أيام معدودة ويعود إلى مجلس النواب مرة أخرى قانون الهجرة غير الشرعية الذى أقره المجلس مؤخرا، ليتم إقراره بشكل نهائى بعد تعديله إن كان هناك تعديل تمهيدا لإرساله إلى رئيس الجمهورية للتصديق عليه ونشره فى الجريدة الرسمية. وامتداداً لحملة التوعية التى يقوم بها حزب الوفد فى القرى والنجوع للتحذير من هذه الظاهرة التى تخرب بيوت المئات من المصريين، وتلقى بشبابنا إلى التهلكة، تواصل «الوفد» كشفت الأسباب التى تدفع بشبابنا إلى الموت، كما تكشف سماسرة جهنم الذى يستثمرون فى احتياجات الشباب وممتلكات المطحونين والراغبين فى عيشة أفضل. والسؤال الآن: هل سنقضى بهذا القانون الجديد على الهجرة غير الشرعية ونغلق نفق اليائسين إلى الموت، والمنتحرين غرقاً على ظهر مركب أكل منه الزمان وشرب حاملا أضعاف حمولته، والنتيجة صرخات مدوية تجسد أسوأ حالة وصل إليها شبابنا من اليأس والإحباط. تعددت أسباب الهجرة غير الشرعية والموت واحد، فإن نجا الشباب من الموت غرقا لا يفلتون من الموت برصاصة على حدود بلاد الهجرة الموعودة أو القبض عليهم وسجنهم لسنوات طويلة قبل ترحيلهم إلى بلادهم مرة أخرى. والخطير هنا أن الظاهرة التى كانت تقتصر لسنوات طويلة على الشباب اليائس البائس تحولت إلى أسر بأكملها ضاقت عليها الحياة والأرض بما رحبت فقررت الخروج فى رحلة الموت الجماعى، أو النجاة إذا كتبت لهم الأقدار ذلك مدعين أنهم أسر سورية للحصول على اللجوء فى تلك الدول. أما تجار الموت وسماسرة جهنم فإنهم وجدوا أملهم المنشود فى تلك النفوس البائسة التى باعت كل ما تملك أملاً فى الوصول إلى أرض الأحلام الكاذبة. عصابات الموت تعمل من خلال سماسرة السوق ومكاتب السفريات غير القانونية ووسطاء الهجرة الذين يتقاضون الآلاف من كل شاب مقابل السفر، وتنتشر هذه العصابات على الحدود مع ليبيا ومن بعض المحافظات تبيع الوهم مقابل مبالغ طائلة بدعوى توفير فرص عمل فى إيطاليا أو أوروبا ويهربون فى الساعات الحاسمة تاركين الشباب فى مواجهة مصيرهم إما موتاً أو سجناً أو ترحيلاً. وتتنوع طرق تهريب المهاجرين إلى عدة طرق منها الطرق البرية عن طريق التسلل إلى ليبيا ومنها إلى إيطاليا ومالطا، وعن طريق الأردن يتم تهريب المهاجرين إلى قبرص واليونان أو تركيا.. كما تتم الهجرة غير الشرعية عن طريق البحر المتوسط إلى الدول الأوروبية خاصة إيطاليا واليونان انطلاقاً من الإسكندرية، حيث تلقى معظم القوارب خلال الرحلة الغرق مما يخلف أعدادا كبيرة من القتلى والمفقودين. وانضم مؤخراً اللاجئون السوريون إلى شريحة المهاجرين غير الشرعيين، ومركز انطلاقهم الرئيس مصر وبعدها ليبيا والجزائر، ويعد حالياً المواطن السورى فى كل من الداخل السورى ولبنان هدفاً ثميناً لعصابات التزوير والهجرة، حيث يتم إعطاؤه جوازات وتسهيلات تكلفة فى المتوسط ما بين ال10 آلاف دولار و30 ألف دولار للفرد الواحد، ليكتشف لاحقاً فى أحد المطارات الدولية أن الجوازات التى بين يديه مزورة ويتم إعادته إلى بلاده أو اعتقاله وحرمانه من السفر بعد أن فقد جميع أمواله. «الوفد» تفتح ملف الهجرة غير الشرعية لترصد اعترافات أحد سماسرة الموت وبعض الشباب الذين تمكنوا من الفرار خارج مصر وآخرين فشلوا، فى محاولة لبحث أسباب الظاهرة وكيفية القضاء عليها. كشف على عبدالعزيز، أحد أباطرة الهجرة غير الشرعية المتهم فى القضية رقم 1379 هجرة غير شرعية