشاروا إلى أن البرلمان غير قادر على تأدية مهمته بشكل صحيح، وهو ما يخذل الشعب المصري. وانتقد سياسيون اللجوء إلى تشكيل لجنة لا فائدة منها، فالعقاب كان الوسيلة الأقرب، وتشكيل لجان لتقصى الحقائق ومن وراء أزمة السيول والأزمات الاقتصادية الأخرى، ربما تكون أقل الحلول فائدة ولكن الأداء الضعيف هو سيد الموقف. وبحسب المهندس أحمد بهاء الدين شعبان، رئيس الحزب الاشتراكى المصري، فإن البرلمان لن يحاسب الحكومة بشكل حاسم ولن يتخطى الأمر بعض المؤاخذات الشكلية وسينتهى الموضوع بهدوء، وأضاف «مصير الحكومة ليس فى يد البرلمان ولكن فى يد الدولة والرئيس والواقع العملى انها مرهونة بالرئيس، وبالتالى لم نأخذ على محمل الجد، أن أداء البرلمان محدود القدرة سيفعل شيئًا لإنقاذ مصر كما انفعل رئيسه الدكتور على عبدالعال معلناً نيته بتوعد الحكومة بالحساب الشديد. وأكد «شعبان»: «لا أزمة فى الغضب البرلمانى اللحظى تجاه الحكومة فلو عدنا للحظة التى نوقش بها قانون الخدمة المدنية، كانت هناك ثورات على الحكومة لأن كل عضو من البرلمان يريد ارسال رسالة إلى أهالى دائرته فى إطار الشو الإعلامي، وانتهى الأمر بالتعديلات الشكلية فتعتبر ذلك جزءًا من الاستعراض الإعلامى هدفه ان كل عضو يظهر موقفه القوى تجاه الكوارث والإخفاقات بالدولة وليس هناك ما يملكه من قوة ليعبر به عن حساب شديد تجاه الحكومة». وقال الدكتور مختار غباشي، الخبير بمركز «الأهرام الاستراتيجي»، ان البرلمان لم يؤد دوره كعنصر كاشف للفساد ولم نر استجوابات تزلزل الحكومة رغم الأزمات المتوالية كالسكر والدولار وسد النهضة، مضيفاً «ما تم أمس هو نوع من الرماد الذى يلقى لإخماد النيران نتيجة وجود غضب تجاه الحكومة مع أزمة السيول، لكن العلاقة تعود للود من جديد، فحتى هذا التاريخ البرلمان لم يقدم نفسه كمراقب يحاسب الحكومة، ووصف غضبة البرلمان أمس الأول بسحابة صيف وستنتهى سريعاً. ويرى «غباشي» انه ليس كافياً إحراج وزيرين فى المجلس وهذا غير مقنع للمصريين المراقبين لأداء مجلسهم وهناك خلل واضح فى الأداء البرلمانى يعلمه الجميع. وأضاف حسين عبدالرازق، القيادى البارز بحزب «التجمع» ان أساليب الرقابة البرلمانية متعددة من السؤال للإحاطة والاستجواب وسحب الثقة ولتقديم استجواب لابد من مستندات ومعلومات كافية وقضية السيول حدثت منذ يومين وتفاصيل ما حدث وأبعاده مسئولية الحكومة، فلن تقدم دلائل ضد نفسها، لكن طلبات الإحاطة وردود الحكومة والمناقشات تخلق مادة يتم على أساسها تقديم استجواب. القضية فى تشكيل مجلس النواب وتقسيمته السيئة كأضعف تركيبة سياسية وجعل النائب الفرد هو الأساس داخل البرلمان حتى تكتل دعم مصر الذى يعرف بالأغلبية شكلى ولا يمتلك برنامجًا أو رؤية فلم ولن ينتج عنه أى مساءلة حقيقية للحكومة، وأشار إلى أن فكرة إحراج الحكومة واعتبارها انتصاراً للبرلمان، ضعيفة، وفى الواقع، مرتعشة الأيدى وكان عليها اتخاذ اجراءات أكثر حزمًا من ذلك طالما تعارضت القضية مع حياة المصريين، فالإحراج وحده لا يكفي. وبعد حالة من الثورة والغضب تمخض البرلمان فأنجب لجنة تقصى حقائق لزيارة المواقع التى حدثت فيها كارثة السيول والاطلاع على ما حدث بشكل تفصيلى وهو ما اعتبره سياسيون الحل الأضعف الذى تلجأ إليه مؤسسات الدولة دائماً من خلال إذا أردت أن تقتل موضوعاً فشكل له لجنة. وأوضح البرلمانى السابق، البدرى فرغلى، ان البرلمان خضع لسلطة الحكومة وأصبحت الحكومة التى تراقبه وليس العكس ولم يطبق البرلمان الدستور فى الوضع الرقابى الصحيح رغم حصوله على أكبر قوة دستورية مقارنة بالبرلمانات السابقة وسلطته واسعة لكنه تابع للحكومة التى تفرض إرادتها عليه وما يحدث من غضب لحظى يبدو وكأنه اتفاق بين الحكومة والبرلمان، مضيفاً «البرلمانات السابقة الذى كان البعض يعيب عليها لم ينقطع منها الاستجوابات رغم معرفة نتائجها لكنها كانت تكشف الفساد فى الوزارات وتحرج الحكومة باستمرار ويتخوفون منها». وأكد انه عندما يتم منع وتجميد سلطة الرقابة مواءمة سياسية بين طرفين بهذا الشكل، فلا هناك قوى فاعلة أو سلطة برلمانية تستطيع أن تعاقب وتحاسب الحكومة، ولا نجد جميعاً معنى لهذا الضعف المتوالى من البرلمان الذى أضاع أمل المصريين، وهذا بحسب «فرغلي». وأضاف الباحث السياسي، الدكتور عمار على حسن، يجب ألا نضع كل أعضاء البرلمان فى سلة واحدة فهناك من يغضبون ويحملون الطرفين مسئولية المشكلات المعقدة التى تعيشها مصر لتحقيق الحد الأدنى للأمان الاجتماعى وهناك آخرون فهموا ان عليهم فى هذه اللحظة رفع الصوت فقط لامتصاص الغضب من ارتفاع للأسعار وغموض المستقبل وآخرها أزمة السيول وهؤلاء أخطأوا فى تقدير اتجاههم لأن الحكومة بوزرائها «مجرد ديكور» وإذا كان البرلمان غضب من الحكومة فلماذا لا يلجأ إلى الصلاحيات المتاحة له، ويقيل هذه الحكومة ويطلب من أغلبية البرلمان تشكيل حكومة جديدة لكن البرلمان يؤدى دوره المرسوم له ما عدا قلة بسيطة تدرك الأزمة.