آليات القذف بالمهاجرين إلى طريق الموت قائلاً: كنت أقوم بتجميع المسافرين على مراكب الهجرة غير الشرعية من القرى وتوصيلهم بالسمسار الأكبر الذى لا أعرف عنه شيئاً إلا هاتفه واسمه الحركى وأحصل على 2000 جنيه عن كل شخص أحضره للسمسار الأكبر، مضيفاً: القبض على أثناء جلوسى على أحد المقاهى، حيث فوجئت بمباحث الأموال بعد أن أبلغ عدد من الناجين عنى فى حادث غرق مركب وقع فى منطقة أبوقير، ويستمر قائلاً: أعيش فى محافظة البحيرة، وقبل 5 سنوات فوجئت بصديق يتصل بي من محافظة الفيوم ويسألنى عما إذا كنت أعرف أشخاصاً يعملون فى تسفير الشباب للخارج عبر البحر، فسألت له وتوصلت عن طريق جارى الذى سافر إلى ألمانيا إلى شخص يدعى أبو إسلام ساعده فى السفر، واتصلت به وأبلغته أن هناك أصدقاء لى من محافظة الفيوم يريدون السفر عبر البحر، ومن هنا توطدت العلاقة بيننا واتفق معى أن أحصل على 2000 جنيه عن كل شخص، أحضره وتعرفت على أشخاص كثيرين وتحديداً فى القرى التى يرغب شبابها فى السفر، حيث كان يمثل الشباب الغالبية العظمى من المسافرين خلال السنوات الماضية، ولكن بداية من أغسطس الماضى أصبحت أسر بأكملها ترغب فى السفر، وعندما سألت «أبوعلاء» عن تلك الظاهرة فأبلغنى أن إيطاليا تمنح الأسر السورية حق اللجوء الإنسانى نظراً لما يحدث فى بلادهم، وأن المصريين يأخذون زوجاتهم وأولادهم معهم وعندما يصلون إلى سواحل إيطاليا يبلغون المسئولين هناك بأنهم سوريون للحصول على اللجوء، ومن إيطاليا يتحركون فى دول أوروبية أخرى. يقول محمد على «30 سنة» عاطل: الموت بالغرق أرحم من الموت بقلة الحيلة والفقر، صمت قليلاً ومسح الدموع من عينيه بطرف جلبابه البسيط قائلاً أنا أب لدى 4 أبناء يريدون مأكل وملبس وتعليم، وأنا لا حول لى ولا قوة، كنت أعمل حارس عقار ولكن الأسعار كل يوم فى زيادة وأجرى لم يكف احتياجات أسرتى، والناس تتعامل معى وكأنى عبد، وليس إنساناً لذلك قررت اللجوء للسفر لكى أحسن دخلى أنا وأسرتى وأعلم أبنائى حتى لا يشعروا بالذل والإهانة وقلة الحيلة التى أعيشها وخاصة عندما يطلبون منى شيئاً ولا أستطيع توفيره لهم مضيفاً: أصعب شىء على الرحل أنه يقف عاجزاً أمام أطفاله وزوجته، لذلك أفضل الموت عن نظرة أبنائى لى. وأضاف: اتفقت مع أحد السماسرة ودفعت له مبلغ 8 آلاف جنيه ووعدته بسداد باقى قيمة المبلغ 3 آلاف جنيه عقب وصولى، وقام بالاتفاق مع مجموعة أخرى من الشباب بقضاء يوم على شاطئ البحر بمنطقة الدخيلة لاستقلال المركب فجرا لتوصيلنا لمركب أخرى للسفر إلى إيطاليا، وأثناء ذلك تمكنت قوات حرس الحدود من ضبط المركب قبل السفر وفر صاحب المركب هاربا ومعه الأموال التى ضاعت علينا وضاع مستقبلنا معه، ولكن لم يضع حلمى فى السفر لأنه الفرصة الأخيرة لإعادة حق أطفالى. كشف أحمد 28 سنة أحد الشباب الذى تمكن من الهروب عن طريق الهجرة غير الشرعية إلى إيطاليا أنه بعد حصوله على مؤهل متوسط ظل يبحث عن العمل لمدة 3 سنوات عمل خلالها فى كل المهن، لكن راتبه لم يكن يكفى للإنفاق على أسره، خاصة أن والده متوفى وأنه يعول أمه و3 شقيقات. وأضاف: قررت السفر للتغلب على أزماتى المادية اقترضت من والدتى ذهبها الذى قدر وقتها ب5 آلاف جنيه منذ 4 سنوات وتوجهت لأحد سماسرة مراكب الهجرة غير الشرعية ركبت البحر من أبوكماش فى ليبيا ووصل بنا بعد 42 ساعة إبحار إلى سواحل أجريجنتو جنوبإيطاليا ثم قبض علينا خفر السواحل الإيطالى ورحلونا فى أتوبيسات إلى نابلى فى معسكر ضخم فوجئنا فيه بأن العدد الموجود هناك بالآلاف من أفريقيا وآسيا وكل جنسيات العالم، وأخبرونا بأن السلطات الإيطالية تمنح اللجوء الإنسانى للجميع ما عدا المصريين تقوم بعرضهم على السفارة المصرية التى تطلب عودتهم للوطن لذلك حاول البعض تغيير لكنته المصرية إلى الفلسطينية أو العراقية ليحصل على اللجوء، لذلك قمت بتغيير لغتى ونجحت بالفعل فى الحصول على اللجوء الإنسانى بإيطاليا واستطعت الحصول على عمل. وحمَّل أحمد عبدالحميد 36 سنة موظف الحكومة المسئولية عن اتجاه الشباب إلى الهجرة غير الشرعية بسبب عدم القضاء على سماسرة الهجرة الذين ينصبون على الشباب ويستولون على أموالهم، مضيفاً: رغم غرق العديد من الشباب ضحايا الهجرة غير الشرعية لم تتخذ أى إجراءات قانونية صارمة تجاه هؤلاء المتهمين، الذين يدخلون السجن ويخرجون بعد مدة العقوبة لممارسة النصب مرة أخرى، ومنهم من يستمر فى عمله رغم وجوده فى السجن عن طريق شركاء.. لذا يجب تشريع قوانين رادعة للحد من تلك الظاهرة. وأضاف سامر مرسى 17 سنة قائلاً: كتب الله لى عمراً جديداً حيث كنت أنوى السفر عن طريق الهجرة غير الشرعية أنا ومجموعة من زملائى، بعد حصولنا على الثانوية فشلنا فى العثور على فرص عمل وقررنا السفر لإيطاليا عن طريق سمسار هجرة ويدعى البرنس صاحب مكتب سفريات، حيث قام بجمع الأموال منا وأخبرنا بالتوجه إلى أبوقير للسفر وتمكن حرس الحدود من ضبط المتهم، وحاولت أنا وأصدقائى الفرار، وتبين بعد ذلك أن المركب كانت بها ثقب ومعرضة للغرق فى مياه البحر، وحمدنا الله الذى كتب لنا عمراً جديداً ولكن حياة أسرنا ما زالت مهددة بالخطر.. لذا فإننا ما زلنا نبحث عن فرص سفر أخرى من أجل فرصة عمل. وأشار أحمد محمود 20 سنة دون عمل إلى أن الشباب يلجأ إلى الهجرة غير الشرعية بعد أن فاض به الكيل وأعيته الحيل فى إيجاد فرصة عمل، ونظراً لقلة ذات اليد لأسرته التى أنفقت عليه الكثير حتى يتعلم ويصبح عائلاً للأسرة. ويبقى الأمل الوحيد له هو السفر لتحقيق حلم أسرته ومساعدتهم ملقياً بنفسه فى أحضان الموت من أجل أن تعيش أسرته على أمل النجاح فى محاولته. أكد الدكتور أحمد السجينى، رئيس لجنة الإدارة المحلية، بمجلس النواب عن حزب الوفد أن الهجرة غير الشرعية ظاهرة مؤسفة للغاية، وأن أسبابها متنوعة مطالباً بإيجاد عدة قرارات ثقافية وتوعية لدى الشباب للحد من تلك الظاهرة الخطيرة التى يدفع كل يوم الآلاف من الشباب أرواحهم بسببها، وأضاف «السجينى»: أن قانون الهجرة غير الشرعية الذى تم طرحه بالمجلس يغلظ العقوبة على كل من شارك فى عملية الهجرة غير الشرعية. وقال النائب هيثم الحريرى، عضو مجلس النواب، عن دائرة محرم بك بالإسكندرية إن الهجرة غير الشرعية هى ظاهرة لمرض اقتصادى واجتماعى وسياسى وأمنى، والحل الوحيد للحد من هذه الظاهرة هو تحسين الوضع الاقتصادى وتوفير خدمات كالصحة والمشاريع الصغيرة للشباب، وأضاف «الحريرى»: ليس لدينا أى اعتراضات على قانون الهجرة غير الشرعية، وموافقون عليه لأنه مقبول ولابد من بحث كيفية تطبيقه بصرامة على أرض الواقع، وما زلنا على موقفنا بأن القانون ليس وحده لا يكفى للقضاء على هذه الظاهرة الخطيرة ولابد من نهضة اقتصادية صناعية شاملة تستوعب الشباب وتقضى على البطالة وتحفز المواطن على البقاء فى بلده.